الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد الثامنالرجوع إلى "الرسالة"

شروح وحواشي

Share

عام ١٣٥٢- أشرقت على الدنيا شمس المحرم فى اصفرار يشبه  الكسوف! وانكسار يقارب المذلة! كأن صبحه الضاحى لم يغرق  الكون بالنور، ويخرج العالم من الضلالة! وكان يومه الأغر لم يغير  وجه الزمان وينتصب علما في تاريخ الخليقة! وكأن الهجرة التى يشع هذا  اليوم بذكراها لم تدفع الانسانية فى طريق الكمال آلافا من المراحل  وهى على بعيرين هزيلين يتنكبان الجواد ويمشيان على كلال  ووجل! وكأن الفلك لم يدر به القرون الطوال على دين حرر  العقول، وملك طبق الأرض، وحضارة مدنت العالم! ولكن ليت  شعرى لم لا تنكسف شمس المحرم، وهى إنما تطلع اليوم على أطلال  من المجد والملك والخلق لا تبعث في العين غير الدموع، ولا فى  النفس غير الكآبة ؟!

لقد أصبحنا وما نملك لذكرى الهجرة إلا مظهرا وضيع  الشأن قاصر الدلالة: عطلة رسمية فى الحكومة، وحفلة كلامية  فى جمعية الشبان! أما المظهر الشعبى الذى يغمر الشعور بالبهجة،  ويعمر القلوب بالعزة، فكأن نفوسنا لم تتهيأ له بعد!

وفى العراق -وا أسفاه- يستقبلون المحرم بلدم الصدور  بالأكف، وضرب الظهور بالسلاسل، وإقامة المناحات فى  الشوارع والمنازل، فيضيع بذلك عيد المجد النبوى فى مأتم السبط  الشهيد، وتأبى هذه المصادفة المشئومة على حكومة بغداد، أن تجعل يوم  الهجرة عيدا من الأعياد.! وفى سائر البلاد الاسلامية يمر هذا  اليوم المسكين فلا يعلنه تقويم ولا يحفله أحد!

رحماك اللهم! فأين الشرق من الغرب!! وأين المحرم من يناير؟!

نهضة العراق - كثر اليوم حديث الصحف المحلية عن العراق  ونهضة العراق، وفى ذلك رضا للعاطفة التى أحملها لهذه  البلاد الكريمة يدفعنى الى إعلان هذا الفوز. فوزارة المعارف تريد  على ما روت إحدى الصحف أن تستعين بما وضعته معارف  العراق من الأناشيد، فى تقرير هذا النظام الجديد. وتنشر  الصحف أن لجنة ألفت فى وزارة المعارف العراقية (لتغيير)  الأناشيد المدرسية! فتقدم اليها على الفور جمعية الرابطة الأدبية  فى بغداد ثلاثين نشيدا منها: تحية العلم، الحرية، تربية الطفل،  المطر، تدبير المنزل، تحية الملك: نشيد النهضة، نشيد الوحدة،  نشيد الحماسة، نشيد الفتاة، النشيد الوطنى، الرياضة، الكشافة،  العلم والعرفان: ويقرأ هذا الخبر شعراؤنا الفحول فيسألون الله السلامة،  ويتضاءل فى نفوسهم الرفيعة معنى الزعامة! وتضرى الخصومة  السياسية عندنا فتمزق العلائق والاعراض فيضرب الكتاب المثل  الأعلى بالخصومة النبيلة التى تقع بين ساسة العراق فلا تتعدى أندية  الاحزاب ولا دواوين الحكم. وتحس الصحافة المصرية حز القيود  فتغبط الصحافة العراقية بحريتها الجديدة، وتشكر لحكومتها  السعى فى تقرير نقابتها العتيدة.

والحق ان فى الشعب العراقى أفضل ما فى الشعوب الناهضة  من حيوية وطموح ومرونة ورجولة، فاذا أضفت الى هذه الخلال  انه جذ من ورائه تقاليد النظام القديم، وان معاهدته الجديدة  قد قللت من الاستشارة الاجنبية المعرقلة، وان حكومته بسيطة  الآلة ضيقة الدائرة، حتى لتسنح الفكرة للمدير العام (وكيل  الوزارة) فى مجلس من المجالس أو تقترح عليه فتصبح قانونا أو  لائحة، أدركت سر القوة الحافزة فى نهضة العراق. أما الحكومة  الملتوية المعقدة ذات الزوايا والحنايا فان المقترح أو المشروع يضل  فيها بين توزع المسئولية وتقسم الرأى فيخرج من مكتب الى  مكتب حتى يدركه الموت من الاعياء فيقبر فى درج أو سلة!! الادب المصرى الحديث ادب ثرثرة- هكذا قالت (العاصفة)

