الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 60الرجوع إلى "الرسالة"

صلاح الدين الأيوبي، لمؤلفه الأستاذ محمد فريد أبو حديد

Share

لجنة التأليف والترجمة والنشر، هي بلا ريب في مقدمة  الجمعيات العلمية الحديثة، التي ساهمت - إلى حد كبير - في  النهوض العلمي والإنتاج الفكري في الشرق العربي، الذي  يقاسي فوق فقره المادي من أثر الاستعمار الأوروبي فقرا أشد فتكاً وأبعد خطراً، هو غزو اللغات الأجنبية له، فقامت هذه  اللجنة في جهد الجبابرة، تنشر وتترجم وتؤلف بلسان عربي في  مناح مختلفة في الفلسفة والعلوم والآداب والاجتماع.

والذي يحز في قلوبنا وينال من إحساسنا القومي، أن تنهض  هذه الجمعية على أكتاف أفرادها، دون أن نمكن لها من مال  الدولة أو الأمة بالقدر الكافي، أو ما يوازي على الأقل ما حصلت  عليه الجمعيات العلمية الأجنبية مع ما فيها من مكمن الخطر التبشيري  وما تحمله من نزعات الشر والكراهية لمصر والمصريين.

هذه الجمعيات قد منحت من أملاك الدولة، في الصميم من  قلب المدينة وخير بقاعها، فضلاً عما تمدها به حكوماتها  وشعوبها، بينما ترى مركز لجنة التأليف والترجمة والنشر، في  ركن متواضع من أركان بيت ضج بالسكان، أو المرضى من الناس  في شارع الساحة. هذا فضلاً عن حرمانها من امتيازات لو منحتها  لدرت من أنواع الثقافات أفضلها وأعظمها قدراً.

وأذكر أن المرحوم ثروت باشا قد أشار إلى وجوب إصدار  سلسلة معارف عامة تعين على ثقافة الشعب، فكانت هذه اللجنة  هي أول من لبى أمنية وزير مصر الكبير.

وكان أستاذنا النابه (محمد فريد أبو حديد) أول من وقع

اختيار اللجنة لرسالته كسلسلة معارف عامة في صلاح الدين الأيوبي.  والمؤلف غني عن التعريف لولا ما تأخذنا به أصول التحليل والنقد.  فهو أستاذ تخرج في المعلمين العليا، وفي مدرسة الحقوق المصرية،  وتقلب في مناصب عدة في التعليم الثانوي، على أن هذه العناوين  ليست كل شيء في الرجل، فإن كثيرين قطعوا مراحل التعليم  منفعلين لا فاعلين، ومروا بها مر امتحانات متأثرين لا مؤثرين،  ولكن هذا الرجل وقد عاشرته عن كثب - تجد فيه الابن المصري  البار الذي كلف نفسه حمل رسالة النهضة من وجهتين: أخلاقية  وعلمية - ليؤديها إلى الناس في نفس كبيرة وجسم ضئيل.

وإذا كانت النفوس كبارا       تعبت فى مرادها الاجسام

أنظر إليه وهو يلقي عليك هذا السؤال في مؤلفه صلاح الدين  ما الحياة؟ فانك لتستشف من جوابه على هذا السؤال ناحية أبية  من نواحي النفس المصرية النادرة، أو قليلة العدد على الأقل، التي  يغتبط بوجودها، بل ويفتقر إليها المجتمع المصري، وهاك جوابه:  (أليست تلك الأنفاس التي تتردد في تلك الفترة المحتومة ما بين  واجب البلاد وواجب الموت؟ ألا إنها فترة مملة مسئمة إذا لم  يكن بها ما يهز النفوس).

ثم هاك كتابه وقد تناول بالبحث الشيق بطلاً من أبطال  العالم الإسلامي تقف فيه على خير عصر من عصور التاريخ عانى  من غشاوة الجهل والتعصب التي اكتنفت أوروبا في القرون  الوسطى. وترى كذلك كيف تكون السياسة الحكيمة يمليها  رجل الشرق فترتفع الحواجز وطلاسم الحياة التي بيننا وبين أية  أمة بالغة ما بلغت من العظمة والسلطان، اسمعه يقول في تقدير  صلاح الدين   (والناس إذا تولى أمرهم عظيم تساموا إلى مستوى  عظمته فأتوا بالعجب)  وهاكم رجل الساعة مصطفى كمال مصداق  لما ذهب إليه المؤلف الجليل. والكتاب في جملته وتفصيله حافز  للهمم دافع للعزم الصادق في نفوس شباب طغت به مدنيات

(البقية فى أسفل الصفحة التالية)

الاستعمار حتى ماع، وبهره سراب خلّب حتى هوى واستسلم إلا  من عصم ربك، فبعث فينا من يعاني النظر في أمراضنا والبحث  في وسائل علاجها.

ولولا مغالاة المؤلف في أسلوبه العلمي وتوخيه البحث على  نمط مدرسي وهو يكتب للشعب، لكان مؤلفه قد بلغ الغاية وأوفى  حتى انتهى إلى درجة الكمال. ولكم نشكره على جهده وما بذل  في وسط كوسطنا المصري يعاني ذكرى مؤلمة لمجدنا السالف، ومحنة  راهنة بسبب فقرنا العلمي.

قليوب البلد

اشترك في نشرتنا البريدية