نعم هو ستانلى باى الذى تكتب عنه الآن الجرائد اليومية كل يوم . والذى تكتب عنه المجلات الأسبوعية كل أسبوع ...
فا للرسالة لا تساهم فى حديثه وقد أصبح حديث جميع من فى مصر .. ؟
أفليس هو الذى يزوره (الأستاذ الصاوى) فيتكلم عنه فى (الأهرام) يومين متتاليين؟
أليس هو السر فى (قطر الندى) كما يسميه أهل الاسكندرية الظرفاء. وهو نفس ما يسميه مدير السكة الحديدية (قطار البحر)؟ أليس هو الذى حرمته القاهرة فقام فنانوها من مديرى المسارح والصالات ينقلون مشاهده الى مسارح القاهرة؟
أليس هو الذى يشغل بال حكمدار بوليس الاسكندرية ورئيس نيابة الاسكندرية ؟
ثم أليس هو الذى استلفت أخيراً نظر رجال الدين، على رغم ما هم آخذون فيه من توزيع (الطوابع) الجديدة التى ابتكروها لاسترداد هيبة الأسلام واعلاء كلمة الدين؟!
إن الرسالة وقد جعلت مهمتها أن تقاوم حيرة الأمة بتوضيح الطريق كما جاء فى عهدها لا تستطيع أن تفتك من قيود التحدث الى الأمة فى هذا الموضوع الذى يشغل الدنيا والدين على السواء! !
ولقد كان من حق قراء (الرسالة) أن ينتظروا كلمة من بعض أقلامها المعهودة أو تعليقا من حامل شعلتها الوضاءة. ولكن يخيل الينا أن هذه الأقلام قد استراح كل منهاالى موضوع فهو لا يفتأ يتقلب فيه، وقد استقل كل منها ببحث فهو لا ينفك يجول فى حواشيه، فالدكتور عزام مثلا فى محمد اقبال وعبد الحق حامد ونامق كمال. والأستاذ العبادى ما بين زرياب وعمر بن عبد العزيز. والأستاذ أمين أخيرا فى عكاظ والمربد. والدكتور طه أخيراً أيضا فى لغو الصيف ما بين مصر وما وراء مصر ... ولكن لا عن طريق ستانلى باى والسلام!
فلم يبق بعد ذلك الا أن يتقدم الفضوليون الذين لا يريحون ولا يستريحون. وانى أعوذ بالله - وأنا أثير هذا الموضوع - أن أكون أحد هؤلاء ...
كنت من رواد هذا الشاطئ منذ نحو عشرة أعوام، وما زلت أزوره كل عام. فأقسم لك صادقا أن لست أدرى فيم هذه الضجة التى بدأت تقوم حوله هذه الأيام؟ ...
لقد كان الطريق اليه فيما مضى متعبا متربا. فتعبد واستقام. وكان شاطئه مجهدا مرهقا فى السير لغزارة رماله، فقام الى جانبه افريز ممهد سهل يجعل السير فوقه متعة من متع الحياة. وكانت (اكشاكه) على غير نسق، يقوم فيها الكبير الى جانب الصغير، والوجيه الى جانب القمئ، والعالى المشرف الى جانب المنخفض الوضيع. فتناوله الذوق السليم بالتهذيب حتى أصبح فى صورته الحالية درجات متماثلة بعضها فوق بعض كأنه القلادة الفرعونية تزين صورة ذلك الشاطئ الجميل. هذا هو الشاطئ نفسه ما بين يومه وأمسه ...
أما أهله فهم هم أهل (ذلك) الزمان. وأما زيهم فهو زى (هذا) الزمان! فمن أراد أن يثور بالشاطئ فلست أدرى لم لا يثور بكافة الطرقات التى تغشاها السيدات؟ وهل أنت ترى فوق ذلك الشاطئ الا من ترى فى الترام وفى غير الترام من مسالك الأسكندرية وشعابها؟ انهم وحق أبيك ليس فيهم من خلق جديد، ولكنهم يبدون فى الطريق بزى الطريق وينزلون الى البحر فى زى البحر. فانظر أية الزينتين أدعى للفتنة وأيتهما أقرب الى الفجور؟. . .
