الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 274الرجوع إلى "الرسالة"

تيسير قواعد الأعراب

Share

-  ٥ -

قرأت ما كتبته الآنسة الفاضلة (أمينة شاكر فهمي)   وظنته رداً على، وهو فى الحقيقة تأييد لى. وسأثبت لها ذلك بعد أن آخذ عليها هذا الاستفزاز الذى يحرك النفوس الجاهلة إلى  الثورة على كل جديد ولو كان نافعاً، ويجعلها تقف فى سبيل الإصلاح ولو كان حقاً

تقول الآنسة الفاضلة: (لقد تتبعت بشغف واهتمام مقالات  الأستاذ الفاضل (أزهرى) عن تيسير قواعد الاعراب إلى أن  تم بحثه فى عملية التيسير والتغيير، فدهشت جداً لما جاء فى مقاله  الأخير من تطبيق، وما كنت أظن أن موجة التبديل والتحوير تطفو يوماً على اللغة وتمسخها بهذا الشكل الذى ينكره كل مخلص للعربية. نعم إننا نعيش في عصر السرعة التى وفدت إلينا من أمريكا، ولكن غريب أن تطغى السرعة على قواعد اللغة  والأعراب فتختصره بهذه الصورة المدهشة التى يقدمها الأستاذ  (أزهري) فى بحثه الأخير، فقد اختصر وحذف منه حتى كدت لا أتعرفه، وخيل إلى أننى أقرأ لغة أجنبية. وغريب  أن يتأثر الأزهريون بحياة السرعة الأجنبية فيستعملوها حتى فى  اللغة وهم حماتها من كل اعتداء!)

فما هذا الاستفزاز من آنستنا الفاضلة وهى لم تنقض حرفاً واحداً مما قلت؟ بل أنها تشهد بأنى جئت بدراسة فى تيسير قواعد الاعراب تكاد تكون قيمة لو لم أناقض نفسى بنفسى وأزد في تعقيد الاعراب، وكان من السهل عليها لو تأملت قليلاً أن تدرك أنه لا تناقض فما جئت به من ذلك ولا تعقيد

وستجد الآنسة الفاضلة فى عدد الرسالة الذي نشر فيه مقالها رداً قيماً للأستاذ الجليل (ساطع الحصرى) على خلطها بين اللغة العربية وقواعد إعرابها، وظنها أن فى الاعتداء على قواعد الأعراب اعتداء على اللغة نفسها، فاللغة العربية شىء وقواعد اللغة العربية (الاعراب) شىء أخر، لأن اللغة بوجه عام تتكون تحت تأثير الحياة الاجتماعية.

أما قواعد اللغة فتتولد من البحوث التى يقوم بها العلماء،

وتتبدل بتبديل النظريات التى يضعونها، فهى من الأمور الاجتهادية التى يجب أن تبقى خاضعة لحكم العقل والمنطق على الدوام، ولا يجوز لنا أن نتقبلها بدون مناقشة وتفكير، بل يجب علينا أن نعيد النظر فيها، ونطيل التفكير حولها، لنكشف فيها مواطن الخطأ والصواب، ونسعى فى إصلاحها وفقاً للطرق المنطقية المتبعة فى البحوث العلمية بوجه عام

ومن الواجب على الأزهر أن تكون هذه مهمته فى هذا العصر، وان يتأثر بهذه السرعة التى تقول الآنسة الفاضلة إنها وفدت الينا من أمريكا مع أنها من أصول ديننا، ومن السنن الصالحة التى سنها أسلافنا، وقد رأت الشفاء بنت عبد الله رضى الله عنها فتياناً يقصدون فى المشى، ويتكلمون رويداً، فقالت: ما هذا؟ قالوا: نساك. فقالت: كان والله عمر إذا تكلم أسمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع، وهو والله ناسك حقاً

