الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد الخامس عشرالرجوع إلى "الرسالة"

فى الأدب المصرى القديم، ملخص فصل من كتاب، ( النيل والحضارة المصرية )

Share

كان المصريون أصحاب ألسنة لا تعرف الملل فى النطق، على أن ما جاءنا من آثارهم الأدبية هو ثروة قليلة بالنسبة الى ثمار شعب يحكىعنه منذ أربعة آلاف عام، وفى هذه الأعمار التاريخية قامت مآثر أدبية تختلف صفاتها الاجتماعية والطبيعية. والأدب كما هو فى مصر وغير مصر، مرآة تتمثل فيها الحياة الاجتماعية.

نشأت المآثر الأولى فى (الدولة القديمة) مصحوبة بأدب دينى صرف مقيد بتعاليم الكهنة، وهذا الأدب هو النصوص الجليلة والآثار المعروفة (بموضوعات الأهرام) والتى تحفظ كثيرا من التاريخ القديم، والديانة القديمة، والحركة العقلية، والجزء الثانى منها هو عبارة عن نصوص منقوشة على حجارة، وحكم هذا الأدب حكم الزخرفة وبقية الفنون، لم يكن المراد منه الا تزيين الهياكل والقبور، ومن الواجب أن يكون خاضعا حتى فى مظهره الخارجى لهيئة العمارة، وفى قبور (ممفيس) فصول شعبية لا يتلاءم أسلوبها الحر مع الطقوس والتقاليد، وهذه الفصول الخرافية تطلعنا على اللهجة العامية؛ بل تكاد توحى لنا عن نفسية الشعب. . . .

هذه أغنية قديمة للراعى الذى يسوق قطيعه بين أتلاع الأرض ناثرا بذوره

(( الراعى هو فى الماء مع الأسماك يتناجى مع (صنف من السمك) ويتبادل التحيات مع (صنف من السمك) يا مغرب ! من أين جاء الراعى ؟ انه من بلاد المغرب ))

وهنالك مقطوعة مرفوعة لأوزيريس الملقى فى النهر. وقد هشمته الأسماك، وأجزاؤه المتناثرة على الأرض قد أخصبت تلاع الأرض. والذين يحملون، على أكتافهم، الأسياد الضخام؛ يخففون من أتعابهم بأنشادهم.

(ان حاملى الهودج هم فى سرور ولأن يكون الهودج ملآن خير من أن يكون فارغاً)

وعصر ثان تفتح فى عهد الثورة الاجتماعية بين المملكة القديمة والمملكة الوسطى. فازدهرت الفصاحة فيه أيما ازدهار، وترك الأدب الدينى محلا للأدب الاجتماعي، فانقضى عصر الأدب الحجرى وأصبح يدون منه شيء على ورق البردي، وبهذا خفف الفكر عنه بانعتاقه من السجن الحجري. فأصبح كل شيء يدعو الى الملاحظة، ويغرى بالتأمل، وأصبحت العقول المثقفة تشعر بالضيق وتحس بالشك واليأس، والشعب تدفعه عوامل الرغبة الى المعرفة واللذة، نشوان بنجاح جرأته، وكما يكون الأمر فى كل ثورة، تصطدم الحركة العقلية بالقوة الجارفة، فلا يكاد يجد العقل متسعا ولا فراغا للانتاج، على أنه برغم ذلك قام بعض متأملين معتزلين وألقوا بذورا مثمرة فى هذا المجتمع يوم ثورته. وفى عهد ملوك (هيراكليوبوليس) دوَّن المصريون (تعاليم للملك مريكارا) وهجاء الضائع، وأنين الفلاح. وكلها مرايا تنعكس فيها الحالة السياسية التى شرحناها من قبل. وفى العهد نفسه نشأت موضوعات مختلفة (أيام الفوضى) وضعها أصحابها على لسان حكيم هرم أو كاهن، وشكاوى طرحها (مبغض للبشرية) بينه وبين نفسه، وفى كل هذا نرى الشعور الدينى قد ضعف شأنه، وهنالك حيث تحطم النظام الاجتماعى الاول نرى التعاليم الاعتقادية قد تقوضت ووهن تأثيرها فى النفوس.

