الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 37الرجوع إلى "الرسالة"

ليلة ضائعة، مسرحية ذات فصل واحد

Share

أشخاص الرواية ممثلة التراجيديا العظيمة : رائيل. الشاعر الفريد دي موسيه . لوردي برانكور. ايفون: وصيفة الممثلة تقع حوادث الرواية حوالي سنة ١٨٤٠ فى باريس

(يمثل المنظر صالون استقبال صغير فى قصر الكونت  دي كاستلان أعد لتستعمله الممثلة الكبيرة مقصورة مسرحية.  عند رفع الستار تدخل راشيل حاملة باقة فخمة من الزهور يصحبها  دوي التصفيق والهتاف فقد ألقت فى حفل أرستقراطي حاشد  قصيدة رائعة للشاعر الخالد الفريد دي موسيه: ليلة ضائعة. ولا تكاد  تخفت عاصفة التهليل حتى يسمع من بعيد عزف كمنجة حنون)

المشهد الاول راشيل - ايفون

راشيل (لوصيفتها) لا أحد! هل تسمعين؟ لا أستقبل أحدا! سنرحل  على أثر انتهائي من تمثيل مشهد (هرميون) ..

ايفون - (ملحة) ولكن ... معالي الوزير سيدي الكونت  دي شاتل جاء قصدا خصيصا ليحظى برؤية راشيل العظيمة على انفراد راشيل - لا حد

إيفون - (قارئة البطاقات المشبكة بباقات الزهور) واللورد  بروجهام ؟ أيمضي إلى حال سبيله؟ والكونت دي موليه الذى لا يجازف  ببطاقته إلا داخل باقات ملكية ؟

راشيل - (ضجرة) أرغب ألا أرى أحدا الليلة!

إيفون - كيف يا سيدتي؟ أتراك تبدلت نفسك؟ أقدر لنا أن  نلقى معبودة فرنسا وقد عادت نافرة ملولا تزهد فى بخور الإعجاب  الذى طالما نشقته وهى نشوى بعطره المتصاعد؟ هل أضحى الظفر  أو هى جاذبية من أن يستوقف خاطرك الحزين؟

راشيل - (وقد ارتدت لباس هرميون) لا أراك مصيبة فى  فهمي يا ايفون - يشوقني حقيقة فى المسرح إعجاب الجماهير التي  تؤخذ بنبرة هرميون الصادقة وإشارتها البسيطة - لكن هنا، فى  قصر آل كاستلان، داخل هذه الصالونات الصاخبة التي يتناوب  تمثيلي فيها عزف الموسيقى! هنا حيث لا يحتفون براشيل ولا يمجدونها  الا لأنهم يرونها عن كثب. هنا حيث أستبين فى العيون الشاخصة  إلى شهوة ملحة أكثر مما ألمح فيها إعجابا خالصا!

ايفون - كفى إذن عن أن تكوني فتية وجميلة!

راشيل - لقد عدت برمة بهذه الجمهرة من العشاق المتزاحمين  حوالي كالفراش! أتدرين ما الذى يجذبهم الي؟ انه المجد... مجدي  الذى صنعته بيدي فوق مفرقي! هل دار فى خلد واحد منهم أن يجازف  بعاطفة حنون نحوي أيام كنت أسابق ظلي على الطريق الموحشة،

فى الريف عارية القدمين، وحيدة، بائسة؟ أمضي بهذه الزهور  بعيدا عني... أريحي عيني من مرأى هذه البطاقات... جميعها...  جميعها... أريدني الليلة سيدة نفسي! (لنفسها وقد جلست إلى مرآة  الزينة بينما ترتب الوصيفة باقات الزهور)

لم يجيء موسيه حتى الآن! أن سهرة نسائية شغلته ولابد عن  الحضور لسماعي وأنا القي قصيدته... إيه! أراني أسعى وراء أحلام  طائشة! لننس الناسي!

(طرقة خفيفة على الباب) من الطارق أيضا؟ ايفون - إنها تلميذتك، مدموازيل دي برانكور التي تستأذن  راشيل - هي... بلا شك... على الرحب والسعة... فلتدخل...

المشهد الثانى

راشيل - لوردي برنكور ثم يعد حين الوصيفة راشيل - (للور) أنت هنا يا عزيزتي لور؟

لور - نعم يا صديقتي العظيمة - أكاد أكون من الأسرة. فصاحب القصر الكونت دي كاستلان قريبي. لكم رددت فى  حداثتي أشعار فلوريان تحت هذه الصورة الخطيرة التي تمثل أحد  أجداد هذه الأسرة الكريمة، فقد جذبني المسرح إليه منذ ذلك العهد البعيد

راشيل - (مجاملة فى عطف) وما زالت تتألقين فى سمائه! لور - بفضل تعاليمك الغالية التي تسدد خطواتي المتعثرة! أعلم  أني تلميذة جهول، غير أني أرحب دائما بانتصاراتك الباهرة واصفق  لها من كل قلبي! اشد ما أعجب بك الحضور الليلة!

