الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد السابع عشرالرجوع إلى "الرسالة"

فى ساحة علبين, الادب الغربى

Share

رأيت نفسى فجأة فى ديار خيم عليها ظلام وهبب صامت، برزت  فيه صور وأشباح مبهمة ملأتنى خوفا ورعبا، ولقد الفت عينى بعد  حين حلكة الظلام ورأيت بجانب نهر تنساب مياهه فى هدوء شبح  انسان رهيب المنظر على رأسه قلنسوة أسيوية، ويحمل على كتفه  مجدافا عرفت فيه أوديسيوس الخادع، وكان خداه غائرين وقد غطت  ذقنه لحية بيضاء شعثاء

سمعته يقول بصوت خافت ضعيف: اننى جوعان، وأحس بعينى  مظلمتين ونفسى كأنها دخان ثقيل يسبح فى الظلام؛ ألا من يعطينى  جرعة من الدم الأسود لأستعيد ذكرى سفنى المنقوشة وزوجتى  الطاهرة وأمى!

فلما سمعت هذه الكلمات عرفت اننى قد انتقلت الى بقاع الجحيم،  فحاولت ان استرشد فى خطوى بأوصاف الشعراء ما استطعت الى  ذلك سبيلا، وذهبت الى مرج قد أضاءه نور ضئيل. وبعد مسير نصف  ساعة انتهيت الى رهط من الأطياف قد اجتمعت فى صعيد واحد  وأخذت تتطارح الحديث وهى تضم نفوسا من كل عصر، فرأيت  بينها الفلاسفة العظام بجانب الهمج الفقراء، ولقد اختبأت تحت ظلال  شجرة من أشجار الريحان، وأنصت الى حديثهم، فكان أول من سمعت

(بيرهون) وهو يسأل فى رقة وتوسل وقد أمسك بيديه قدومه كانه  بستانى بحق:  ما هى النفس؟

فأجابته الاطياف التى حوله باهتمام وكلها يريد التكلم دفعة واحدة  قال أفلاطون وفى عينيه نظرة الرجاحة: ان النفس ثلاث، فلنا  نفس نهمة فى البطن، ونفس محبة فى القلب، ونفس عاقلة فى الرأس.  والنفس خالدة، اما النساء فلهن نفسان وتعوزهن النفس العاقلة

فرد عليه شيخ من أعضاء مجلس ما كون قائلا: انك تتكلم يا افلاطون  كمن يعبد الاوثان، ففى سنة ٥٨٥ قرر مجلس ماكون بكثرة  الاصوات اعتبار المرأة ذات نفس خالدة، والمرأة هى الرجل لان  المسيح الذى ولد من عذراء يدعى فى الانجيل بابن الرجل

فهز أرسطو كتفيه ورد على أستاذه بلهجة الحزم والوقار قائلا: من  المرجح عندى يا أفلاطون ان لنفس الأنسان والحيوان خمسة أنواع:  النفس الغذائية، والنفس الحساسة، والنفس الدافعة، والنفس الشهوانية  والنفس العاقلة؛ والنفس هى العنصر الذى يتكون منه الجسم،  فاذا اهلكت هلك بهلاكها

وطرحت أراء أخرى كل واحد منها يعارض الآخر  أوريجن: ان النفس مادية وهى شئ رمزى سنت أو جستين: كلا، ليست النفس مادية وهى خالدة  هيجل: - إن النفس ظاهرة طبيعية  شوبنهور: - ان النفس مظهر وقتى للارادة

رجل من بولينيزا: إن النفس هى نفس الريح، ولما رأيت ان  نفسى صاعدة ضغطت على أنفى لاحفظها داخل جسدى، ولكننى  لم استطع أن أضغط الضغط الكافى فمت.