فى الأسرة الثانية عشرة على أثر الانعتاق من الروابط السحرية التى تلت عصر الثورة، حل شيء من الثقة فى النظام، وأصبح المجتمع تسيطر عليه شرائع عادلة، والأدب الجديد الدينى المنقوش على الصفائح والتوابيت، وعلى ورق البردى كان يعمل على انماء الخواطر التى تدفع بالانسان الفاضل الى التلذذ بالنعيم الالهى فى العالم الثاني. وفى هذا العصر ازدهرت مدرسة أدبية عنيت بتهذيب اللغة وتنقيح الأسلوب، ونحن مدينون لأصحابه بقصص لطيفة منها (سيروت) و (الغريق) وهذه قصة حادثية تحوى أهواء مسافر طرحته المقادير فى صحراء، أو ساقته الى بحار مجهولة. وهنالك مشروع ساعد على تهذيب موظفى الحكومة وتثقيفهم، فنشأ من كل ذلك موضوعات وصفية وعاطفية وقصصية تؤلف أدب ذلك العصر كله، بل الأدب (الكلاسيكي) لمصر القديمة

والأدب، فى الدولة الحديثة، فاض معينه، وتوثبت أمواجه الى شواطئ حرة، وأساليب غير مقيدة. والدولة الحديثة قد حطمت قيودها وفتحت لنفسها ينابيع جديدة (للتحسس) حتى أصبحت الفنون فى عهد (العماونه) عالمية.

والأدب الحديث حطم قيود المدرسة الأدبية واستطاع أن يدخل

على لغته المختارة بساطة اللغة العامية. ولم يكن من طريق الاتفاق ما رأيناه فى كتابات (ايكوناتون) لأول مرة من التطورات الصرفية والنحوية التى طغت على الأسلوب الخاص ولهجة الشعب بما فيها، وأدخلت (أداة التعريف وأفعال المساعدة، والبناء الصرفى (أو الاشتقاق). والقصص الصغيرة التى كتبت للأطفال خير مثال لنا، والأدب الدينى نفسه قد تطور وتشذب ليدنو من أدب الشعب وروحه: وأغانى (آمون) الذائعة الصيت تبث بسلامة قلب محبة الخلائق المتواضعة.

بعض نصائح أخلاقية من تعاليم (آتي):

يقول: (ضاعف الخبز الذى تحمله لأمك، واحمله لها كما حملته لك، عندما ولدت وبعد ولادتك بشهور، حملتك على حضنها، وثلاثة أعوام ظل ثديها يدر فى فمك، فلم يأخذها سأم منك ولم تقل لنفسها يوما: لماذا أصنع هكذا؟ قادتك الى الكتاب وبينما أنت تتعلم الكتابة كانت تنقل لك من بيتها خبزا ونبيذا. وغدا اذا صرت كبيرا وصار لك امرأة، ووجب عليك تدبير منزلك فأرجع بصرك الى العصر الذى كنت فيه طفلا على حضن أمك يوم لم تصخب عليك ولم تبسط يدها لله الذى لم يسمع لها أنينا. . .)

ثم يذكر الأخلاقى علاقة الرجل مع المرأة فيقول: (احترس من المرأة الأجنبية المجهولة فى مدينتها، هى كالماء الواسع العميق لا يدرى ما تحت أعماقه

واحذر المرأة التى يغيب بعلها، وتتصدى لك كل يوم قائلة لك (اننى جميلة) ليس هنالك من شهود، ولكن الخطيئة عظيمة جدير صاحبها بالموت اذا فشت!)

( يتبع )

اشترك في نشرتنا البريدية