الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد الخامس عشرالرجوع إلى "الرسالة"

لغو الصيف, لغو الصيف

Share

أيهما خير يا آنسة ؛ أن نفترق الآن لنلتقى غدا ، أم أن نظل كما نحن رفيقين فى السفر والاقامة؟ قالت: بل أن نفترق لنلتقى بعد  شهرين فى القاهرة أو بعد شهر فى باريس. وحسبنا أن قد أقمنا معاً  أسبوعاً كاملا فى هذه المدينة من مدن البحر نلتقى اذا أصبحنا، ونلتقى  اذا أمسينا ولا يفرق بيننا الا الليل، قال: فانك اذا قد سئمت هذا  اللقاء وطال عليك أمده، وأخذت تودين لو فرقت بيننا النوى دهرا  طويلا أو قصيرا! وما رأيك فى أنى بعيد كل البعد عن هذا السأم،  كاره كل الكره لهذا الفراق الذى تحبينه وتطمحين اليه؟ قالت:

لك أن تفهم رأيى كما أحببت وأن تقدره كما شئت، وأن ترضى عنه  أو تسخط عليه، فمن المحقق أنى لم أره لك وانما رأيته لنفسي، ومن المحقق أنى لم أعلنه اليك الا وأنا محتملة لنتائجه عالمة بموقعه من نفسك  وتأثيره فيها، ولن يغير من رأيى ما تبدى وما تعيد، فقل لي: الى اللقاء  ودعنى أهيئ أمرى فقد دنت ساعة السفر، قال: ما شككت فى أن  ساعة السفر قد دنت، ولكن الذى أشك فيه هو أن دنو هذه الساعة  يضطرنا الى أن نفترق، فقد نستطيع أن نسافر معا كما أقمنا معا.

قالت: فانى لا أريد. قال: ما رأيت كاليوم ظرفا ولا رفقا ولا حسن  مودة للأصدقاء، سنفترق يا آنسة ما دمت حريصة على هذا الفراق فهل تأذنين فى أن أصحبك الى القطار. قالت: ولا هذا فانى لا أحب هذا الوداع السريع البطيء فى وقت واحد. ولا أحب أن يفترق  الناس لأن قوة غريبة عنهم تكرههم على أن يفترقوا فلنفترق منذ الآن  واكتب الي، ولعلنا نستطيع أن نلتقى فى باريس. فان أعيانا ذلك  ففى القاهرة متسع للقاء المتصل والحديث الطويل. ثم صافحته فى  قوة وعلى وجهها ابتسام يشبه العبوس، وفى وجهه عبوس يشبه  الابتسام.

ولم يكد يقبل المساء حتى كانت ماضية فى قراءتها لا يصرفها  عنها شيء، كما كان قطارها السريع ماضيا فى سيره لا يقفه عنه شىء وكانت حركة الناس من حولها لا تسكن، وحديث الناس من حولها لا ينقطع، وأصوات الناس من حولها لا تهدأ. ولكن شيئا من ذلك لم يكن ليلهيها عن هذا الكتاب الذى غرقت فيه. حتى اذا انتهت بها القراءة إلى شىء من الجهد والاعياء، ووضعت كتابها لتستريح ورفعت رأسها تجيل الطرف فيما حولها لم يرعها الا

