الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 80الرجوع إلى "الرسالة"

حماية الدولة للآداب، وهل نحن بحاجة اليها؟

Share

نقلنا إلى القراء في العدد الماضي خلاصة تلك الفكرة الطريفة  التي تتحدث بها بعض دوائر الأدب الفرنسي، وهي وجوب  تدخل الدولة لحماية الآداب القومية من منافسة الآداب الأجنبية  كما تتدخل لحماية المحاصيل والصناعات القومية، أو بعبارة أخرى  وجوب معاملة الثمرات الأدبية معاملة النبيذ والقمح مثلاً من حيث  الحماية القومية، وذلك لأن سيل الأدب الأجنبي يتدفق الآن على  فرنسا ويهدد مصالح كتابها ومفركيها تهديداً قوياً يظهر أثره في  هبوط الدخل الأدبي وقيم حقوق التأليف. وتسالنا ماذا يكون  من أمره هذه الفكرة في بلد كمصر؟ وهل نحن في مصر بحاجة  إلى بحثها؟ والجواب الذي يتبادر إلى ذهن لأول وهلة هو أن  مصر لم تتقدم في ميدان التفكير إلى الحد الذي تستطيع معه أن  تكون بدلاً مصدراً يبعث بثمار تفكيره إلى البلدان الأخرى،

فعى مازالت بلد ! مستوردا , يستوردا كبر قسط من غذائه الأدبى وينقله عن التفكير الغربي , وان إلىمرات الادبية المحلية ليست فى حاجة إلى الحماية لأنها ليست من الكثرة أو القيمة بحيث تتأثر مهذه المنافسة الأجنبية القوية . وهذا صحيح من الوجهة العامة , ولكنا نستطيع أن نستدرك عليه يبعض الملاحظات . وفى رأينا أن الأدب المصرى بحاجة إلى نوع من الرعاية والحماية المحلية من بعض النواحى , ولسنا نقصد أن تفرض الضرائب الجمركية أو تتخذ إجراءات لأنة حماية ضد الآداب الأجنبية الرفيعة , فنحن فى أشد الحاجة لاستيراد هذه الآداب ؛ ولكنا نعتقد أننا فى حاجة إلى الحملة من سيل الادب الغربى الوضيع الذى ينساب إلى مصر من كل ناحية , محمله إلينا كتب ومجلات و صحف  كتبت لطبقات وبيئات منحطة , ويجد بيننا رواجا عظيما ، وقراء المجلات والصحف الأجنبية هنا يعرفون هذه الحقيقة ، ويكفى أن يعرف التاشئون قليلا من الانكليزية أو الفرنسية ليبهافتوا على اقتناء هذه النشرات الوضيعة الخطرة فى معظم

الأحيان من الوجهة النفسية والأخلاقية وهنالك انواع من الأدب الأجنبى المتوسط أو الخفيف تروج بيننا رواجا عظيما , وهذه أيضا يجب أن وضع حد لذنوعها على حساب الأدب المحلى والصحافة المحلية لأنها ليست أقوم منها ولا أرفع ؛ ثم هنالك سيل الترجمة ؛ ومع أننا فى عصر ترجمة ونقل فى كثير من النواحى الفكرية , فان هذا السيل يجرفنا بلا تحفظ , ويطغى على الانتاج القوى بشدة . ومن الصعب أن نتحدث فى أمر الحماية الرسمية الفغلية فى هذه النواحى , ولكنا تشعر فى أحيان كثيرة بالحاجة إليها . ولو أ مكننا ببعض الوسائل المعقولة أن نحد من تدفق سيل الآداب الأجنبية المتوسطة أو الوضيعة , وأن نحصر الترجمة فى حدود القسم المنتج , لكان فى ذلك ما يشجع الآداب المحلية , ويعضد الانتاج المحلي ؛ ولاشك أن انصراف القراء عن التهافت على هذه الأنواع من الآداب الأجنبية يقابله من الناحية الأخرى شىء من الاقبال على الأدب المحلى , وإذا بما هذا الاقبال , ترتب عليه حتما انتعاش الأدب المحلى وتقدمه ؛ والتمضيدأكبر عناصر التشجيع وشحذ العقول والهمم . وكلما زاد هذا الاقبال والتعضيد تقدمت الحركة الأدبية وارتفع معيار الانتاج الأدنى

على ان المسالة معقدة من الوجهة العملية . ومن الصعب ان نتصور الوسائل أو الاجراءات المعقولة التى يمكن أن نحقق بها مثل هذه الحماية دون مساس بير الحركة العقلية , وحركة الاقتباس الفكرى التي نحن فى أشد الحاجة إليها . وأصحاب هذه الفكرة فى فرنسا يجدون مثل هذه الصعوبة فى اليماس الوسائل العملية لتحقيقها . وكل ما يمكن قوله , تماشيا مع أصحاب الفكرة هو أن الحماية الاختياربة هى خير وسيلة لحل المشاكل , أو بعبارة أخرى إن هذه الحماية يمكن تحقيقها بالتطو ع والرغبة فى تشجيع الآداب القومية من جانب القراء والمثقفين , وإغفال الآداب الأجنبية التى لاتحمل قيمتها أو نوعها على وجوب الانتفاع بها وقد يعترض عشاق الثقافة الأجنبية بأن الانتاج الأدنى المحلى لم يرتفع إلى الحد الذى يحقق بغية المثقفين وطلاب المتاع الفكرى