راشيل - لا تخادعي نفسك! لقد أعجبوا بي ولكنهم لم ينظروا  إلا إليك! لو أني أكثر أنوثة وأقل ولوعا بفني لحسدتك على سنيك  التسع عشرة المتألقة!

لور - شبابي اعجز من أن يسامي عبقريتك! أنت يا من تجمعين  إليك أرواح الجماهير لتمضي بها نحو المثل العليا! أنت التي لم يعوزك  لتتسنمي قمة المجد - أكثر من ليلة أصغت إليك فيها باريس. ثم  توجتك أميرة للمسرح! أنت يا من تبعث مواهبك الفذة كورنيل  حيا بعد راسين، والتي ينحني العالم مشدوها أمام نبوغك المشرق!  أي حلم!

راشيل - (في حرارة) الحلم جميل نعم... لو يدوم ولو لم تبدده  ريح النسيان العاتية! أسفاه! من يمجدونني اليوم هم أول من يمزقونني  غدا! ولا أعود أجد بعد قليل بين آلاف المعجبين غير شاعر واحد  يصون مجدي من البلى: هو الذى سمعته من هنيهة

لور - موسيه؟ إن الأشعار الجديدة التي أنشدتها منذ حين ستبقى  عزيزة على من صفقوا لها معجبين. أكاد أسمعها تتغنى فى حافظتي  فهي لعذوبة معانيها وروعة صورها أقرب إلى الذاكرة وألصق  بالفكر: الشاعر الحالم وسهرة الكوميدي فرنسين؛ العنق الرشيق  الناصع الذى ينوه بفرعة الفاحم، والذي يبصر به الشاعر فجأة وهو  يستعرض الوجوه بمنظاره، فيستوقف منه النظر والفكر حتى ساعة  الرحيل، الصورة الخيالية الباهرة التي تبارى فى رسمها شاعران  كبيران، والتي استلهم فيها موسيه بيتين من شعر الشاعر شنييه...

راشيل - (تردد الأبيات المعنية) (تحت رأسك الظريف يتثنى  عنق بض، رشيق (يكاد لفرط بياضه أن يكسف نصاعة الثلج) لور - يظهر لي أن لغزا دقيقا يستتر خلف هذه (الليلة الضائعة)  وأكاد أفترض لحظة أن راشيل ربما كانت تعرف العابرة الجميلة التي  تراءت للشاعر المحبوب

راشيل - (مرحة) أبدا! لم أمثل فى حياتي أدوار العجائز  اللاتي يعمد إليهن أبطال الروايات للمارة! فيم إذن تحلم الفتيات  الطائشات؟ ثم ما يدريك أن موسيه ما زال يذكر للآن تلك الرؤيا  الخفية التي مرت به كومضة البرق الخاطف؟ هذا الرأس الجميل الذى  لمحه موسيه ليلة فى مسرح إن هو فى عرفي إلا خيال شاعر! وما احسب  موسيه متأثرا إلا بروعة الأبيات التي خطها يراعه للخلود!

لور - تتهمينه بما هو براء منه... واعتقد...

راشيل - ليكن، أخطأت! انتشى إذن وحدك بهذه القصة الوجدانية  الخيالية فهي من سنك!

لور - ولكنك لم تبلغي العشرين بعد! راشيل - القلب الذى يسيطر عليه الفن يذوي قبل الأوان ويعود  يؤمن بالأشعار الجميلة اكثر مما يؤمن بأحلام الشاعر الوصيفة (داخلة) يطلبونك يا سيدتي راشيل - فى الحال... أنا على استعداد (تخرج الوصيفة) لكن، يا للفوضى!

لور - (وهى تقترب من مرآة الزينة التي وضعت أمامها  الممثلة العظيمة حليها بين عقود وخواتم) اطمئني! آخذ على  عاتقي ترتيب كل شيء! راشيل - امضي إذن واثقة بسلامة حلي من الضياع؟ (تخرج)

المشهد الثالث لور - ثم - الزائر

لور - (لنفسها وهى تجرب الحلي التي تجمعها) تروقني هذه  اللآلئ الصافية... هذا الخاتم فى إصبعي يغريني بالزهو والعجب.  يا لدنيا المسرح العجيبة! ترى ما الذى حل براشيل هذا المساء.  تبدو لي كئيبة، متجهمة! أيكون لانقباضها علاقة بهجمات ذلك النقادة  الظالم الذى ادعى أنها خيبت آمال اصدقائها فى رواية (بايزيد) ؟  على أن هذا محض افتراء! فما رأت عيني سلطانة أروع وأجمل منها  فى دور (روكسان) ! لقد دافع عنها موسيه. وأحسن صنعا  فالجمال حقيق بكل تقديس وعبادة!