صديقها الأديب جالسا أمامها جلسة المتأدب الخاضع الذى ينتظر أن يفرغ سيده له ويلتفت اليه. فلما رأته لم تدهش ولم تنكر، ولكنها أظهرت ضيقا به وغضبا عليه، وقالت فى لهجة حازمة: أتعلم أنى أكره هذا النوع من اللعب، وأنك توشك أن تغيظنى وتحفظنى وتصرفنى عنك ان مضيت فيه؟ قال فى صوت خافت غير مطمئن: أعلم ذلك حق العلم وآلم له أشد الألم، ولو استطعت أن أكون عندما تحبين ما أثقلت عليك، ولا ترددت فى طاعتك، ولا تحولت عما يرضيك. ولكن ما رأيك فى أنى لا أحب أن أموت، قالت ولم تملك نفسها من ضحك غالبته فغلبها: لا تحب أن تموت؟ قال نعم  لا أحب أن أموت، ألم تفهمى بعد؟ قالت: ومتى رأيتنى أحل الألغاز؟  قال: والغريب أنك قد عاشرت الفرنسيين فأطلت عشرتهم وأتقنت  لغتهم وآدابهم الرفيعة والشعبية حتى كأنك واحدة منهم. فكيف  يغيب عنك ما يتحدثون به كلما هموا برحيل أو فراق، وهل  تعلمين شعراً وجد عددا ضخما من الرواة، تختلف طبقاتهم  وتتفاوت منازلهم كهذا الشعر الذى ينشده الفرنسيون كلما هموا  أن يفترقوا انما السفر ضرب من الموت بالقياس الى المحبين، قالت:  وقد نسيت غضبها واطمأنت إلى طبعها، وخرجت من التكلف ولاءمت بين حديثها ومظهرها، وبين ما وجدت من الغبطة بلقائه الذى كانت ترجوه، والذى كانت تغضب وتحزن لو لم تظفر به، فأنت إذا تريد الى هذا اللغو من الحديث، قال أنت تزعمين أنه لغو أما  أنا فأراه الجد كل الجد، والحق كل الحق. ولولا أن السفر ضرب من الموت لما كرهه المحبون، ولا سخط عليه الشعراء، ولا تغنوا آلامه وأحزانه. ولولا أن السفر ضرب من الموت حين يفرق بين الناس لما رأيتنى الآن فى هذا المكان بعد أن افترقنا على أن لا نلتقى حتى يمضى شهر أو أكثر من شهر.

ولكنى فكرت بعد أن افترقنا، فرأيت أنى ميت بالقياس الى كل الأصدقاء الذين تركتهم فى مصر، مهمل بالقياس الى كل  هؤلاء الناس الذين كانوا حولى فى نيس، والذين سألقاهم فى باريس، وأنى لاحتفظ من الحياة الا بشعاع ضئيل، هو هذا الذى أحسه حين أصحبك وأسمع لك وأتحدث اليك، فشق على أن أجود بهذا الشعاع، وأن أسلم نفسى للموت المطبق والاهمال المطلق شهراً وبعض شهر، ولولا خوف الموت والضيق بالاهمال ما خرجت عن طاعتك ولا خالفت عن أمرك، ولا عرضت نفسى لهذا الغضب اللاذع وهذه الثورة المهينة. قالت: فقد عدت الى ذكر الغضب والثورة كأنك تريد أن أنكرهما أو أعتذر منهما أو أنبئك بأنى تكلفتهما تكلفا، واصطنعتهما اصطناعا. قال:

لا تنكرى شيئا ولا تعذرى من شىء ، فأنا معترف بأنى  ملح، وأنا معترف بأنى مثقل فى الالحاح، ولكنك تعودت  احتمالا لهذا الثقل، وتجاوزا عن هذا الالحاح، فدعى  حديثهما وحديث الغضب والثورة، وحدثينى عن هذا الكتاب  الذى لم تكادى تقبلين عليه حتى ألهاك عن كل شىء، وصرفك حتى عن  هذه المناظر البديعة الخلابة التى تعرضها عليك الطبيعة عرضا سريعا  أثناء سير القطار. قالت: هذا كتاب تعجب إن عرفت أنى أقرأه  للمرة الخامسة، فأنا لا أعرف كتابا أهون ولا أيسر ولا أمتع ولا ألذ من هذا الكتاب أثناء السفر الطويل، أو حين يلح على الحزن  الثقيل. هذا كتاب من كتب كورتلين، قال: هو كتاب (قطار الساعة  الثامنة والدقيقة السابعة والأربعين) قالت: هو ذاك، قال: فانى لم أقرأه  خمس مرات، لكنى قرأته ثلاثا، ولولا أنى علمت أنى سأصحبك فى  القطار لقرأته للمرة الرابعة! فأنا مثلك معجب بهذا الكتاب إعجابا لا حد له، والغريب أنى لا أدرى بماذا أعجب من هذا الكتاب! بمعانيه أم بألفاظه أم بأسلوبه، أم بهذه الصور الرائعة التى يعرضها علينا فى غير انقطاع؟ أم بهذا كله مما أعرفه، وما أحسه دون أن أعرفه، فهذا الكتاب عندى آية من آيات الأدب الفرنسى. قالت: وعند  كثير من الفرنسيين أيضا، واذا لم تكذبنى الذاكرة فقد كان  أناتول فرانس مشغوفاً به شغفاً عظيما، لست أدرى أكان يعده بين  آيات الأدب أم لا. وأنى لأرجو أنه لم يضعه بين هذه الآيات فقد  كان أناتول فرانس يضيق بآيات البيان ، ويرى أنها ثقيلة مملة، وليس فى هذا الكتاب شىء من الثقل ولا الاملال. قال: ومع ذلك فان فى هذا الكتاب ألفاظا لا تكاد تحصى وجملا لا يكاد يبلغها العد، وكلها خارج على النحو الفرنسي، مخالف لأساليب البيان المألوف. قالت: فهذا مظهر من مظاهر الجمال فى هذا الكتاب، ومصدر من مصادر الاعجاب به، وسبب من هذه الأسباب التى تضطرنا الى مراجعة النظر فيه. وما رأيك لو أن كورتلين أنطق أبطاله بهذه اللغة الفرنسية الفصحى، وأجرى على ألسنتهم هذه الجمل الأدبية الرائعة التى تجدها فى كتب كورتلين نفسه وفى كتب غيره من الأدباء؟.  اذا لما وجدت فى الكتاب لذة كهذه اللذة التى أجدها الآن، ولعلى  أن أعجز عن المضى فى قراءته الى آخره فضلا عن أن أقرأه مرات.  إن للغة الفصحى خطرها وقيمتها، وهى مقياس البيان وظرف  الادب، ولكنها قد تسخف وتسمج اذا جرى بها لسان هذا الجندى  الذى اتخذه كورتلين بطلا لقصته. قال: هذا حق ومهما أنس فلا  أستطيع أن أنسى هذه الجملة الطريفة التى يرددها جندى كورتلين  كلما وقف موقف الحرج أمام الكابتن:

فلولا هذه اللحنة الظريفة الشائعة، التى تجرى بها ألسنة العامة من الفرنسيين والتى أذاعها كورتلين، حتى تفكهت بها الخاصة لما  كان لهذه الجملة موقع فى النفس حسن، ولا منزل من القلب عجيب.  قالت: وكل كلام الجندى وكلام رفاقه ظريف محبب إلى النفوس لأن ما فيه من اللحن والتواء الأسلوب يصور روح الشعب كما هى صريحة مستقيمة لا غموض فيها ولا التواء. قال فأنت إذا من أصدقاء اللغة العامية وأنصارها، وماذا لو عرف أعلام البيان فى مصر عنك هذا الرأى؟. قالت: لا أصنع شيئا فليس يعنينى أن يعرفنى أو ينكرنى أعلام البيان فى مصر أو فى غير مصر. وما تعودت قط أن أرى الرأى فاسأل نفسى عن حظه من رضى الناس أو غضبهم.  قال: قد علمت ذلك حق العلم وجربته حق التجربة، ولم تمض ساعات على هذه التجربة اللذيذة الاليمة معا. ألست قد زعمت لى؟ قالت: لم  أزعم لك شيئا! فلا تعبث ولا تفسد علينا بهذا الاستطراد ما نحن فيه من الحديث، لست من أصدقاء اللغة العامية، ولكنى لست من أعدائها. وما أذكر أنى كتبت شيئا باللغة العامية، وما أظن أنى سأكتب بها شيئا؛ لأنى لا أحب ذلك ، ولو أحببته ما قدرت عليه. ولست أرضى أن تصبح اللغة العامية لغة البيان الأدبي، ولا أعطف على كاتب يتعمد الكتابة بها ويتخذها ترجمانا لما يريد أن يعرضه  من الخواطر والآراء، ولكنى على هذا كله لا أستطيع أن أمحو  هذه اللغة، ولا أستطيع أن أنكر أن لها جمالا تنفرد به أحيانا وتعجز  عنه اللغة الفصحى. ولا أستطيع أن أمحوها من قلوب الأشخاص  الشعبيين وأضع مكانها اللغة الفصحى، وأوفق مع ذلك الى تصوير  هؤلاء الأشخاص الشعبيين تصويرا صادقا كل الصدق، جيداً كل  الجودة، متقنا كل الاتقان. قال وهو يبتسم ابتسامة ملؤها المكر  والخداع: ألا تعجبين أن ينتهى بنا الحديث عن كورتلين الى الحديث  عن توفيق الحيكم؟ قالت: ومن توفيق الحكيم؟ ما سمعت به قبل  اليوم!. قال: فأنت اذا من أهل الكهف. قالت: وأى عجب فى أن  أكون من أهل الكهف، ومتى زعمت لك أنى أعرف الناس جميعا  أو أقرأ للناس جميعا؟!. قال فان أهل الكهف عنوان قصة لتوفيق  الحكيم هذا الذى لم تعرفيه ولم تسمعى به، وأؤكد لك أنى اكره لك  هذا الجهل. فتوفيق الحكيم شاب خليق أن يعرف، ومن العيب  كل العيب أن يجهله أديب شرقي. ولكنك قد أقررت على نفسك  بأنك من أهل الكهف فلا لوم ولا تثريب. قالت: قد أقررت  وأنا خليقة أن ألام فأنبئنى عن توفيق الحكيم، وكيف انتهينا من حديث