الرفيع، ولكن المحقق هو أن هذا التقدم المنشود لايمكن تحقيقه  دون تشجيع قوي فعال؛ والطبيعي هو أن يتقدم التشجيع اولاً،  فاذا ظفر الانتاج المحلي بهذا التشجيع، أستطاع أن يظفر بفرض  التقدم والصقل والنضوج

ميشيل آنجلو وعصره

منذ حين أصدر الكاتب المؤرخ الألماني هيرمان جريم  كتاباً عن الفنان الايكالي الاكبر ميشيل آنجلو وعصره، فكان  لصدوره وقع عظيم في الدوئر الأدبية والنقدية. ومنذ أسابيع قلائل صرت ترجمة فرنسية لهذا الأثر القوي، فعاد الحديث عن  قيمته الأدبية والفنية، ولا ريب أن الكتابة عن ميشيل آنجلو  وعن عصره ليست يسيرة؛ فقد كان آنجلو من أعظم العبقريات  البشرية، وكان عصره - القرن السادس عشر - من أعظم  عصور التاريخ: كان عصر   (الأحياء)  الفكري، وكان عصر  البابوية الذهبي؛ وكان ميشيل آنجلو يمثل كل ما في عصره من  عظمة وآمال، وكان عمله رمزاً قوياً لخواص هذا العصر وأمانيه،  كان مثالاً، ومصوراً، وشاعراً، ومنهدساً عظيماً

هذا هو ملخص الصورة التي يقدم بها جريم بطل ترجمته؛  وقد عاش ميشيل آنجلو وتوفي بين أعظم رجالات عصره. كان  في فتوته صديق لورنزو الأفخم أمير فلورنس، وكان في كهولته  مصور البابوية ومهندسها. وكان صديق جلوليوس الثاني، وليون  العاشر، وهو الذي وضع التصميم الجديد لكنسية القديس  بطري أعظم كنائس النصرانية، وهو الذي رسم ابدع نقوشها؛  وهو الذي أودع من ريشته أعظم بدائع الفن على جدران   (كنسية  سكستوس)  إحدى حلى الفاتيكان، وصور عليها بالأخص أشهر  وأبدع صوره   (يوم الحساب) ؛ وما زال السائح المتفرج يقف  ذاهلاً مأخوذاً أمام روعة هذه القاعة التي يشعر فيها بروح ميشيل  آنجلو ترفرف عليه من سقفها وحول جدرانها

ويمثل لنا جريم ميشيل آنجلو في شبابه ونضجه رمزاً لمثل  إيطاليا وأمانيها، وفي كهولته وشيخوخته رمزاُ لآلام إيطاليا،  ويمثل لنا حياته كلها بأنها صورة صادقة لعصر الأحياء كله. وأما عصر  الأحياء الأيطالي فيصوره جريم أبدع تصوير، ويبين لنا كيف  ان هذا العصر فجر المعارك والتطورات الفكرية والاجتماعية والسياسة،  وكيف أن هذه المعارك كانت تتمخض عن مثل ما يتمخض به  عصرنا من المشكلات الاجتماعية والسيايية، سواء في حقوق الفرد  واجماعة، وتنظيم الحكم والدولة أو غيرها من المسائل الكبرى

وقائق جديدة عن نابليون

ظهرت أخيراً حركة ترمي الى كشف كل ما يتعلق ينابليون  بورنابارت وعصره من الآثار والوثائق؛ ويبعث في باريس مجموعات  ثمينة من كتب الامبراطورية وتحفه التي كانت في مكتبة مالمزون؛  ثم طهرت على أثر ذلك مجموعة كبيرة من رسائل الامبراطور الى  زوجه الثانية ماري لويز النمسوية وعددها نحو ثلثمائة، وعرضت  للبيع في لندن واشترتها الحكومة الفرنسية، وقد أشرنا الى  هذه الرسائل وإلى محتوياتها في عدد سابق. والآن تظهر في  انكلترا وثائق جديدة خاصة بأيام الامبراطور الأخيرة في منفاه  بجزيرة سنت هيلانه. فقد نشرت جريدة     (الصنداي تيمس)    عدة رسائل لم تنشر من قبل، كتبها ضابط انكليزي يدعى دنكان  داروس كان من شهود أيام الامبراطور وساعاته الأخيرة الى أمه،  منها رسالة كتبت غداة وفاة الامبراطور، بتاريخ ٦ مايو  سنة ١٨٢١، وأخرى في مايو عقب الاحتفال بدفنه

وكانت هذه الرسائل في حوزة حفيد هذه السيدة. ولم تنشر  من قبل قط، وهي وثائق ثمينة مؤثرة، عن المناظر والأقوال التي  تتعلق بمرض الامبراطور الأخير وساعات نزعه، ولحظة وفاته،  وكان الضابط دنكان داروس قد أرسل الى حامية سنت هيلانه  في المرحلة الأخيرة من اعتقال الامبراطور؛ والرسالة الأولى عن  وفاة  الامبراطور مكتوبة من   (ديدوود) ، والرسالة الثانية من    (لونجوود)

ولما ظهرت الحكة الأخيرة بجمع الوثائق النابوليونية سعت  جريدة     (الصنداي تيمس)   الى الحصول على هذه الرسائل،  ونجحت في احتار حق نشرها، وبدات بذلك منذ ٢٣ ديسمبر؛  وكان لنشرها وقع عظيم عند كل الذين يهتمون بهذا العصر  ومأساة الامبراطور المنفي

اشترك في نشرتنا البريدية