التلميذ - كأنك تريد أن تقول إن الأطوال تنكمش بالحركة الأستاذ - يظهر انك لم تفهم ما أعنيه بالضبط. سأضرب لك مثلا. تصور طائرة الآنسة لطيفة مبتعدة عنا بسرعة مائتي كيلو متر فى الساعة. وأنك ترصد - وأنت على الأرض - قائمة علم مثبتة عمودية على هيكل الطيارة فى اتجاه حركتها تريد قياس تلك القائمة. ثم لنفرض انك - باستعمال ما تعلمته فى مدرستك من أصول حسابات المثلثات وما تحت يدك من دقيق آلات القياس قادر على إيجاد طول تلك القائمة المثبتة فى الطيارة مضبوطا إلى أجزاء من ألف مليون من الميليمتر. فان العلم الحديث يؤكد لك انك ستجد انكماشا فى طول القائمة المذكورة. . .
التلميذ - أى إنني أجد طولها أقل منه عندما كانت ساكنة امامى على سطح الأرض
الأستاذ - نعم. ولكن ليس هذا كل ما هناك. فان الآنسة لو رأت القيام بتجربة مماثلة وهي فى طائرتها. وكان معها أجهزة دقيقة مثل التى عندك. ثم حاولت قياس ارتفاع قامتك وأنت على ظهر الأرض. لرأتك أقصر قليلا مما كنت وهي أمامك قبل أن تبدأ الطيران.
التلميذ - أقصر! لا شك أنك تريد أن تقول أطول الأستاذ - لا. بل أريد أن أقول أنها تراك أقصر. فهنا موضع الدقة فى النظرية الجديدة. ذلك لأن الحركة والسكون نسبيان. وإذا كنت تعتبر الآنسة وطائرتها مبتعدتين عنك بتلك السرعة بينما ترى نفسك ساكنا. كذلك هي. فأنت والأرض التى تحملك - بالنسبة للطائرة - فى حركة ابتعاد عنها بسرعة مائتي كيلو متر فى الساعة. أما هى فتعتبر نفسها ساكنة.
التلميذ - ولكن أترى الانسة محقة فى اعتبار طائرتها فى حالة سكون وكل ما عداها مبتعد عنها بتلك السرعة الكبيرة
الأستاذ - هذه وجهة نظرها. صحيح أن وجهة نظرك أنت على الضد من ذلك. ولكن هذا لا يمنع أن تكون أنت أيضا على
حق من وجهة نظرك. أي أن كليكما على حق فى اعتبار نفسه ساكنا والآخر متحركا. ولا شك أنك تذكر قطار السكة الحديدية عندما سار بك لأول مرة. وكيف أنه كان يخيل لك كأن الأرض تبتعد عنك. وأن القطار لا يتحرك. وهذا ما يحدث أيضا للمسافر بالطيارة. فالأستاذ البشري عندما ركب الطيارة لأول مرة ووصف شعوره فى مقال له بالأهرام. أبان كيف أنه خال الطائرة لا تتحرك أكثر من كيلومترين كل ساعة بينما هى تقطع مائة. ولعله لو أغمض عينيه وتجاوز عن بعض العوامل الآلية التى تحيط به فى الطائرة كأزيز محركها مثل. لما شعر بحركة ما.
وما دمنا قد قررنا هذا المبدأ - نسبية الحركة والسكون - فيمكننا أن نعيد نظرة على مسألة انكماش الأطوال المتحركة. أيمكنك أن تخبرني الآن أيهما ينكمش فى الطول. قائمة العلم فى طائرة الآنسة المبتعدة: أم قامتك أنت وأنت واقف على ظهر الأرض؟
التلميذ - يخيل لي مما سمعته الآن أن كليهما ينكمش طولا. فقائمة العلم بالنسبة لي تتضاءل وتصغر، وكذلك قائمتي إذا حاولت الآنسة رصدها.
الأستاذ - تعبيرك الآن مضبوط. أزيد عليه بأن كلا الاثنين أيضا ثابت الطول. فقائمة العلم طولها لم يتغير فى نظر الآنسة. وكذلك قامتك فى اعتبارك أنت ثابتة. إذ مادامت الحركة نسبية فالانكماش نسبي أيضا.
التلميذ - فهمت أن مثل هذا الانكماش النسبي - لو وجد - ضئيل جدا. وأظن أن كشفه بالآلات مستحيل، فما الذى دعا أينشتين لفرض وجوده.
الأستاذ - ليس هو أينشتين أول من قال بوجود مثل هذا الانكماش. فمنذ اكثر من مائة عام وعلماء الطبيعة يجرون تجارب على الضوء والأثير؛ فيجدون نتائج مخالفة لما يتوقعون، وقد وجدوا أنفسهم مضطرين إزاء تلك النتائج غير المنتظرة إلى البحث عن تعليل لها؛ وكان أوفق الفروض التى اهتدوا لها فكرة انكماش الأطوال المتحركة. بواسطة هذا الفرض أمكن إصلاح ما فسد من النتائج. ثم قامت المحاولات لتعليل انكماش الأطوال بالحركة، ووضعت النظريات العلمية على أسس معقدة، حتى جاء أينشتين فعرض تفسيرا بسيطا سهلا لهذا الانكماش معتبرا إياه كقوس قزح، أنت تراه موجودا وغيرك لا يراه بتاتا.
