فجعت الأمة العراقية الكريمة منذ أسبوعين باستشهاد خمسة من طياريها البواسل، سقطت بهم الطيارة على مقربة من مطار الهنيدي، فرثاهم شاعر العراق الكبير بهذه القصيدة
(١)
خمسة طاروا من عيون الشباب فوق طيّارة كمثل العقُاب
أخذت في الجوّ الرفيع تَعالى ثم خرّت من أوجها كالشهاب
إن ذاك الصعود في الجوّ منهم كان للجد والعُلا والغِلاب
صدمٌة في هبوطها أهلكتهم بعد أن حلّقت بمجرى السحاب
لا ترى بعدها على الأرض منهم غير أشلاءٍ أو دمِ مُنساب
انما أوقف المحرّكَ فيها سببٌ قاهرٌ من الأسباب
هلكوا في شرخ الشباب فيا للـ رزء لّما عرا ويا للمصُاب
(٢)
فتيةٌ طارت تبتغى المجدّ ذخراً ولأوطانها تخلّد ذكرا
فوق طيّارة بهم في الْـ جوّ هدّارةٍ فتشبه نسرا
كلما استذكرتُ الفجيعةَ أحسـ ت ُمن الحزن في فؤادي جمرا
ليس عندى ما أستقى منه شعرى غيرُ عين من الكآبة عَبْرى
أنا في الحزن أرسل الشعرَ دمعا ساخناً ثم أرسل الدمعَ شعرا
حسبُ مَن مات عند خدمته أو طانَه أَنه بها كان بَرّا
عاش مَن بَرَّ بالمواطن محمو داً فان فهو بالحمد أحرى
(٣)
فتيةٌ صرعى فارقتها الحياة فبكتها الآباء والأمهات
وبكاها العراق حزنا عليها وبنوه ودجلةٌ والفرات
أينما أَلْتَفِتْ أشاهد شحوباً في وجوه عيونها خَضِلات
شّيعتها الى مقابر شتى عبراتٌ وراءها عبرات
إنما المجد لا يموت وان كا نَ ذووه لحادث قد ماتوا
أيها الشعب لا يثّبطك يأسٌ انما في الموت المُلِمّ حياة
أيها النسر ما دهاك وقد كنْـ ــتَ اذا طرتَ لم يخنك الثبات
(٤)
هي دنيا كثيرة الإمتاع وَدَّعوها ولات حين وداع
وهو المجد بالمساعي اقتنوه حبذا المجدُ يُقتنى بالمساعى
قد أضعناهم خمسةً ليس فيهم مَن به رِعدةٌ فيها للضياع
مشهدٌ للحياة والموت يُشجى ما به من تنازع وصِراع
لهف نفسي على شباب تردّوا فنعاهم إلىّ في الصبح ناع
شاع ذاك النعىّ حول الفراتين فأثِقلْ به على الاسماع
جنحت للغروب شمسُ نهارى ثم منها لم يبق غيرُ شعاع
(٥)
وقف الموت للأنام رصيدا كلّ يوم يريد منها شهيدا
شطّت الدار بالأحبة عنا وعسى مَن نأى به ان يُعيدا
فتيةٌ كادتها صروفُ الليالي والليالي من شأنها ان تكيدا
أنا لولا شيخوختي ثم دائى كل يوم نظمتُ فيهم قصيدا
حبذا الليل والنهار لو أنا فيهما نستطيع ألاَّ نبيدا
قد ظننت الذى ثوى يسكن القبــ ر قريبا منى فكان بعيدا
فات مَن قد رأى السلامَ رغيبا أن يرى في الاخطار موتا حميدا
(٦)
حلّ يودي بخمسةٍ أطهار قدرٌ نازلٌ من الاقدار
بنسور قد حلّقت قبل أن يؤ ذن ضوءٌ الصباح بالإسفار
خطرٌ كله الظلام ولكن لا تبالى النسور بالأخطار
ركبوها طيّارةً لم تخنهم في تمارينهم وفي التكرار
ما دهاها حتى هوت كشهاب خَرّ من جوّه بلا انذار
ثم دارت بهم على نفسها بالرَّ غم عن كل حيلة الطيّار
ثم كان الذي به جرت الأقـ ـدار من سقطةٍ لهم وبوار
(٧)
كلّ يوم تُعطى الحياةُ ضحايا تبتغى إرضاَء بها للمنايا
إن هذا الجيل الذي نحن منه هو من هاتيك الضحايا بقايا
نَبتغى تخفيفَ الرزايا بلهوٍ نرتضيه فلا تخفّ الرزايا
لا أظن الحياةَ تَلقى سلاماً من بلايا وراءهنَّ بلايا
ان مَن اعطانا العقولَ اذا ما شاء أن نردى يستردّ العطايا
والذي أنشأ البرايا من البوَ ر مُعيدٌ الى البوار البرايا
كِبَرٌ شفّنى فلم يبق عندى غير قلبٍ يئنّ تحت الحنايا
بغداد

