قال فى لسان العرب: ((وجحا أسم رجل)) وقال فى القاموس: ((وجحا لقب أبي الغصن دجين بن ثابت)) وقال شمس الدين بك فى قاموس الأعلام: ((هو من قبيلة فزارة، يضرب به المثل فى الحمق، وكان فى الكوفة إبان ثورة أبى مسلم الخراسانى. وجحا الرومى كناية عن خواجة نصر الدين)).
وقد ذكر ابن النديم في الفهرست كتاب نوادر جحا.
وأما جحا الرومى أو خواجه نصر الدين فيروى أنه كان معاصر حاجى بكتاش، ويقال إنه عاش في عصر السلاجقة((١)). وتحكي عنه نوادر كثيرة فى التركية كنوادر جحا فى العربية. وفى جوار آقشهر مكان غير مسور وله باب عليه قفل كبير يقال انه قبر نصر الدين.
وقد شاعت نوادر جحا في مصر وأفريقيا الشمالية كلها كما شاعت نوادر نصر الدين فى تركيا. ونقلت نوادر الرجلين الى شرقى أوربا وجنوبيها. ففى صقلية وبلاد أخرى حرف اسم جحا إلى جوفاGuifa أوGiucca وفي بلاد اليونان والصرب ورومانيا حرف أسم نصر الدين خواجة الىNastratin Hagea
ولا حاجة الى الكلام عن نوادر جحا ونصر الدين خواجه فى العربية والتركية فهى معروفة ومطبوعة في مصر.
بعض هذه النوادر مروى فى الادب الفارسى فى لطائف عبيد الزاكانى الشاعر المعروف، ولكنها لا تنسب إلى جحا، ولا يستطيع من يعرف الزاكانى ولطائفه أن يذكر اسمه دون أن يمتع القارئ ببعض حكاياته:
ذهب رجل من قزوين فى جيش لغزو جماعة من الاسماعيلية وكان مع الرجل ترس كبير. فلما قارب قلاع العدو أصاب رأسه حجر
فغضب وانصرف. فقال بعض أصحابه: ما خطبك؟ قال يا أخى أنا لا أحارب قوما عميا. كيف يرمون رأسي بالحجر وفى يدى هذا الترس الكبير؟!
وأخرى من لطائف الزاكانى: أن رجلا شاهد آخر يؤذن وهو يجرى. قال: ما شأنك؟ قال: يا أخى إن الناس يزعمون إن صوتى حسن حين يسمع من بعيد. فأردت أن أخبر ذلك بنفسي
وقد ذكر جحا فى شعر الانوري باسم جحي (بكسر الحاء): أز حسد فتح تو خصم تو بى كرداسب همجو جحى كز خدوك جرخه ما در شكست
((ان خصمك عرقب فرسه غيظا من انتصارك مثل جحى الذى كسر مغزل أمه من الغضب)) وذلك أن جحا قص على جلسائه نادرة فلم يضحكوا لها فذهب إلى داره مغضبا فكسر مغزل أمه.
وذكر جحا فى متنوى مولانا جلال الدين باسم جوحى وذلك فى ثلاث نوادر
الاولى فى الدفتر الثانى من الكتاب:
مشى صبى فى جنازة والده يبكى ويضرب رأسه ويصيح: يا أبت إلى أين تحمل! أتوضع تحت الثرى! انك تحمل إلى دار ضيقة مقفرة ليس فيها سجادة ولا حصير، ولا سراج بالليل، ولا خبز بالنهار، ولا فيها أثر من الطعام ولا رائحة، ولا سقف ولا باب ولا جار مؤنس. كيف بعينيك فى دار مظلمة خربة، وقد كانتا مقبل الناس؟ دار مخوفة ومكان ضيق لا يبقى على وجه ولا نضرة.
وظل يعدد أوصاف الدار على هذا النسق، ويذرف من عينه دمعا قانيا. فقال جوحى لابيه: أيها الأريب! والله إن هذا الميت ليحمل إلى دارنا. قال أبوه: لا تكن أبله. قال يا أبت استمع إلى أوصاف الدار. انها لا ريب صفات دارنا: لا حصير بها، ولا سراج، ولا طعام، ولا فناء، ولا سطح، ولا باب!