وليست الأطوال هى المقاسات النسبية فقط، فهناك الكتلة والزمن، فهذان أيضا نسبيان. الكيلو جرام من المادة فى نظرك هو أكثر من كيلو جرام فى نظر الآنسة الطائرة. والساعة من من الوقت عندك. . . .
التلميذ - مهلا. مهلا. فان ما قلته الآن يتنافى تماما مع ما علمناه فى المدرسة عن الكتلة. أليست هى مقدار ما تجمع فى الجسم من المادة، فكيف تقول إذن إنها تتغير. ومن أين تجيئها تلك الزيادة وهذا التغيير؟
الأستاذ - ومن أين يجيء التغيير للأطوال؟ وفوق ذلك فالتعريف الذى أعدته أمامي للكتلة قابل للانتقاد. والتعريف الذى يمكننا أن نقبله لها هو التعريف الذى يبين طريقة الوصول لتقديرها. وما دامت الكتلة لا تصل لتقديرها إلا عن طريق تغير فى (كمية تحرك) أو (عجلة) سببتها قوة. فالسرعة والأطوال لهما دخل دائما فى تقديرها. والأطوال والسرعة كما علمت نسبيان. فلماذا لا تكون الكتلة نسبية أيضا؟
وأريد أن أزيد الآن على ما قلته عن الكتلة كلاما يشبهه عن الزمن فالدقيقة من الزمن ليست كذلك فى كل زمان ومكان.
التلميذ - هذه هي كل النظرية النسبية اذن ؟ ولكن لم تقل لى الى أى مدى تحققت تلك النظرية بالتجربة والمشاهدة
الاستاذ - أرجو أن تعلم أن النسبية تطلق الآن على نظريتين: النظرية الخاصة والنظرية العامة. والأولى قال بها أينشتين سنة ١٩٠٥ أما الثانية فلم يكملها إلا سنة ١٩١٧. وكل ما سمعته الآن من النتائج مأخوذ من النظرية الخاصة. التى تبحث فيما يحدث للأقيسة أثناء الحركة المنتظمة فى خط مستقيم , وهي تبدأ من فرض أبانت التجارب العلمية صحته. وهو فرض ثبات سرعة الضوء. فالمسافة التى يقطعها الضوء فى الثانية هى عدد محدود من الكيلومترات لا يزيد ولا ينقص باختلاف الأمكنة والأزمنة. وقد استغل اينشتين هذا الفرض. واستنتج رياضيا بواسطته وبواسطة مبدأ النسبية الخاص. مقدار التغير فى الاقيسة نتيجة الحركة النسبية. والنظرية العامة لا تقتصر فى بحثها على الحركة المنتظمة فى خط مستقيم، بل تتناول الحركة الدورانية ومجالات القوى. وهذه النظرية طبعا أعم من الأولى وأشد تعقيدا: ورياضياتها تظفر بمن يتقن
فهمها , ولذا فهي سيئة الحظ مع جمهور الكتاب بعكس شقيقتها
تسألني إلى أي مدى عززت المشاهدات والتجارب النظرية النسبية وسأجيبك مقتصرا على النظرية الخاصة
١ - فأنت تعلم أن فرض انكماش الأطوال نتيجة الحركة احتاج العلماء له لتفسير نتائج غير متوقعة فى تجاربهم. وما دام هذا الفرض مقررا بوضوح ومبينا على أسباب معقولة فى النظرية النسبية فالنظرية لم تأت إذن إلا بما دعمته التجارب وقررته.
٢ - وأنت تذكر من غير شك الالكترونات السالبة التكهرب المنبعثة من المواد المشعة (كالراديوم مثلا) . هذه الالكترونات تتحرك بسرعة كبيرة تقرب من سرعة الضوء. وقد وجد أنها تختلف فى السرعة باختلاف مصدرها أحيانا. ووجد أيضا ان كتلتها تختلف باختلاف سرعة تحركها.
والنظرية النسبية كما رأيت تقول بذلك. فالكتلة مثل الطول شيء نسبي تختلف باختلاف السرعة. والنظرني تعطينا مدى تغير الكتلة بتغير السرعة. وهو ما يتفق مع المشاهد الملحوظ.
٣ - كان هناك رأي قائل بأن النجوم المتحركة للأمام، ضغط الإشعاع على سطحها الأمامي أكثر منه على سطحها الخلفي. وهذا مما يعمل على تقليل سرعتها بالتدريج حتى تصل لحالة السكون فى وقت ما وقد استنتج الفلكيون من ذلك أن النجوم القديمة لا بد ان تكون أسرع حركة من النجوم الحديثة. ولكن من الأسف لم تعزز المشاهدة هذا الاستنتاج الواضح.
ولقد جاءت النظرية النسبية فى الوقت المناسب لتسعف العلماء وتنقذهم من هذا التناقض فأبانت لهم أن السرعة ليست إلا شيئا نسبيا. فلا يوجد ما يسمى بحالة السكون المطلق. والنجم المتحرك بالنسبة لنا ساكن بالنسبة لنفسه. فلا داعي لان نبني على حركته المزعومة ما بنينا من النتائج
لعلك تعفيني الآن من ذكر نتائج أخرى هامة للنظرية. فإني أخاف أن تعجز عن متابعتي فيها بمثل ما فعلت من الصبر حتى الآن ولعلنا نناقشها فى فرصة أخرى.
طنطا