" البقية على صفحة ٤٠ "

"بقية المنشور على صفحة 6"

كورتلين إليه، وأي سبب بين هذا الشاب المصري وهذا النابغة الفرنسي؟  قال: بينهما سبب لا أدري الآن ما هو، ولعله أن صدقت الظنون  وتحققت الآمال أن يكون التفوق والنبوغ، ولعل الله قد أذن لمصر أن  يكون فيها كورتلين كما كان في فرنسا. قالت: فإني لا أحب  الإطالة، ولا أحب الالتواء، فأوضح وأبن عما تريد. قال  توفيق الحكيم يا آنسة شاب مصري، ظهر فجأة بقصة تمثيلية  أنت أحد أشخاصها. قالت: أنا أحد أشخاصها! ماذا تقول؟ قال: نعم!  لأن أشخاصها أهل الكهف، ولست أريد أن أطيل في تقريظ هذه  القصة. وإنما أقول أني قرأت في هذا العام قصصا تمثيلية كثيرة ظهر  بعضها بالفرنسية، وبعضها بالإنجليزية، وبعضها بغير هاتين اللغتين.  وترجم أليهما أو إلى إحداهما، فكانت قصة أهل الكهف هذه خير ما  قرأت من هذه القصص كلها وأحسنها موقعا من نفسي، وأشدها  إثارة لإعجابي. ولست أدري أمعجب أنا بموضوعها أم بأسلوبها  السهل، أم بألفاظها الساذجة أم بتحليلها الدقيق أم بهذا كله، ولست  أشك في أن إعجابي بها سيضاعف منذ اليوم لأنك أحد أشخاصها.  ومن يدري لعلك برسكا التي صورها توفيق الحكيم! قالت: وقد ضاقت  بهذا المزاح: لو كنت برسكا لما جهلت مبدعي! قال: كم بين الناس يعرفون  مبدعهم؟ قالت: وقد كتب صاحبك هذه القصة باللغة العامية؟ قال: لا،  بل بلغة لا تبعد كثيرا عن العامية. وليست هذه القصة هي التي ذكرت حين  تحدثنا عن كورتلين، فان لتوفيق الحكيم قصة أخرى غير تمثيلية سماها  عودة الروح. والغريب أن أهل الكهف ظفرت أول الأمر  باعجاب الشباب والشيوخ جميعا. فلما ظهرت عودة الروح تنكر  لها بعض أعلام البيان في مصر، ودعا هذا التنكر بعضهم إلى أن  يراجعوا إعجابهم بأهل الكهف فيخففوا منه ويقتصدوا فيه. أما  الشباب فأضافوا إعجابا إلى إعجاب، ورضى إلى رضى وبدءوا  يتخذون هذا الكاتب الشاب قدوة لهم ومثالا. قالت: وماذا ينكر  أعلام البيان من عودة الروح؟ قال لغتها، فهي ككتاب كورتلين  أبطالها شعبيون فينطقهم المؤلف بلغة الشعب. ولعله يغرق في ذلك  بعض الشيء، وأعلام البيان يكرهون ذلك ويحرصون على إلا تظهر  آيات البيان إلا في اللغة الفصحى، وهم يضنون بهذا الشاب على أن  ينفق جهده الخصب ويضيع وقته العزيز في هذه اللغة المبتذلة، قالت:  ولكن القصة نفسها ما رأيهم فيها؟ فليست القصة ألفاظا خالصة ولا معاني خالصة، وإنما هي قوام من الألفاظ والمعاني، ولا بد من أن يستقيم لها جمال اللفظ وجمال المعنى، فهب ألفاظها رديئة عند أعلام