(يدخل الزائر فلا تلحظه لور وقد جلست مدبرة للباب. الزائر  غاية فى التأنق يلبس (فراك) السهرة والصديرى الأبيض) الزائر - مساء الخير يا راشيل! (تلتفت لور فيتولى الزائر عارض من الدهشة، رجة نفسانية  يكبحها فى الحال) أنت!

(يملك روعة وقد تبدلت لهجته) أوه! عفوا! مدموازيل!  ما كنت أتوقع... ودهشتى لا تحد... طرقت متطفلا ودخلت  دون استئذان...

لور - أبدا يا سيدي... لكن راشيل تمثل الآن مشهد هرميون  فعجل إن شئت مشاهدتها

الزائر - هل أنشدت بعض أشعار؟

لور - نعم، أرق وأعذب قصائد الوجدان، أبيات شجية  للشاعر موسيه، تلتها علينا من لحظة قصيرة بين الإعجاب والتهليل  ذكرى (ليلة ضائعة) ، عمل أستاذ قدير!

الزائر - قرأت أخيرا هذه الأشعار الجديدة وتمنيت لو أسمعها  لكني وفدت متأخرا، أنا أيضا أعد موسيه شاعري المفضل.  يشوقني فيه فنه الساحر: ذلك المزيج البارع من الحنان الصادق  والأسى العميق!

لور - حرمت على مطالعة (قصص إيطاليا) غير أني نعمت  بقراءة (فانتزيو) وشاركت (فينون) أحلامها الذهبية! لكن  لنعد إلى قصيدة الليلة. آه! يا سيدي لو تدري كم أجهدت ذهني فى التقصي  عن مجهولة الليلة الضائعة أهي كميل أم سيسيل؟ من تكون يا ترى  تلك الفتاة الصبوح ذات العنق الناصع. من؟

الزائر - إنها العذراء الفاتنة التي تشبه الاثنين على غير علم منها!

لور - (متابعة فكرتها) وهكذا قدر للملهمة أن تجهل القصة  الرائعة التي الهمتها! لو أنها تكشفت هذا السر لعادت به  جد فخورة!

الزائر - تظنين؟

المشهد الرابع المذكوران. الوصيفة.

الوصيفة - أوه! عفوا! جئت أبحث عن فراء سيدتي (تبصر  بالزائر) أنت مسيو دي موسيه؟ وما وقوفك هنا؟ تعال: كيف؟  يمجدون راشيل. وتهجرها؟

موسيه - أسير إليها فى الحال...

الوصيفة - عجل فقد تكاثر من حولها الإعجاب! (تخرج)

المشهد الخامس موسيه - لور

موسيه - (للور وقد بهتت مأخوذة حيرى) ثقي أني ما استرقت  سرك إلا بالرغم مني، فلولا هذا اللقاء العزيز الذى لم يكن ليؤمله قلبي  لقدمت إليك نفسي لأول بادرة. إن العابرة المجهولة التي تطوف  فى سماء قصيدي قمين بك أن تعرفيها. تأملي هذه المرآة... المجهولة الجميلة  أنت! كنت ترتدين تلك الليلة ثوبا ورديا، وكنت قد وصلت متأخرا  إلى المسرح - فجأة - بينما كنت أجيل بصري فى أرجاء تلك الصالة  التي استحوزت عليها سخرية (ألسست) اللاذعة فجعلتها تضج بالضحك  والإعجاب - لمحتك فى مقصورتك...

لور - (في خفر صادق) أمسك ياسيدي... لا تزد حرفا  ارجوك... أرى لزاما على أن أفارقك... فما أخالك إلا شاعرا  بالضيق الذى طوح بي إليه اعترافك. إنني جد خجلة...

