الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد العاشرالرجوع إلى "الرسالة"

للشاعر المرحوم اسماعيل صفا

Share

(١) الشيخ البائس

احدودبت قامته , وارتعدت رجله ويده , وشحب لونه , وترنحت خطواته , ونمت اسرة وجهه عن فجائع حياته .

ان تنعم النظر فى عينيه البارقتين , ومحياه الواضح , و لحيته البيضاء , تتبين انه طوف فى الصحارى والبحار , وتهادته المدائن والدفار . وما جبينه المشرق الاكتتاب مفعم بالخطوب .

وقد غشى وجهه اشميزاز من الحياة , وبرم بها , فالعالم امامه مقبرة مكررة .

وتقرأ فى وجهه انه نضو حانات , شرب صفوها وكدرها , وتجرع الوانا من سمومها .

رأيته لأول مرة , فقلت : ليت شعري من الرجل ؟ ولست ادرى لماذا زدت على الايام شغفا بمعرفته , وكلفا باستكمناه امره ، انه يمر بدارى كثيرا , فهو لاريب أحد جيرتي , ولكن من هذا الشيخ البائس المحبوب الطلعة ؟

كم لقيته شريدا تتقاذفه الطرقات , وتعثر به الخطوات ، قد تأبط زجاجته , وقطب أسرته , فليت شعري من هو , وماذا يضطرب فى ضميره ؟

ذهبت يوما الى أيوب , الى غابة السرو المنزرعة بالاحجار  وغصت فى لجج من الفكر مالها من قرار , الست أرى الشيخ السكير ؟ نعم انه هو . قد استند إلى شجرة من السرو وضرب بيده على لحيته مفكرا حزينا . وأمامه صفائح عتيقة قد استغرقت نظراته , واستبدت بافكاره .

مشيت اليه على هينة حذرا , وقرأت ما كتب على القبر فعرفت

حال الرجل و رثيت له , وجاشت في نفسي ثورة من الحزن والغم , وكان الذى قرأته هذه الأبيات : " واحسرتاه ! ان صرصر الاجل العاتية , قد ذهبت بشجرة الامل الناضرة . وقد مشى الموت الجبار على زهرة حياتي , فما الدنيا من بعد الاماتم , وما فرحى وعيدى الا الحزن والغم .

وكان تاريخ رحلته واحسرتا قد اتفق (١)": جنت مقرا ولدى محمد فريدمك " صارت الجنة مقر محمد فريدى ) سنة ١٢٩٩

(٢) ليكن لك

ليكن لك ما غاب فى العالم من جمال وحضر , وما ظهر من حسن فيه واستسر" , والسحائب با لوانها الباهرة , والصحارى بمرائبها الساحرة , وكل ما ترنم به العشق من غناء , وما أفاضه الوجد على ألسن الشعراء , و هذه الحدائق بنفحاتها ولغماتها , وهذه القبة المنيرة بشموسها وسياراتها ، ومطلع الشمس فى روائه , والقمر فى لألأته والأزهار فى حقل من الشفق , والأسحار مزدهرة فى الغسق . ليكن لك الجبال والبحار , والفلوات والاشجار , لتكن لك الدنيا دائمة السر والسعادة والصفاء , ليكن لك فى هذه الحياة كل ما تشائين , وليكن طرع أمرك ماتحبين

ولكن كونى أنت لي يا حبيبي , كوني أنت وحدك لي .

(٣) قلت وأقول

قلت : لو أن الليل المظلم صار نهارا ! وقلت : حين أمضى الشتاء : لو أنه انقلب ربيعا معطارا ! قلت : ولو ان طودا تخلله الاشجار , وتزينه الرياحين والازدهار ، مشرف على لجج البحار . قلت : ولو ان هنالك صحارى ومروجا تمرح فيها الطير والحملان ، قلت : ولو راعت فى الصحراء الظباء , فكلما بصرت بى اجفلت وانطلقت حيث تشاء قلت : ولو ان على الجبل شجرة دلب عتيقة

( للشاعر المرحوم اسماعيل صفا - بقية المنشور على صفحة .٢٣ )

ولو اني في ظنها وحيد , و على غصونها بلبل غريد ! قلت : ولو خلع القمر على الكائنات حلل الضياء . وغشت السكينة الارجاء .

قلت : ولوان الارض كلها والسموات معطرة الارجاء مضيئة الجنيات

قلت : ما كنت لاسعد بهذ كله الا ان يسعد طالعى فيؤنسنى حبيبى واقول الآن هب كل هذا ميسرا . انه واحسرتا ! ظل زائل فلو ذهبت الى عالم لاتحول لذاته , ولا تفنى مسراته !!

اشترك في نشرتنا البريدية