وما فعلت بما جئت به من مذاهب جديدة في الأعراب إلا أنى قضيت بها على مافيه من حشو لا داعي اليه، وهذا كما فى مسألة الاعراب والبناء، فان تقسيم الكلام إلى معرب ومبنى حشو فى النحو لا يدعو إليه ألا ما ذهبوا إليه في الأعراب من تأثره بالعوامل.  ولو جعلنا العمل فى ذلك للمتكلم لا لهذه العوامل لم يكن هناك فرق فيه بين ما سموه معرباً وما سموه مبنياً، ولأمكننا أن نجعل كلمات العربية كلها معربة، واستغنينا بذلك عن حشو كثير فى  الكلام على الاعراب والبناء، وفى تطبيقات الاعراب التى نجريها فى الأمثلة والشواهد، وليس في هذا أى اعتداء على اللغة العربية، فقد ذهب القراء إلى القول باعراب الحروف إعرابا محلياً، ومعنى هذا أنها تتأثر عنده بالعوامل كما يتأثر غيرها، وهذا  مذهب غريب جداً فى الاعراب، لم أصل فيما ذهبت إليه من إعراب الحروف إلي أنها تتأثر فى ذلك بالعوامل كما يتأثر غيرها، فهل تعدى القراء بذلك على اللغة العربية؟ وهل اتهمه أحد بهذه  التهمة التى تكال جزافاً فى عصرنا؟ اللهم لا

وكذلك مسألة الاعراب المحلى والتقديرى، فإنه لا يوجد هناك ما يدعو إلى الفرق بينهما، ولا ما يمنع من إدماج الأعراب  المحلي في الاعراب التقديرى على النحو الذى ذكرته في مقالاتى السابقة، وقد ذهبوا إلى تقدير بعض الحركات من أجل حركة البناء في مثل (يا سيبويه) فلم أفعل إلا أن طردت ذلك فى هذا الباب كله، وجعلت الأعراب المحلى إعراباً تقديرياً، لأن الفرق

بينهما من الحشو لا يصح وجوده فى هذا العالم، بل لا يصح وجوده فى العلوم كلها

والحق أن كل ما ذهبت إليه فى إصلاح الأعراب من القوة بحيث لا يمكن معارضته، ولولا تعنت هذا العصر وجموده وجحوده لكان له شأن عندنا غير هذا الشأن، ولوجد من أنصاف العلماء ما يؤثره على مذهب القدماء فى الاعراب. وإنه لا يهمنا هذا الجحود والجمود، لأنا بما نكتب فى الإصلاح إنما نرضى به أنفسنا قبل كل شئ ونقوم بما نعتقده واجباً علينا، ولا يجنى هذا الجمود والجحود إلا على الأمة التى ترضى به، ولا تحاول التخلص منه بعد أن صار بها إلى ما صارت إليه

وها هى ذى آنستنا الفاضلة تشهد بقيمة هذا الإصلاح الذى أتينا به، ولكنها تقع بعد هذا فى سهو ظاهر تنقص بهما هذه الشهادة، والذنب فى ذلك عليها لا علينا، لأن ما ظنته تناقضاً فى كلامنا لا حقيقة له

فقد بنت هذا التناقض على أنا قلنا فى مقالنا الرابع إن الحرف لا حظ له من الاعراب أصلاً، ولو رجعت الآنسة الفاضلة إلى هذا المقال لوجدت أن هذا ليس من قولنا، وإنما هو من  قول الجمهور في الرد على القراء، إذ يذهب إلى إعراب الحروف إعراباً محلياً، ويتفق مذهبنا مع مذهبه فى ذلك إلى حد ما. ولسنا من الغفلة إلى حد أن نذهب في أول مقال لنا إلى أعراب الحروف إعراباً ظاهراً، ثم نعود فنقول فى المقال الرابع إن الحروف لاحظ لها من الأعراب أصلاً

وكذلك لم توفق آنستنا الفاضلة حين أنكرت علينا  مخالفتنا فيما أتينا به من تطبيقات للأعراب المعروف فى مذهب  الجمهور، لأنه لا حرج علينا فى ذلك أصلاً، ونحن لم نأت بهذه التطبيقات إلا لنبين للناس مقدار هذه المخالفة، وليس من المعقول أن نخالف الجمهور فى قواعد الاعراب ثم نجري تطبيقاتنا على مذهبهم لا على مذهبنا

فلا تناقض إذن فى كلامنا، ولا شيء يمنع آنستنا الفاضلة  من أن تجعل شهادتها لدراستنا خالصة مطلقة

اشترك في نشرتنا البريدية