النادرة الثانية فى الدفتر الخامس من المثنوى فيقرأها فيه من يعرف الفارسية فليس يجمل أن تذكر هنا.
وخلاصة الثالثة: أن جحا ألح عليه الفقر فأوعز الى امرأته أن
تشكوه إلى القاضى وتستدرجه إلى بيتها. فرفعت أمرها إلى القاضى وأفاضت فى بيان ظلامتها. ثم سألت القاضى أن يزورها فى دارها لتحدثه فى أمرها. وجاء القاضى إلى الدار فجاء زوجها فأظهرت الخوف وهولت على القاضى الأمر حتى اختبأ فى صندوق. ويدخل جحا فيقول قد عزمت على إحراق هذا الصندوق فان الناس يحسبونه مملوءا ذهبا، سأخرجه غداً فأحرقه على أعين الناس. ولما أصبح دعا حمالا فحمله الصندوق وسار وراءه. فنادى القاضى الحمال؛ والحمال لا يدرى من أين يسمع الصوت حتى عرف أنه صوت رجل فى الصندوق، فسأله القاضى أن يرسل إلى وكيله ليشترى الصندوق. وجاء الوكيل فسأل عن الثمن. قال جحا: ألف دينار فلما تردد الوكيل عرض جحا أن يفتح له الصندوق ليعلم أنه جدير بهذا الثمن. وانتهيا إلى الاتفاق على مائة دينار فنقدها الوكيل وأخذ الصندوق. وبعد سنة احتاج جحا إلى المال مرة أخرى فأوحى الى زوجه أن تعيد الحيلة مع القاضى
فذهبت ترفع اليه ظلامتها من زوجها، ووكلت امرأة أخرى فى الكلام حتى لا يعرف صوتها، فأمرها القاضى أن تحضر المدعى عليه، فلما جاء جحا قال القاضى: لماذا لا تنفق على امرأتك ما يكفيها . قال إنى فقير لا أملك حتى ثمن الكفن إن حظرنى الموت. وأن لعب النرد أوقعنى في هذا الفقر . فقال القاضى، وقد عرفه: نعم لقد لعبت معى عام أول فربحت، وهذه نوبتى فى الربح. فإن شئت فالعب مع من تشاء ودع اللعب معي.
وقد أثبت جلال الدين هذه النوادر فى شرح آرائه الصوفية والاخلاقية كدأبه فى ضرب الامثال والذهاب بقارئه كل مذهب
في جامع الحكايات لحبيب الله الكاشانى , الحكايات الثلاث التى فى المنتوى، وأربع أخرى من نوادر جحا. أترجم منها واحدة:
جاء جحا يوما إلى شاطئ دجلة فرأي بعض العميان يريدون أن يعبروا النهر. فقال ماذا تجعلون لى إن أبلغتكم الشاطئ الآخر: قالوا: يعطيك كل منا عشر جوزات، قال: ليمسك كل منكم بحزام الآخر، وليمسك أولكم بيدى. فلما توسطوا النهر اشتد التيار فذهب بواحد منهم. فصاحوا: ذهب أحدنا يا جحا!
قال الآن خسرت عشر جوزات! ثم ذهب التيار بآخر فصاحوا جزعين: وآخر ذهب به الماء! قال يا ويلتا ذهب من يدى عشرون جوزة! وذهب الماء بالثالث فصاحوا: سنغرق جميعا: قال جحا: وما يعنيكم أيها الحمقى! إنما الخسارة على! انا الذى أخسر بكل غريق منكم عشر جوزات.
وأخرى من نوادر جوحي فى الباب الثالث من كتاب بهارستان لعبد الرحمن الجامى :
كان لرجل على جوحى مائة درهم، فرفع الأمر إلى القاضي فسأله ألك شاهد؟ قال: لا. قال القاضى لجحا فاحلف له. قال المدعى أنه لا ببالى باليمين. فقال جوحى: يا قاضي المسلمين: ان لم يثق بيميني ففى مسجدنا إمام تقى صادق القول حسن السيرة فابعث إليه وحلفه مكانى ليطمئن هذا المدعى!

