"فى دار الولادة بنت المستكفى بقرطبة. الشاعر أبو الوليد احمد بن زيدون يزور الدار أول مرة فى صحبة صديقه أبى حفص بن برد. بعد التعارف والتفاهم تحتفل الولادة بقدوم ابن زيدون فتدعو القيان. بعد الرقص والعزف يقبل الوزير ابن عبدوس فى رفقة نديمه خليفة لزيارة الولادة جريا على عادته"
ابن عبدوس: وقد سمع آخر الغناء مخاطبا خليفة مطبل وزامر فمن يكون الزائر؟ خليفة: أحسبها توقعت حضورنا نسامر وهذه تحية ترسلها المزاهر أدخل فقد طاب الهوى بما يحب الخاطر ابن عبدوس: (قد اجتاز الباب ورأى ابن زيدون) من أرى؟ الولادة: (مقدمة اليه) هذا ابن زيدون
ابن عبدوس: وما لى أراه شارد اللب حزين! قد عرفناه طروبا ينثنى مرحا عند سماع العازفين ابن زيدون: (فى لهجة حازمة) وأرانى ربما أحزننى من صدى الاوتار شدو أو رنين ابن عبدوس: (فى شئ من السخرية) هذه حال الذى أودى به لاعج الأشواق أو مس الجنون ابن زيدون: نعم أهوى ولا أخفى غرامى ومن شرف الهوى أنى صريح
وأما ان سئلت من اصطفتى سكت فما استرحت وما أريح ابن عبدوس: ومن لك أن تقول صفا هواها وقلب الغانيات مدى فسيح ابن زيدون: وغرك من عهد ولادة سراب تراءى وبرق ومض أراك تفوق سهم النضال وترسلها لو أصبت الغرض! ولادة: وما هذا التراشق بالأحاجى وما هذا التوثب للهجوم؟ أرى عينيكما رمتا شرارا وأخشى النار ترعى فى الهشيم!
(بعد صمت) ألم يجمعكما سبب متين على حفظ المودة والأخاء؟ ابن زيدون: وألفنا على الاخلاص عرشا نفديه ونخلص فى الفداء ابن عبدوس: وهل أخلصت للعرش المفدى وقمت على الرعاية والولاء؟ وأنت العمر تقضيه هباء صريع الكأس أو خلب النساء ابن زيدون: خسئت فان لى القدح المعلى اذا خف الرجال الى العلاء تأسس ملك قرطبة وقامت دعائمه وكانت من بنائى وناولت ابن جهور صولجانا على جنباته تجرى دمائى
ابن عبدوس: ومن بين الممالك لا يبالى بهدم العرش أو هد اللواء ولادة: كفى ما قلتماه فان دارى مراح الشعر أو مغدى الغناء تباعد نازلوها عن حوار يجر الى القطيعة والعداء
ومالى والسياسة وهى بحر أتى الموج مربد السماء طغت أنواؤه فهوت بأهلى وطاحت بالرفاق الأوفياء (بعد صمت) يا خليلى أما كان لنا ندحة عن ذلك القول الهراء!
ابن زيدون: قد تحدانى ولادة: وماذا قال لك؟ ابن زيدون: قال انى أصرف العمر هباء ابن عبدوس: بل تصدى لى ولادة: وماذا قال لك؟ ابن عبدوس: قال يغوينى سراب فى سماء ولادة: وهل الدنيا سوى أخيلة من ظلام اليأس أو نور الرجاء وهل الأيام الا ساعة ينعم القلب بها حيث يشاء خليانا م الذى فات ولا تذكرا الماضى إذا الماضى أساء وصلا حبل التصافى واعلما أن هذى الدار نادى الاصفياء
ابن زيدون: (فى لهجة المعاتب) درجنا مع الود منذ الصبى وكانت رباه لنا ملعبا وألفنا أمنيات الشباب زهت كوكبا وسمت مطلبا ومرت بنا عاديات الزمان فكنا على غدره قربا ابن عبدوس: ومالك أنكرت منى الوفاء وقد ذقته صافيا طيبا؟
ولادة: حنانيكما لا تطيلا الملام ولا تسألا القلب من أذنبا بدت جفوة بين نفسيكما ومرت كلمح شهاب خبا
وما أجمل الود بعد العتاب وأبقى الصديق اذا اعتبا!
(تدخل عتبة وصيفة الولادة) عتبة: سيدتي! ولادة: ماذا جرى؟ عتبة: رسول ولادة: لمن؟ وممن ذلك الرسول؟ عتبة: من صاحب الأمر الى الوزير ولادة: (فى حيرة) أى الوزيرين عنى الأمير؟ ومن يكون حامل الرسالة؟ عتبة: المكرى حاكم المدينة.
ابن عبدوس: (فى لهجة المتشفى) أحسبنى أمنية ابن جهور أتأذنين لى بلقيا المكرى؟ يا خليفة! خليفة: أنا يا مولاى ما بين يديك ابن عبدوس: عد إلى الدار سريعا ربما احتجت اليك
(ينصرف خليفة فى شىء من اللؤم) إغفرى لى أنى أسأت اليكم بحضورى فجاءة وذهابى نازعتني اليك نفسى فأقبلت على خلوة من الأحباب لم أكد اقرأ التحية حتى نالنى منكم رشاش السباب
(ينصرف ابن عبدوس غاضبا) ابن زيدون: هل تبينت كيف نمت عليه نظرة الحقد فى العيون الغضاب وسمعت الذى يعبر عما ينطوى فى ضميره المرتاب شهر الحرب عامدا وتصدى يرسل اللوم فى سياق العتاب ثم ولى يقول نحن بدأنا هـ ولم نرع حرمة الآداب