موسيه - وأنا جد سعيد. هذه الليلة الهانئة تبدد جهمة الليالي  العاصفة التي تملأ قلب الشاعر بالشك المقيت! أن أشعاري التي  تحبينها هى صفوة ما كتبت، ولقد بت أستحسن ما تفضلين فى قصائدي  من شعر طهور ورؤى علوية ما دام قلبك العذري خفق لها خفقة  الإعجاب. نعم، صدقيني يا آنسة. نينيت ونينون أختان لك.  أراهما على صورتك. لهما عيونك وصوتك. إني لم اعد أستطيع أن  افصل عن خيالي الفني هذه الأبيات التي رسم لك فيها شينيه صورة  مخلدة (تحت رأسك الظريف يتثنى عنق بض رشيق) (يكاد لفرط بياضه أن يكسف نصاعة الثلج)

لور - عندما أنشدتنا راشيل هذه الأشعار تأثرت بها نفسي أقل  بكثير مما تأثرت الآن، لقد تجلت لي فجأة بهجتها السحرية! وهأنذا استعيد  ذكرى تلك السهرة التي قضيتها بالكوميدي فرنسيز فى أدق تفاصيلها  ولأول وهلة تتضح فى عيني معالم قصيدتك وتتناسق. أذكر وقد  جلست محازاة والدتي أني شعرت بنظرة ملحة تحوم حولي مرتقبة  نظرتي. يا للعجب! بينا كنت أغرب فى الضحك غرامية عجيبة؟ هل  متفكهة بمشهد (اورونت) لم يهجس ببالي أني كنت أحيا قصة  كنت تتابع الرواية أنت الآخر؟

موسيه - ما كنت أرى إلا إياك! لقد تبعتك فى فترة الاستراحة  القصيرة وحمت حواليك أتملى محاسنك الغضة، وإذ أنت توشكين  العودة إلى مقصورتك سقطت منك عفوا مروحتك فخففت التقطها  وقدمتها إليك واجف القلب واليد، تذكرين؟

لور - (حالمة) نعم أذكر تلك الليلة تعاودني اللحظة كالذكرى السعيدة! موسيه - ليلة أقل سحرا وقداسة من التي تعود بك إلى مازجة  جميع أعطار العالم بعطرك الشذى! أنت وأنا يا للغبطة! ومع ذلك  ما أراني أجتزىء أن أصعد فيك بصري يا مليكة العطور والزهور!  ألا ليت الزمن الحاني يقف بنا متمهلا! يا للساعة السعيدة التي يرود  الحب فيها حوالينا موحيا إلى قلوبنا العطشى أن تعتصر خمرته الإلالهية  مذكرا إيانا أن الحياة حلم غامض لا مغزى له إلا عند من جمعوا  شتيت آمالهم فى يوم هني!... أرى الدنيا تتداعى حواليك ولا أبصر  فى وهيج المصباح الذى ينير بقربك آنية شفافة. غير عينيك  النجلاوين وشفتيك اللتين تفوقان زهر الربيع نضارة وبهاء! أحبك

لور - (مقاطعة) أخشى هذه الكلمة... أخشى ألا تكون  منبثقة من أعماق قلبك وأن تكون مخادعي بها وأنت تخدع نفسك،  ألم ترددها من قبل على راشيل؟

موسيه - احبك! أنا لا أدري عنك شيئا، ومع ذلك فقد ملأ  طيفك النوراني سماء خيالي فى كل وقت. هى انت، هى صورتك التي  كانت تتبدى لي فى ليالي سهادى، وأنت فى الحق خيالي الشعري تجسم  حيا! كل ما أعجبك فى أعمالي الأدبية، هى أنت! لكم تشفعت بك  واستنجدت فى أيامي العصيبة المحمومة. كنت أرتقبك كما يرتقب الغريق  صخرة النجاة، وكما كانت ليالي المدلهمة تتشوق لمطلع فجرك! أحبك!

لور - الآن اصدق. وبودي لو أصارحك بما يجيش فى صدري من  أمان خفية لكن وا أسفاه! أما زلت حرة؟ لا ادري. شت فكري!  كيف يمكنني ان أكون لك بينما أرى كل شيء يفصلنا؟ لقد تم  اختيار أهلي .. فهل يحق لي أن أخالف الرغبة الوالدية فأتصرف  بنفسي كما يحلو لي؟

موسيه (محزونا) نعم أنت محقة... أحس يدك ترتجف اكثر  مما يجب بين يدي كي لا أردها إليك فى الحال! وا أسفاه! حرمت حتى  هذه التعزية، الأخيرة واراني ملوما إذ تجرأت على الكلام دون ان  استوثق من اني اطرق قلبا خاليا. فهل تتجاوزين عن نزوتي المختبلة؟ لور - (مادة له يدها) انسني!

