الاستاذ الشيخ عبد القادر المغربى علم من أعلام الادب وعضو نابه من أعضاء المجمع العلمى العربى وقلم بارع من أقلام مجلته الزاهرة. وله بمصر وصحافتها صلة قديمة. فلقد تولى التحرير بجريدة المؤيد حينا من الدهر كانت مقالاته فى النقد والاجتماع موضع الاعجاب من صفوة الشباب وناشئة الكتاب لطرافة أسلوبها وحرية تفكيرها. وقد ثقف اللغة الفرنسية فى عهد الكهولة فاستمد منها فى جهاده الأدبى قوة عظيمة. ولا يزال الأستاذ بجلد الشبيبة وحكمة الشيخوخة يزاول التعليم فى كلية الآداب بدمشق والتحرير بمجلة المجمع وقد تفضل أيضا فمنح بعض هذا الجهد القيم (مجلة الرسالة).
أعرض على حضرات قراء هذه (الرسالة) مثالا واحدً من أمثلة الحيرة التى تعترى النقلة والمترجمين عندما يريدون وضع كلمة جديدة أو نقل كلمة أعجمية الى لغتنا العربية ولا سيما اذا كانت من مصطلحات العلوم الفلسفية أو النفسية أو الاجتماعية.
كثيرا ما تردد فى كتابات المشتغلين بالفلسفة الحديثة كلتا Objectif و Subjectif ويريدون بكلمة Objectif التفكير فى الأمور من حيث مظاهرها الخارجية ومن دون أن يكون للائفعالات النفسية تأثير فيها.
أما Subjectif فيريدون بها التفكير فى الأمور لا من حيث مظاهرها الخارجية بل من حيث وقعها فى نفس المفكر وتأثيرها فى شعوره الباطنى.
هذا ما يمكن أن يقال في تفسير الكلمتين تفسيرا اجماليا. ولما أراد كتاب العرب أن يضعوا لهما كلمتين عربيتين اختلفوا فى الوضع أو الاختيار اختلافا كبيرا.
وربما كان أسبق هؤلاء الراضعين كتاب الاتراك ، فقالوا فى ترجمة Subjectif وهو ما نفكر به باطنيا "لاهوتى" وفى وفى ترجمة Objectif وهو ما نفكر به خارجيا "ناسوتى"
وقام من الأتراك العثمانيين كاتب المعى هو بابان زاده أحمد نعيم فاستحسن أن يقال مكان لاهوتى "أنفسى" ومكان ناسونى "آفاتى" نسبة الى كلمتى "الأنفس والآفاق" ناظرا فى ذلك الى الآية القرآنية الكريمة (سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتين لهم أنه الحق).
أما كتاب العرب فى مصر فربما كان نجارى بك رحمه الله هو
أول من أعلن ترجمة هاتين الكلمتين ال العربية فى معجمه الكبير (الفرنسى والعربى) المطبوع سنة ١٩٠٥م فقد فسر كلمة Subjectif وهو ما نفكر به باطنيا بكلمة "جوهر" وفسر كلمة Objectif وهو ما نفكر به خارجيا بكلمة "عرض"
ثم جاء بعد نجارى من كتاب مصر من ترجم كلمة subjectif "بالذاتى" وكلمة " Objectif "بالموضوعى"
وقال غير هؤلاء بل نترجم " Subjectif "بالفاعلى" وكلمة Objectit "بالمفعولى"
ثم وصل الى كتاب العرب فى العراق تترجم الأستاذ الكبير ساطع بك الحصرى كلمة Subjcetif وهو ما نفكر به باطنيا بكلمة "شخصانى" نسبة سريانية الى كلمة "شخص" على حد قولنا "جهمانى وروحانى" فى النسبة الى الجسم والروح - وفسر كلمة Objectif وهو ما نفكر به خارجيا بكلمة "شبحانى" نسبة الى "الشبح" الذى يرى من بعيد. ملاحظا أن معنى "الشبح" يراد أحيانا من كلمة Objectif ومنه تسمية البلورة الصغيرة فى آلة التصوير الشمسى وهى التى تلتقط صور الأشباح الخارجية فترتسم فيها
ولم يكد يذيع الأستاذ ساطع بك رأيه فى ترجمة الكلمتين ويبرهن على صحته حتى عارضه الاستاذ اسماعيل مظهر فى مجلة (العصور) مدعيا أن ترجمة كتاب مصر لهما "بالذاتى" و"الموضوعى" خير من ترجمة الاستاذ ساطع لهها "بالشخصانى" و"الشبحانى"
وسئل الأب انتاس الكرملى عن ترجمة هاتين الكلمتين فأجاب فى مجلد السنة السادسة من مجلة (لغة العرب) بما نصه : يقابل objectif لساننا كلمة "الذهنى١" والثانىSubjectit يقابله فى لغتنا كلمة "الخارجى" قال أبو البقاء فى كلياته عن الأول كذا وعن الثانى كذا ...
ثم نقل الأب الكرملى عبارة أبى البقاء بطولها وقفى عليها بقوله، (فأنت ترى من هذا أن تعريف كل من "الذهنى" و"الخارجى" تعريف صحيح على ما يفهمه الافرنج فى هذا العهد. ولا نعرف للحرفين المذكورين كلمتين أخريين، ومن يعرفهما فليذكرهما لنا اهـ)
هذا ما قاله كتابنا على اختلاف امصارهم فى ترجمة هاتين الكلمتين، وقد دار محور النزاع بينهم حول سبعة أزواج من الكلم وهى:
"البقية على ص ١٤"
( بقية المنشور على ص٩)
لاهوتى . ناسوتى أنفسى . آفاقى جوهر . عوض ذاتى . موضوعى فاعلى . مفعولى شخصانى . شبحانى خارجى . ذهنى
ومن هذا نرى النقلة والمترجمين لا يرجعون فى ما شجر بينهم الا الى انفسهم. ولا يستعدون الحكم فى فصل الخلاف اللغوى الا من ذوقهم. والأذواق مختلفة، ولا تحكيم مع اختلاف المحكمين. والقراء جارى بين هذا المترجم، وذاك الراضع. وفى تعدد الأوضاع. البلبلة والضياع، فلم يبق الا أن يتولى المجمع أمر الرضع، فيجمع الشتات ويرأب الصدع.