فى بيروت، ثم تفضلت على الصديق طه فنصبته زعيما على هذا الأدب!  وقالت: (ان الأدب الحديث الناشئ فى مصر أدب لا يزال بحاجة الى  صقل وتهذيب فهو أشبه بالحجارة غير المنحوتة) ثم قالت فى موضع آخر  (وأصدق قول ينطبق على القسم الأعظم من هذا الأدب الذى يتحفنا به  أدباء مصر انه أدب ثرثار فان رجاله حائرون بين الابتكار والتقليد

فيشوقهم أن يكونوا من المبتكرين وأن يسيروا فى التيار الغربى  فاذا القديم يغلب عليهم. . . ومقال العاصفة على (ثرثرته) اندفاعة  نفس شابة لا تزن الكلام ولا تبالى التبعة، وهى لا تملك ولله  الحمد ميزان القضاء ولا أهلية الحكم. فالدفاع أمامها دفع بعدم  الاختصاص. على أن من الخير لنا ولها أن تقف قليلا عند قولها:  (ولم تشعر مصر بروح الأدب العالى تجول فيها إلا يوم ارتادها  أدباء لبنان وسورية. . . فالادب الذى حمله الى مصر تقلا ونمر  وصروف وإسحق واليازجى وحداد وزيدان والرافعى والمطران  وسواهم هو الأساس فى نهضة مصر الادبية الحديثة ولولاه لم  يكن حافظ ولا شوقى ولا العقاد ولا المازنى ولا طه حسين ولا ولا الخ. نعم نقف قليلا عند هذه الجملة الطائشة لنقول للكاتب  وأمثاله: ان الزمان لم يدع فى أيديكم وأيدينا من المجد المشترك إلا  هذه اللغة وهذا الادب، فلم تأبون إلا أن تقسموهما على البلدان  وتوهنوا أسبابهما بهذا الهذيان ؟ تلك نعرة بدوية ونغمة مملولة.  والعاصفة التى أثارت هذا الموضوع الجاهلى تتشدق بالتجديد!  فهل علمت ما يشبه ذلك بين الادباء فى فرنسا وسويسرا وبلجيكا،  أو بين الادباء فى انجلترا وأمريكا ؟ وماذا يضيرها إن تركتنا  متآخين متحابين على هذا المنهل الباقى ننعم جميعا بريه ومائه،  ونحرص جميعا على فيضه وصفائه ؟؟

شاعر وشاعر :

هو الحظ غير البيدساف بأنفه خزامى وأنف العود بالذل يخذم! فى اليوم الذى تحتفل فيه لبنان بذكرى (لامرتين) فى الشرق  تجئ أخبار الموصل بأن بلديتها هدمت قبر أبى تمام! فأما تكريم  لبنان لذكرى الشاعر الفرنسى فلم يخرج عن سنن العرب فى تمجيد  الادب وأهله، والاعتراف باحسان المحسن وفضله. وأما تكريم  الموصل للشاعر العربى بهدم ضريحه وطمس أثره فذلك ما لم نفهمه  لا من طبيعة الشىء ولا من سياق الخبر ولا من احتجاج العرب ولا  من روح العراق. فهل يكون السبب ان مدينة (الخالدين) عدنانية وأبا  تمام من قحطان، أم السبب انها عراقية والطائى من قرى غسان؟! قرية الادباء: من أنباء موسكو ان الحكومة الروسية قررت  بناء قرية للادباء بالقرب من لينغراد وصدرت لها من مالها ما يساوى  مائة ألف جنيه ذهبا وستحظر على غير الادباء دخولها إلا باذن رسمى

خاص. وغايتها من ذلك بالطبع استخدام الادب في تأييد الحكم  السوفيتى ونشر المذهب الشيوعى. والذى يعنينا من هذا الخبر  انه تنفيذ سخى لقلم الشعراء الذى يقترحه على وزارة المعارف صديقنا  الهراوى، وتحقيق لفكرة (المدينة الفاضلة) التى خططها فى الخيال  أستاذنا الفارابى!!

اشترك في نشرتنا البريدية