(س) شاعر شاب تزوج منذ عام بزوجة من الريف , لانه كان يريد فتاة ساذجة طاهرة الجسم والعقل - وذلك ما يندر فى المدن الكبرى - يستطيع أن يصوغها على ما يلائم ذوقه الفنى , وما يتفق ومثله العليا ...
عاد(س) بالفعل من الريف بالزوجة المنشودة , إلا أنه وجد من صعوبة فى تكوينها ما وجده آباؤنا فى نحت ألجرانيت ؛ لأن الفتاة كانت ساذجة جدا .. ثم وجد مع الأسف أنها أقل عاطفة من فتيات المدن وهى بنت الريف التى نشأت وتزعرعت بين الحدائق والزهور .. فان حب الفتاة لشاعرنا كان حباً ضئيلا جدا إذا قيس بحبه لها ، لأن الشاعر احتفظ بطهازة قلبه طوال شبابه من أجل هذا اليوم المشهود ( مع باستثناء بعض جولات فى الغزل البرئ) فكان ما به من احتياطى الحب قد يعادل ما فى خزان بنك فرنسا من احتياطى الذهب.. ، اما قلب الفتاة فكان أشبه بجليد "الأسكيمو" ...
جلس الشاعر هناك على بساط من الخضرة , ثم أخذ يستعيد فى ذاكرته حياته الزوجية خلال العام المنصرم , فأحس من جراء ذلك بهم شديد وحزن بالغ ... فكم من حوادث محزنة وقعت خلال تلك السنة !
إنه ما زال يذكر مع الأسف والحسرة تلك الليلة التي اتفق فيها الزوجان على الذهاب الى المسرح ليشهدا رواية مشهورة .. إلا أن الزوج مرض فى اللحظة الأخيرة , فقال عندئذ من
باب المجاملة لزوجه , وقد ظن أنها ستبقى بجانبه لتمريضه وتسليته : اذا شئت فاذهبى أنت ياعزيزتى إلى المسرح ٠٠ سآطلب م .. ( صديق للشاعر ) فى التليفون ليأتى فيصطحبك .. ولشد ما كانت خيبة أمله كبيرة حينما أجابته حسن سأذهب مع م .. بعد أن أقيس حرارتك لاطمئن عليك ! أرادت الزوجة بقولها هذا ان نظهر اهتمامها بجسمه ... ولكن هل فكرت فى قلب الشاعر المسكين ؟
وفي ليلة اخرى ذهب الزوجان الى حفلة رقص ... فلما عزفت الموسيقى بلحن " الدابوب الازرق الجميل " الذى كان الشاعر يحبه حبا جما , ذهب من فوره الى حيث كانت تجلس زوجة ليطلب منها ان ترقص معه هذا الدور , فاعتذرت اليه لارتباطها بوعد سابق ! مع علمها بحب زوجها الشديد لهذا اللحن ... وكان قد أهدى اليها قبل الذهاب الى الحفلة وردة بيضاء حلت مها صدرها .. فافتقدها أثناء الحفلة فلم يجدها على صدرها , فسأل عنها وقد ظن أنها سقطت منها أثناء الرقص , إلا أنها اجابته بكل سذاجة : الوردة ؟ إن صديقتى البارونة ل .. اظهرت إعجابها بها فاعطيها إياها ! كاد الشاعر يموت فى تلك الليلة من الغم...
وفى مرة اخرى سافرت زوجه الى الريف تعود امها وكانت مريضة مرضا خطيرا .. ومكثت هناك أسبوعين لم ترسل اليه خلالهما إلا كتابين قد احتويا على عواطف تشبه تلك العواطف الانموذجية الموجودة فى كتب " برلينز " للتمرين والترجمة!.. وفى يوم عودتها من الريف , بدلا من ان تقضى السهرة على انفراد مع زوجها بعد تلك الغيبة , دعت . بعض الأصدقاء الى السينما لمشاهدة الممثلة جريتا جاربو فى فلمها الأخير
بينما كان الشاعر يعيد هذه الحوادث فى مخيلته إذ به يسمع تغريد عصافير على شجرة , فرفع الى الشجرة نظره , فاذا به يبصر عصفورن على غصن , متعانقين فى شوق وحنان , عندئذ سقطت دمعة كبيرة على خد الشاعر ، ثم نظر فى ساعته فوجد أنه قد تأخر فى نزهته ، فبادر بالعودة الى المنزل ، لأن زوجه كانت قد دعت , بعض الاصدقاء للاحتفاء بمزور عام على زواجهما السعيد :
كرمة ابن هانى

