لم ير العالم ثورة صادقة الإيمان كتلك التي شب أوارها
في فلسطين، والتي يجود فيها العرب بأرواحهم وما ملكت أيمانهم في سبيل الذب عن وطن يحاول اليهود أن يجعلوا منه أرض المعاد، ويتخذوه وطناً قومياً لهم، بعد أن شردوا طول الزمن.
فلا عجب أن لفتت هذه الحركة العربية أنظار الكتاب والسياسيين على السواء فصدرت عنها المؤلفات بأقلام من تعنيهم دراسة هذه الناحية ومن ذلك كتاب ألمت فيه مؤلفته بالثورة في فلسطين، وما قدمه العرب من تضحيات عجيبة، ورفضهم أن تكون فلسطين وطنا لليهود تنفيذاً لوعد بلفور، وأبوا أن يجعلوا هذه الأرض المقدسة (عند المسلمين والنصارى على السواء أرضاً للفئة التي لقيت المسيحية منها أشد عدوان في مستهل ظهورها، وناهضت المسيح ما وسعتها الحيل وأسعفتها القوة) وقد زارت السيدة اليزابث مؤلفة هذا السفر فلسطين، وجالت في نواحيها، واتصلت بكثير من رجال العرب والثورة هناك فلم تر فيهم إلا (توطيد النفس على عدم تقسيم فلسطين العربية) وهي تصف في دقة الشهامة العربية التي مهدت السبيل للعرب في أمسهم الدابر لأن يكونوا سادة أهل العصور الوسطى.
وتقول المؤلفة (أن عجلة الزمن تسير في وناء في هذه البلاد (فلسطين) التي يرجع تاريخها لا إلى عدة قرون فحسب، بل إلى آلاف السنين الغابرة. وإن التلال الخالدة، والصخور الباقية منذ القدم التي شهدت مجيء إبراهيم بعائلته، وأطلت على قطعانه وقومه، لتشهد اليوم أرضاً قد ألقيت البغضاء بين أهلها. وإن العرب واليهود ليقفون اليوم وجهاً إلى وجه متخاصمين متنابذين. لقد كان أحد الخصمين يرتكن من قبل على ماله وثرائه في نيل مطالبه، أما اليوم فتؤيده القوات، ويشد أزره أعضاء منه في مختلف الحكومات، وأما الخصم الأخر فلا يملك غير يمانه بحقه، وإنه ليستشهد مقبلاً غير مدبر، باسماً غير عابس، راضياً غير مكره، حتى ينال مطلبه أو يموت دونه شهيداً)
وهكذا نري المسألة الفلسطينية اليوم لم تعد شغل الساسة فحسب، بل كان من آثارها هذه الكتب التي تتناول فلسطين من نواحيها المختلفة، كما استطاع العرب بفضل ثباتهم أن يجتذبوا إلى جانبهم العطف الأدبي عند كثير من رجال الحكومات المختلفة.