هذه سيدة فى عربة الترام تراها وثوبها يغطى جسمها - وقبعتها تغطى رأسها - وحذاؤها يغطى رجليها. فهل حقيقة تغطى شىء من ذلك؟
ألست ترى تحت القبعة شعرا مصفوفا وجدائل بعضها يتدلى فوق الأذن، وبعضها يزين الجبهة. وبعضها يمر فوق الخد لتلعب ضدية الألوان دورها فى إبراز محاسن العنصرين . . . اشراق الوجنة، وفحومة الخصل؟!
ثم انظر ماذ افعل الثوب بالجسم؟ ألم يفصّله تفصيلا؟ ألم يلف مفرطحه وينهض بمسترخيه؟ ويضغط هنا وينسدل هناك؟ ثم ينشق فوق الصدر تلك الانشقاقة الماكرة التى يبدو منها انفلاق الثديين! إنما مثل هذا الذى يفعله الثوب فى جسم صاحبته كمثل المعلم الذى يمسك (بمؤشره) فيؤشر به لتلاميذه على هذا الموقع من الخريطة حيث " مجمع البحرين" وعلى ذلك حيث "مفرق الجبلين" وهكذا . . . .
إن كل قطعة فى لباس المرأة العصرية إنما يؤدى اليوم غرضا واحدا هو إبراز ذات المحاسن التى كان المقصود به أن تسترها .
أما اعتبارات الجدد والاحتشام وما إلى ذلك من تلك الأغراض الى اتخذ الانسان الأول من أجلها اللباس فقد انطوت مع أهلها ومع زمانها ....
ثم دعنى أعود بك الى الحذاء. أفلا يتخذه النساء مخرما مهلهلا مثقبا؟ وهو على الرغم من كل ذلك يلبس فوق الجلد بغير جوارب أو نحوها.
فحدثنى بعد هذه الصورة وكن صريحاً . . أى المنظرين أشهى للعين وألفت لنظرها؟ أهى القدم الحافية أم المستورة تحت مثل هذا الحذاء المفضوح؟ أهو الجسم الصريح الهادى على علاته أم ذلك المرائى المتحصن فى كل تلك الغلائل. . . هذه تبرز نهديه. . . وتلك تضغط كشحيه. . . وغير هذه وتلك من الخرق والمزق التى تغريك كل قطعة منها بكشف ما دونها ومعرفة ما وراءها!
إن ما يثير الرجل من المرأة ليس هو ظهرها المتجرّد، ولا هى سيقانها العارية، ولكنها نظرتها الساجية التى ترخيها فى وجه الرجل كأنما تدافعه عن نفسها وهى انما تراوده بها عن نفسه!
وليست المرأة العارية هى التى تبعث الفتنة، فقد علمنا أن فى هذه الدنيا قبائل كاملة يعيش نساؤها عاريات وسط الرجال. فلم نسمع بأن ذلك كان مدعاة إلى أن يتخطف الرجال بعض هؤلاء النساء. ولا أن تشيع الفتنة والفساد فى تلك البيئة بسبب هذا العراء. ولقد علمنا من الجانب الآخر بأن الفتنة على شر ما تكون هنا فى طرقات القاهرة والاسكندرية حيث (الملاءات) التى تنسدل من الرأس الى القدم، ومع ذلك فانها لا شأن لها إلا أن تحسر الأرداف، وتنحسر عن بعض السيقان، تبدى جانبا منها وتضن بالجانب الآخر، إمعانا فى الفتنة واستفزازا للغرائز.
أنى أحدثك صادقا أن الرجل يكون فى البحر أو فوق الشاطئ تموج حوله السيقان، وتصطخب الأثداء، وتتلألأ الظهور، وتترقرق النحور، فلا يشغله كل ذلك بمثل ما يشغله فى الطريق وقوف امرأة تميل على جوربها ترفعه، أو انشغال أخرى بذيل ثوبها ترخيه على ساقيها بعد اذ هفا به من فوقهما النسيم
وعلى الرغم من كل ذلك فأن النيابة ... والبوليس ... والصحافة، ورجال المطافئ، ورجال الدين، كل أولئك يعلنون الحرب عوانا على .... "شاطئ ستانلى باى"

