الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 274الرجوع إلى "الرسالة"

جورجياس ، او البيان، لافلاطون

Share

-  ١١ -

(تنزل (جورجياس) من آثار   (أفلاطون) منزلة  الشرف، لأنها محاوراته وأكملها وأجدرها جميعاً بأن  تكون (إنجيلا) للفلسفة! ) (رينو فييه) (إنما تحيا الأخلاق الفاضلة دائما وتنتصر لأنها أقوى وأقدر من جميع الهادمين! ) (جورجياس: أفلاطون)

الأشخاص

١ - سقراط: بطل المحاورة:  (ط) ٢ - جورجياس: السفسطائى:     (ج) ٣ - شيربفين: صديق سقراط:   (س) ٤ - بولوس: تلميذ جورجياس:     (ب) ٥ - كاليكليس: الأثينى : (ك)

ب - (رداً على سقراط) وإذاً فكل من يقتل (بعدل) يبدو لك شقياً وجديراً بالرحمة والرثاء؟؟

ط - كلا. وإنما هو لا يبدو على الأقل جديراً بأن يُحسد! ب - ألم تقل تواً إنه شقى وتعس ؟؟

ط - لقد قلت ذلك يا رفيقى عمن يقتل ظلماً وعدواناً، وأضفت إليه أنه جدير بالرحمة والرثاء. أما ذلك الذى يقتل بعدل فأقول عنه أنه لا يجب أن يثير حسداً ما!

ب - لا شك أن من يستحق الرحمة والرثاء هو ذلك الشقى  الذى يموت ظلماً وعدوانا ً!

ط - ولكنه - مع ذلك - أقل فى شقائه وفى جدارته  بالرحمة والرثاء من ذلك الذي قتله ومن ذلك الذي مات موتاً عادلاً

ب - وكيف ذلك يا سقراط؟ ط - ذلك لأن أفدح الشرور هو ارتكاب الظلم! ب - أيكون ارتكاب الظلم أفدح الشرور ولا يكون تحمله

أفدح من ارتكابه وأنكى ؟؟

ط - كلا يا بولوس! ب - وإذاً فأنت تفضل احتمال الظلم على ارتكابه ؟! ط - لست أرغب فى هذا ولا ذاك. ولكن إذا وجب على إطلاقاً أن أختار بينهما فانى أفضل احتمال الظلم بدلاً من ارتكابه ! ب - وإذاً فسوف لا تقبل أن تكون طاغياً؟ ط - كلا. إذا كنت تفهم الطغيان كما أفهمه ! ب - إنى لأعيد عليك فكرتى عنه وهى أن يفعل المرء  ما يشاء فى الدولة من قتل ونفي إشباعاً للذاته !

ط - حسن جداً يا بولوس، فاسمح لى إذاً أن أتكلم وأنقدنى عندما يحل دورك. هب أنى أخفيت خنجراً تحت إبطي ثم  جئتك في الوقت الذى يزدحم فيه الميدان العام بالجمهور وقلت لك: (إني لأرى نفسى حائزاً لقوة هائلة تعدل قوة الطاغية، فاذا قررت أن الأصلح هو أن يموت أحد هؤلاء الذين تراهم فانه  يموت في الحال، وإذا قررتُ أنه يجب أن تتحطم رأس أحدهم  فإنها تتحطم فوراً، وإذا قررت أنه يجب تمزيق ثيابه فإن ثيابه  تتمزق ما دامت قدرتى عظيمة في المدينة) ... فإذا رأيت بعد  ذلك أنك لم تصدقنى أبرزت لك خنجرى ! ولكنك قد تقول لى حينئذ: (وإذاً يستطيع كل الناس على هذا الأساس أن يكونوا أقوياء لأنهم يستطيعون بنفس الطريقة أن يحرقوا المنازل التى  يريدونها، ومخازن أسلحة الأثينيين وسجونهم، بل وكل السفن التجارية الحكومية والأهلية!) ... فترى هل تعتقد أن عظمة

