الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 33الرجوع إلى "الرسالة"

" فلم عيون ساحرة "

Share

عرض فى الاسبوع الماضي فلم (عيون ساحرة) للسيدة آسيا  فى دار سينما فؤاد، وبرغم الدعاية الواسعة النطاق التى استمرت  أشهرا طويلة قبل عرض الفلم، والضجة التى قامت أخيرا بسبب  تعنت قلم المراقبة من أصحاب الفلم، وعدم اجازة بعض مراقفه  والسماح بعرضها، على رغم كل هذا لم يلق الفلم من اقبال الجمهور  ما ينبئ عن نجاح كبير، وهو ما يؤسف له حقا أشد الأسف، فان  صناعة الافلام المصرية فى أشد الحاجة الى التشجيع والمؤازرة  ليشتد ساعدها وتمضي فى طريقها بخطى ثابتة نحو الرقي والكمال.

يمتاز هذا الفلم من سابقيه بانه نحا فى فكرته وفي اخراجه منحى  جديدا لم نألفه بعد فى أفلامنا المصرية التى كانت فى الأغلب تدور  فكرتها حول مواضيع مصرية بعضها عادي لا غناء فيه،  وبعضها فيه من المحاولة والجهد ما يدل على رغبة صادقة في التجديد  والابتكار، وان قعدت الوسائل المحدودة والجهود الشخصية التى  لا تقوم على أساس صادق فى العلم أو التجربة بأصحاب هذه  الافلام عن تحقيق ما يطمعون فيه من التقدم والتجديد.

فكرة الفلم معقدة بعض التعقيد، أو قل أنها كانت من العمق بحيث  أصبح من العسير على الجمهور ان يلمسها أو يفهمها للوهلة الاولى، والى  هذا عزو انصراف الجمهور عن الاقبال عى مشاهدة هذا الفلم.  والواقع ان الفلم لا تنقصه عوامل الاغراء التى تدفع الجمهور عن  حضوره فمن مناظر جميلة خلابة، وجو يكنفه غير قليل من  الرهبة والغموض، وحيل سينمائية لم يألفها جمهورنا فى الافلام  المصرية، الى غير ذلك من دواعي الاقبال. ومع هذه كله فالواقع ان  الفلم لم يصادف نجاحا كبيرا. وأرجح ان السبب الاول فى هذا هو  عدم تفهم الجمهور لفكرة الفلم وعدم تتبعه لها فى مشاهده المختلفة.

على ان اصحاب الفلم، على ما أظن، قدروا ان نفس هذه العوامل  مع الغموض الذى يسود الفلم والفكرة الغريبة التى يعرضها، هى  التى ستدفع الجمهور الى التزاحم على مشاهدته؛ فكانوا فى تقديرهم  مخطئين. وأمثال هذه كثيير مألوف فى عالم السينما فى أوربا وامريكا  على السواء، وكم من افلام أنفق عليها آلاف الجنيهات واشترك  فيها أقطاب السينما من ممثلين ومخرجين، وقدر لها النجاح، ثم  لم تصادف اقبالا من الجماهير فتكبد أصحابها خسائر جسيمة. ولكن  ما كان اغنانا نحن فى مصر، وما زلنا فى خطانا الاولى فى هذا  الميدان المترامي الاطراف الوعر المسالك، عن ان نجازف مثل هذه  المجازفات الخطرة ولما تنضب بعد بين أيدينا المواضيع التى يصح  ان نستمد منها مادة لأفلامنا المصرية.

على أن المخرج لم يفلح فى خلق الجو الغامض المخيف الذى يسود  مثل هذه الافلام، ولذلك كانت مشاهد الفلم - وليست لها تلك  الروعة التى تناسب الفكرة - تقابل من الجمهور بكثير من عدم  الاكتراث والمبالاة. على أن المحاولة فى ذاتها محاولة جريئة مبتكرة  - من ناحية الفلم المصري على الاقل - وقد أراد المخرج أن يسير فيها  على نمط بعض الافلام الغربية التى من هذا النوع كفلم  (فرنكشتين) ولكن لم تسعفه تجاربه وخبرته من الناحية المعنوية،  ولا ما تحت يديه من عدد وآلات من الناحية المادية. على أننا  نرجو الا تثبط هذه التجربة - وما كانت لها من نتائج تدعو  حقا الى اشد الاسف - عزائم السيدة آسيا وتثنيها عن متابعة  جهودها، ولعل فلمها القادم يكون أحسن حظا وأكثر نجاحا ورواجا.