امرأة هندية: من فلوريدا: - لقد قضيت نحبى وأنا فى مهد طفلى،  فوضعوا يده على شفتى ليمسك نفس أمه من الصعود، ولكن جاء هذا  متأخرا فقد انسابت نفسى بين أصابع الطفل البرىء

ديكارت: - لقد أثبت أخيرا ان النفس كانت شيئا معنويا، أما عن  مصيرها فارجعوا الى الاستاذ ديجى الذى كتب فى هذا الموضوع لامترى: - اين ديجى هذا؟ أحضروه

مينوس: - أيها السادة سأبحث عنه فى كل بقاع الجحيم،

البرنس ماجتاس: - عندنا ثلاثون دليلا على فناء النفس، وستة  وثلاثون على خلودها، فهناك أكثرية ستة اصوات بجانب الخلود  صانع أحذية: - إن روح السيد الشجاع لا تموت لا هى ولا  غدارته ولا غليونه

رابى ميمونديس: - لقد كتب من قديم ان الرجل الشرير سيبيد  ولن يبقى منه شىء

سنت أوجستين: - انك مخطئ يا رابى ميمونديس، فقد كتب ان  المذنب سيذهب الى النار وسيخلد فيها أبدا

أوريجين: - نعم ان ميمونديس مخطئ، فالرجل الشرير لن يبيد  ولكن سيتقلص حتى يصبح ضئيلا جدا فلا يمكن تبينه، ويجب أن  تعلم هذا ممن حلت بهم لعنة الله، اما عن نفوس القديسين فسيكون  نصيبها الامتزاج بالله

دنس اسكوتس: - ان الموت يجعل الكائنات تمتزج بالله مرة  اخرى كأنها صوت يغيب فى الهواء

بوسويه: - ان أوريجن ودنس اسكوتس يخطئان هنا، فأن ما روى  فى الكتب المقدسة عن عذاب الجحيم يجب أن يفهم بمعناه الدقيق  الحرفى، وهو ان الاشرار سيظلون أبدا تتنازعهم الحياة والموت،  وسيخلدون فى العذاب لأنهم سيبقون اقوياء لا يموتون، وضعفاء  لا يحتملون، ولن يبرحوا يئنون على مقعد من النار مغمورين فى مض  من الالم لا شفاء لهم منه

سنت اوجستين: - نعم يجب ان نفهم هذه الحقائق بمعناها الحرفى، ونعلم  ان أجسام الاشرار هى التى ستعذب فى النار، ولن ينجو من هذا  العذاب الشديد الاطفال الذين يموتون عند ولادتهم، او حتى فى بطون  أمهاتهم، فهكذا قضت العدالة الالهية، فاذا رأيت انه يتعذر عليك تصديق  أن الأجسام التى تلقى فى النار لن تهلك ابدا فهذا نتيجة الجهل المحض،  فانت لا تعلم أن هناك انواعا من اللحم تحفظ فى النار كلحم الديك  البرى، وقد جربت هذا فى هدهد، إذ هيأ لى طاه أحد هذه  الطيور وخصص نصفه لغذائى، وبعد اسبوعين طلبت النصف الآخر  فكان لا يزال صالحا للأكل، فظهر لى ان النار حفظته كما ستحفظ  اجسام الاشرار

سمنجالا: - ان كل ما سمعته من أنواع الفلسفة الى الآن مظلم كظلام  الغرب الدامس، والحقيقة أن الأرواح تحل فى أجسام مختلفة قبل أن  تمتزج بالنير فانا المباركة التى تضع حدا لشرور الحياة، فقد حل (جوتاسا)  فى خمسمائة وخمسين شكلا قبل أن يصير (لودا) فكان ملكا ثم عبدا  ثم قردا ثم فيلا ثم ضفدعة ثم شجرة من أشجار الدلب وهكذا

قسيس: - إن الناس يموتون كما تموت دواب الحقل، ومصيرهم

كمصيرها، وكما يموت الناس تموت البهائم أيضا، وكلاهما يتنفس  هواء واحدا وليس للناس شئ لا تملكه البهائم

تاسيتوس: - ان هذا الكلام يكون مقبولا مفهوما لو نطق به  يهودى خلقت نفسه للعبودية، أما أنا فانى اتكلم كرومانى فأقول: ان  أرواح الوطنيين المشهورين لا تفنى، ويجب أن نؤمن بذلك إيمانا صحيحا،  ولكننا نتهم عظمة الآلهة اذ نحسبها تهب الخلود لأرواح العبيد والعتقى

