الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 274الرجوع إلى "الرسالة"

حول إنهاض اللغة العربية

Share

حضرة الأستاذ الجليل صاحب مجلة الرسالة لا أحسبكم قد فرغتم من الحديث عن إنهاض اللغة العربية في مدارس الحكومة حين فرغتم من الحديث عن الكتب وطريقة اختيارها، فإن شأن اللغة العربية في وزارة المعارف خليق بأن ينال من عنايتكم أكثر من ذلك. ولقد حمدنا لكم ما نشرتم

من الملاحظات على لجنة اختيار الكتب، وإننا ليسرنا بجانب ذلك أن تظل الرسالة حاملة راية الأدب الحر، دائبة على إنارة السبيل أمام القائمين على شؤون اللغة العربية في وزارة المعارف. فلقد مضى الوقت الذي كانت فيه وزارة المعارف تعمل منفردة في الميدان، لا تجد من يشد أزرها أو يناقشها الحساب أو يهديها السبيل. وليس من أحد غير الرسالة يستطيع أن يفرض على نفسه هذا الواجب أو يرى نفسه أهلاً لهذا الحق.

كان مما قررته لجنة إنهاض اللغة العربية أن تزيد درسين في كلتا السنتين الأولى والثانية أحدهما اختياري، ودرساً واحداً في باقي الفرق. فهل يعلم سيدي أن هذه الزيادة قد انتهت نهايتها إلى أن تكون من أسباب ضعف اللغة العربية في مدارس الحكومة بدل أن تكون من وسائل إنهاضها وقوَّتها؟

ذلك أن وزارة المعارف حين زادت هذه الدروس لم تحسب  حسابها فتزيد عدد المدرسين ليقوموا بهذه الزيادة؛ والمدرسون القائمون بالعمل الآن في المدارس الثانوية لا يسعهم - على ما هم فيه من رهق ومشقة وزحمة في العمل - أن ينهضوا بهذا العبء الجديد. وقد جاء موسم العمل وليس في المدارس حاجتها من مدرسي اللغة العربية، فلم يجد نظار المدارس أمامهم وسيلة - والحالة هذه - إلا أن يزيدوا العمل على المدرسين الذين يعملون معهم - مدرسي اللغة العربية خاصة: ثلاثة دروس في الأسبوع على كل مدرس؛ فعليه منذ اليوم واحد وعشرون  درساً في الأسبوع، بعد ثمانية عشر درساً كان يشكو كثرتها التي تستنفد الوقت والعافية والطاقة العصبية، فليس له معها فسحة ليستجم لعافيته أو ليجدد مادته أو ليبتكر في وسائله

أفتكون هذه وسيلة من وسائل النهوض باللغة العربية أم سبب من أسباب الضعف والخذلان؟

وثمة عبء جديد أضيف هذا العام على كاهل مدرس اللغة العربية، ذلك أن النظام في العام الماضي والأعوام السابقة كان يحدد عدد التلاميذ في دروس اللغات ببضعة وعشرين تلميذاً في كل شعبة فألغي هذا النظام في العام القادم وصار على مدرس اللغة العربية أن يلقي درسه على أكثر من بضعة وثلاثين تلميذاُ إلى أربعين؛ فهل تراه مع ذلك يستطيع أن يعمل وأن ينشط وأن ينهض باللغة؟

ثم إن كثيراً من نظار المدارس الثانوية قد تعجلوا الحكم والاختيار فاستغنوا عن درس من الدرسين المزيدين في اللغة العربية لتلاميذ السنتين الأولى والثانية قبل أن يتحققوا الحاجة إلى هذا الدرس، بل قبل أن تبدأ السنة الدراسية وينتظم التلاميذ.

والخلاصة ما يأتي: أ - أوصت اللجنة بزيادة دروس اللغة العربية فزيدت ولكن على حساب المدرس المرهق بحيث يصير عمله لا خير فيه ب - أوصت اللجنة بزيادة العناية بدروس اللغات فزيد عدد تلاميذ الفرق بحيث يجتمع على المدرس كثرة لا يستطيع معها أن يعرف تلاميذه

ج - زادت الوزارة بعض دروس اللغة العربية زيادة  اختيارية، فألغى نظار المدارس الثانوية بعض هذه الزيادة قبل أن يتحققوا الحاجة إليها رغبة في التخفف من العمل!

... وأخيراً ما زالوا يتحدثون عن الوسائل التي قدروها  للنهوض باللغة العربية، وما زالوا يكررون الحديث عن تنظيم المكتبات المدرسية، وتوجيه التلاميذ إلى المطالعات الخارجية، وإنشاء المحاضرات، وإقامة المناظرات، وترتيب المباريات بين  الطلاب في الكتابة والخطابة والمناظرة والإلقاء... ولا عليهم فيما  يتحدثون وما يقدرون، وما ننكر أن هذا الذي يتحدثون عنه من أنجح الوسائل في تقويم اللسان وتقوية اللغة، ولكن... أين هو المدرس الذي يجد عنده الوقت الذي ينفقه في ذلك؟

نحن موقنون تمام اليقين بصدق نية معالي الدكتور هيكل  باشا على النهوض باللغة العربية، موقنون أنه قد أدى واجبه في ذلك على الوجه المستطاع؛ ولكن ما يزال أمام معاليه واجب آخر هو أثقل عبئاً وأكثر نفقة: أمامه أن يباشر تنفيذ الوسائل التي

وضعها مستشاروه لينهضوا باللغة العربية؛ فليست تغني النية عن العمل، وليس يكفي وضع البرامج وتمهيد الخطط دون العناية بوسائل التنفيذ. ولربّ عمل صالح أسلمه صاحبه إلى من لا يحسنه أو من لا يخلص له، فأداه غير مؤداه وانتهى به إلى غير غايته                                                     (مدرس)

اشترك في نشرتنا البريدية