البيان فما حكمهم في معانيها؟ قال: قرأها بعضهم لم يظهر رضى ولا  سخطا، ولم يستطع بعضهم الآخر أن يقرأها فعابها لأن لغتها العامية  صرفته عن قراءتها. قالت: فهذا بخل بالإنصاف وتجاوز للقصد، وقد  شوقتني إلى أن أقرأ هذين الكتابين، ولكن هلا حدثتني عنهما حين  كنا في القاهرة. قال ومتى حدثتك في القاهرة عما كنت أريد أن  أحدثك عنه، إنما نلتقي فتمضي الأحاديث بيننا كما تريد هي لا كما نريد  نحن، ولولا أني سألتك عن هذا الكتاب الذي تقرئين لما جرى  بينك وبيني ذكر لتوفيق الحكيم، وهل فرغنا من الحديث عن أنفسنا  لنتحدث عن هذا الأديب الجديد. قالت: كم كنت أحب أن أظفر  بكتابيه لأفر إليهما منك ومن نفسي فقد يخيل إلي أنا نسرف في  الحديث عن أنفسنا ونغلوا في الإعراض عن غيرنا. وقد يخيل إلى  أن بين هؤلاء الكتاب الناشئين من هم أحق بعنايتك وعنايتي من  هذا اللغو الذي نخوض فيه كلما التقينا.قال: وعلى ذكر كورتلين  وتوفيق الحكيم، ما رأيك في هذا الكتاب الفرنسي الجديد الذي  كثر الكلام فيه، واختلف فيه أدباء فرنسا كما اختلف أدباء مصر في  كتاب توفيق الحكيم؟ قالت: وما ذاك أيضا؟ قال ماذا، ألم تقرئي  كتاب سيلين الذي سماه سياحة في آخر الليل؟ ألم تقرئي ما كتب  النقاد حول اللغة التي ألف فيها هذا الكتاب؟ قالت لا، قال وهو  يضحك: معذرة فقد أنسيت أنك نائمة، وأنك من أهل الكهف.  قالت: وقد رمته بكتابها مغيظة منه محنقة عليه: هبني نائمة فما لك  لا توقظني وما اختلافك إلى في القاهرة، وما لزومك لي في نيس، وما  مرافقتك لي في هذا القطار على كره مني. قال وقد أغرق في الضحك:  إنما رافقتك في القطار يا آنسة لاوقظك، ولأخرجك من الكهف،  ولأنبئك بأن في مصر شابا يقال له توفيق الحكيم كتب قصة يقال  لها أهل الكهف، وأخرى يقال لها عودة الروح. وبأن في فرنسا  أديبا جديدا يسمي نفسه سيلين، وقد أظهر كتابا "أسماه سياحة في آخر الليل" اختلف الناس فيه اختلافا كثيراً. قالت: فيم اختلفوا  قال: في لغته فهو أيضا مسرف في حب العامية، وأنا معجب بكتابه  إعجاباً شديداً، مبغض للغته بغضا شديداً لأنه يتعمدها تعمداً ولا تدفعه  اليها الحاجة ولا الضرورة ولا الرغبة في التصوير الصادق والتعبير  الصحيح. وكل هذه الكتب عندي أستطيع أن أعيرك إياها  لتقرئي وتحكمي ثم لنتحدث بعد ذلك. قالت: فابدأ بقصة أهل  الكهف فأعرني إياها منذ الآن فسأنفق ليلتي بينها وبين كورتلين.  قال: ولكن أليس خيرا منها ومن كورتلين ان ننفق ساعة أو بعض  ساعة؛ لا أقول في الحديث فقد يظهر انك سئمته وضقت به، وانما  أقول في العشاء فإني اسمع جرس الخادم يدعو اليه ؟!

اشترك في نشرتنا البريدية