شيشرون: - واأسفاه يا بنى! ان كل ما يروون لنا عن بقاع الجحيم  انما هو نسيج من الاباطيل، وأنى لأسأل نفسى أهناك طريق آخر  يكفل لى الخلود الا ذكر عهد قنصليتى الذى سيبقى الى الأبد؟

سقراط: - أما أنا فانى أومن بخلود الروح، فهو فرصة يحسن  انتهازها، وأمل يعلل به كل انسان نفسه

فكتور كوزان: - يا عزيزى سقراط! إن خلود النفس الذى  أوضحته بجلاء لا بد منه للاخلاق والآداب، لأن الفضيلة موضوع  مناسب للحطباء، ولو لم تكن النفس خالدة لما كان للفضيلة ثواب

سنيكا: - واعجبا يا فيلسوف الغال! أهذه مبادئ رجل حكيم؟  ألا فاعلم أن جزاء الاعمال الصالحة هو فى تأديتها والا فجزاء تثاب  به الفضيلة يكون غريبا عن الفضيلة ذاتها

أفلاطون: ولكن هناك ثوابا وعقابا الهيا، فعند الموت تصعد روح  الرجل الشرير لتحل فى جسم حيوان حقير كحصان أو عجل بحر  أو امرأة، أما روح الحكيم فتمتزج بالآلهة

باببنيان: - أن ما يعنى افلاطون هو أن العدل الالهى سيتولى فى الحياة  الأخرى اصلاح اخطاء العدالة الانسانية، والأمر على النقيض من  ذلك، فخير للافراد الذين أصابهم فى الدنيا عقاب لا يستحقونه - قضى  عليهم به قضاة معرضون فى الواقع للزلل برغم جدارتهم بمناصبهم  وخبرتهم بالقضاء- أن يظلوا يقاسون الآلام والعذاب فى عالم  الأرواح، وهذا ما تعنى به العدالة الانسانية التى قد يضعف من شأنها  أن تضعها الى جانب الحكمة الالهية

قزم: - ان الله يحسن الى الاغنياء ويسىء الى الفقراء، لانه يحب الاولين  ويبغض الاخرين، ولحبه الاغنياء سيرحب بهم فى جنانه، ولبغضه  الفقراء سيصليهم بناره

صينى بوذى: اعلم ان لكل انسان نفسين: إحداهما خيرة وهى التى  ستمتزج بالله، والأخرى شريرة وهى التى سيحل بها العذاب عجوز من تارنت: ايها الحكماء افتوا شيخا يحب البساتين، هل  للحيوانات نفس؟

ديكارت دماليبرانش: كلا، انها آلات

"البقية على صفحة ٣٣ "

بقية المنشور على صفحة "٣١"

ارسطو: - بل هى حيوانات و لها نفس مثل ما لنا. وهذه النفس تتصل بأعضائها

ابيقور: - أجل يا أرسطو لقد كان مما مهد لها سبيل سعادتها وهناءتها  ما بين نفسها ونفسنا من شبه، فكلتاهما قابلة للفناء معرضة للموت. اما  أنت ايتها الاطياف فانتظرى فى هذه الحدائق الوقت الذى تفقدين فيه  الحياة نفسها وبؤسها مع الرغبة فيها ولا الولوع بها، ولتريحوا انفسكم  بالتأمل والتفكير فى هدوء لا يكدر صفوه مكدر

بيرهون :- ما الحياة ؟ كلود برنارد :- الحياة هى الموت

فسأله بيرهون قائلا: وما الموت؟ فلم يجبه أحد، واختفت الأطياف  فى سكون كأنها سحاب يفر من الرياح

وحسبتنى تركت وحيدا على العشب حتى لمحت منيبوس وقد  عرفته بابتسامته التهكمية

فقلت له: - كيف تتحدث هذه الجماعة عن الموت يامنيبوس كأن  لم يكن لها به عهد؟ وكيف يجهلون مصائر الانسان كأنهم ما زالوا  على الأرض!

قال لا ريب ان هذا يرجع الى أنهم ما زالوا انسانيين وفانين الى  حد ما، فاذا ما ولجوا باب الخلود فلن يتكلموا ولن يفكروا، اذ  سيصبحون كالآلهة.

اشترك في نشرتنا البريدية