القوة قائمة فى أن نعمل ما يسرنا أن نفعله ؟؟

ب - إذا كان الأمر فى مثل هذه الظروف فكلا بالتأكيد ! ط - أتستطيع أن تذكر لى ما تأخذه على قوة كهذه القوة ؟ ب - بلى ! ط - وما هو إذاً ؟؟ تكلم ! ب - إذا فعل الانسان هكذا فانه يعاقب بالضرورة ! ط - أوليس العقاب شرا ؟ ب - من غير شك ! ط - وإذاً فقد حكمت أيها الشاب العجيب بأن الانسان  يكون (ذا قوة عظيمة) عندما يرى في إشباع رغباته مصلحة له وخيراً، وقلت إن هذا ما يبدو أنه قوة كبيرة، وأن كل ما عداه  شر وضعف! ولكن لنختبر ذلك أيضاً: ألا توافق على أنه قد يكون الأفضل أحياناً أن ننفذ ما نتحدث عنه فى الحال كقتل المواطنين ونفيهم وسلبهم، وقد يكون الأفضل ألا ننفذه ؟

ط - وإذا يبدو أنك متفق معى على هذه النقطة ؟ ب - بلى ط - وإذا ففى أى الأحوال ترى أن الأفضل تنفيذ تلك  الأفعال ؟ أرجو لو تحدد لى الموضوع !

ب - الأفضل أن تجيب أنت نفسك على سؤالك يا سقراط ط - حسن يا بولوس.! وما دمت تفضل أن تسمع منى فأنى أقول أن الأمر يكون أفضل عندما ننفذ فعلاً منها بعدل،  ولا يكون كذلك عندما ننفذه بظلم !.

ب - لعمرى إن مناقضتك لصعوبة جميلة يا سقراط ! فالطفل  نفسه يستطيع أن يبرهن لك على خطئك ! ط - لأكونن مديناً لهذا الطفل ولك بكثير من الشكر إذا  ما نقضتمانى وتخلصتها من بساطتى وجهلى !، وإذا فلا يضجرك  الاحسان إلى من يحبك يا بولوس، وامض فى مناقضتى !

ب - لن احتاج في مناقضتك إلى الرجوع بك إلى الماضى وأمثلته لأن حوادث البارحة واليوم كافية لأن تثبت خطأك،  ولأن تريك أن الظلمة من الناس غالباً ما يكونون (سعداء) !

ط - أية حوادث تقصد ؟ ب - ألست ترى - من غير شك -   (أرشليوس)   Archelios ابن (بردكاس) perdiaas الذى يحكم اليوم

(ماسيدوينا) Macedoine

ط - إذا كنت لا أراه فانى سمعت عنه كثيراً . ب - حسن فهل تراه سعيداً أم شقياً ؟ ط - إنى لا أعرف عنه شيئاً يا بولوس لأنى لم ألتق به بعد ! ب - لتدركن سعادته إذا ما التقيت به ! والواقع أنك لن  تعرف فى هذه الناحية غير سعادته فحسب

ط - كلا وحق زيوس يا بولوس! ب - وإذا فنستطيع أن نؤكد أنك تجهل أيضاً إذا كان  أكبر الملوك وأعظمهم، سعيداً أم شقياً ؟

ط - ولن أكون مخالفاً للحقيقة في ذلك ما دمت أجهل  ما عسى أن تكون عليه نفسه من   (عدالة وعلم) ! ب - كيف ؟ وهل تقوم   (السعادة) فى العدالة  والعلم وحدهما ؟

ط - نعم، حسبما أرى يا بولوس. فأنا أدعى أن كل أمين  عادل - رجلاً كان أو امرأة - يكون سعيداً، وكل شرير  ظالم يكون شقياً !

ب - وإذاً فهذا   (الأرشليوس) شقى تبعاً لقولك  ياسقراط ؟! ط - حقاً يا صديقى إذا كان ظالماً ! ب - وكيف كان يستطيع أن يكون عادلاً؟، إنه لم يكن  له أدنى حق فى العرش الذى يتربع عليه اليوم لأن أمه كانت  جارية (لألكيتيس) شقيق     (بردكاس) ، وكان هو - تبعاً  للعدالة - عبداً لسيد أمه. فلو أراد العمل بالعدالة لخدم سيده  وسعد بذلك حسبما تدعى، ولما عرض نفسه للشقاء الهائل بارتكابه أفظع الجرائم وأشنعها ...

اشترك في نشرتنا البريدية