ذكرنا أن بالفلم مشاهد رائعة الجمال من تلك الحدائق الغناء  والقصور الانيقة والرياش الفاخر مما يعطي لمشاهدي الفلم فى الخارج  فكرة طيبة عن هذه البلاد، وعن مفاتنها ومغانيها، وينفع فى الدعاية  لمصر نفعا لا شك فيه. وقد تقف مميزات الفلم عند هذه الحد فأننا  اذا شئنا أن نتحدث عن بعض نواحيه الفنية وجدنا فيها نقصا كبيرا لعله

واضح ملموس حتى لا يخطئه أقل الناس خبرة بمثل هذه الشئون. فالصوت  لم يكن حسن الالتقاط ولا دقيقة، والجمل مقطعة تقطيعا غريبا حتى  لتمر الثواني بين الكلمة والكلمة فى الجملة الواحدة، وربما اقتضى  الموقف ان يلفظها الممثل فى تدفق وحرارة، فهذا التقطيع يفسد  وقعها ويضيع علىالمشاهد الأثر الذى كان يجب أن تخلفه فى نفسه.  وصوت الآلات الموسيقية كان أشبه برنين الاواني النحاسية منه  بوقع المثاني والمثالث كما يقولون احيانا. . . وكانت (خشخشة)  الصوت وما فيه من عيوب واضحة تذكرني بتك الآلة المعلونة  (الراديو) التى تزعجني فى المنزل اي ازعاج، وقد عدت اليوم  شديد الاعجاب بها والرضاء عنها.

كذلك كانت الاضاءة، إلا فى بعض المشاهدة الخارجية  التى تغني فيها أشعة الشمس الساطعة عن الآلات التى قد لا تستخدم  على الوجه الأكمل.

وللمرة الأولى - على ما أذكر - تغني السيدة آسيا، ولست  ممن ينصح لها بالغناء، على الأقل حتى تجد الآلات اللاقطة التى لا  تشوه الصوت وتجعله بحيث يصادف وقعا حسنا فى الأذن،  وارتياحا فى نفس المتفرج. وعلى كل حال فما أظن ان أفلام السيدة  آسيا - مهما أكثرت فيها من المشاهد الغنائية - ستعد فى يوم  من الأيام من الأفلام الموسيقية، فالخير لها أن تقتصد فى هذا  أو تعدل عنه بالمرة.

بذل ممثلو الفلم جهدا كبيرا فى أداء أدوارهم على أحسن وجه  ممكن، على أن الحظ خانهم فى كثير من المشاهد، ولم يصادفوا  التوفيق الذى كانوا أهلا له، ونلاحظ على أحمد افندي جلال أنه  كان كثير التقيد فى حركاته، كثير الاضطراب فيها، حتى فى المشاهد  العادية التى تخرج عن دائرة السحر ووقوعه تحت تأثير دليله. ولو  ترك نفسه على سجيتها، وكان فى دوره أكثر بساطة وأقل تكلفا  لكان خيرا مما رأيناه.

بقى أن نقول ان الحوار فى الفلم لم يكتب بشييء من العناية،  والنقص فيه واضح جدا. كما أن تقطيع الفلم لم يخل من الارتباك  والاضطراب، وما نجد غناء فيي تفصيل كل هذا.  وفي النهاية أظن من االخير ومن التشجيع للسيدة آسيا على مداومة

الجهد والعمل، أن نشكر لها ما بذلت وما حاولت، وأن نرجو لها فى الأفلام القادمة ما تصبو اليه من النجاح والتوفيق. فان  أخطأها الحظ اليوم، فما نظنه يخطئها فى المرات المقبلة.

اشترك في نشرتنا البريدية