موسيه - وهل يرتجى فيك نسيان؟ أتموت الذكرى التي قدسها  الألم كما تغيب لؤلؤة داخل علبتها الذهبية؟ إن الألم المقدس الذى يحيى  ميت الإرادة ويشحذ الهمة الشماء، الأم الذى يرهف قوى النفس  ويصمد لحوادث القدر كالسنديانة فى مهب العواصف، ذلك الألم  إلالالهي الذى يغسل الأفئدة المجدودة، أحسست به اليوم لأول  مرة! بفضلك سأدين لك آخر الدهر يبعث قلب جهله الكل وظنوا  ماء الحياة فيه قد نضب!

لور -( بعطف ) الوداع !

موسيه - لا لا ترحلي بهذه السرعة! سينتهي حلمي بعد حين  غير تارك فى قرارة نفسك سوى ذكرى عفيفة! انك إذ تلمسين  مدى سلطان محاسنك البريئة على، لا تتنزلين عن جزء من طهارة  قلبك! هل تروح زنبقة الوادي أقل نصاعة، لأن ظلال السحر تطيف  بجمالها الفتان؟ قد تمسى أحزاني أهون حملا لو أضاءتها مثل هذه  الساعة الحنون! أبقى، أرجوك! فلن تخجلك بعد ارتحالي، نجوى هذا  القلب الذى باح رغما عنه بكل ما يكن لن تصدقي بعد اليوم جميع  ما يذاع عني ما دمت تحتفظين إلى الابد بذكرى اللحظة التي تنسمت فيها  زهرة القبلة على شفتيك بينما كان فى مكنتى وقد استشعرت رجفة يدك  فى يدي أن أقطف تلك الزهرة العلوية!

لور - (مبتعدة عنه) أقبلت راشيل! ترى. هل أملك الوقت  الكافي لابثك عميق اضطرابي؟ وا أسفاه! لابد لي من اصطناع الابتسام  وتكتم عذوبة هذه العاطفة الوليدة! أخشى أن يخونني ثبات جأشي!

المشهد السادس المذكوران - راشيل ثم الوصيفة

(راشيل للوصيفة من الخارج) سأتناول الطعام فى البيت. إني  أتهالك من فرط الإعياء! (تبصر بموسيه)

يا للمفاجأة ! انت. موسيه ؟

موسيه - (مقبلا يدها) نعم، قدمت متأخرا. كنت مرتبطا  بسهرة ولم استطع الفرار...سوف أشرح لك

راشيل - (متخابثة) ولكني حذرت كل شيء أيها العزيز!

موسيه - ترينني شديد الأسف. سامحيني.

راشيل - سامحتك. وهل أملك أن أكون صارمة حيال  الصديق الشاعر المحبوب الذى تقودني حكمته وينير مجدى حماسه؟  لقد هبت ذئاب النقد تتواثب حوالي شخصي الضعيف فلم ألق غيرك  يثبت إيماني بنفسي. ترى، أهي الصداقة التي أملت عليك موقفك  إزائي أم اليقين؟

موسيه - الاثنان معا. ثقي أني ما كتبت غير ما يجول بخاطر  باريس جميعا! إنما أنت عنوان فخرنا، بك ننفس ونزهو على العالمين!  إلا دعى الحمقى الأغرار يتزاحمون عليك رجاء النيل من عزيمتك: لن  ينتزعوا من ذكرياتنا الحية (هريميون) ولا (مونيم)

ولا اللهب المشبوب الذى يتطاير من هذا القلب الفتى الخفاق!  اندبي يا أميرة المسرح (بايزيد) واندبى الملك بييروس، فكل  دمعة منك ترتفع بمجدك الناشىء وبفننا المسرحي أكثر ألف مرة  مما نفيده من نقد جميع الناقدين!

راشيل - أشكرك وأومن بقولك. كنت الليلة فى حاجة ماسة  إلى كلمة مشجعة، إلى شعاع من الأمل. سأدرس (فيدر) عقب  عودتي إلى المنزل. هذا الدور معقد أحلامي! قرأته عشرين كرة بعيني  التلميذ، وأطمح فى تمثيله وشيكا

لور - تعملين الليلة؟ ولكنك لم تستريحي اليوم!

موسيه - (للور) الفن طاغوتنا!

راشيل - اذن، فلا تحرر من ريقته. لور محقة. موسيه...  أدعوك إلى العشاء معي. سوف نتذاكر الماضي العزيز: عشاءنا

الأول الذى كان غاية فى الفقر والظرف. أتذكر تلك الليلة البوهيمية التي  خدمتك فيها بنفسي أثر عودتنا من الكوميدي فرانسيز؟ قرأنا، ليلتها  فصلين من (اندروماك) ، بعد أن تناولنا، فرحين، شايا ممزوجا  بالروم! تعال: سنعيد السيرة من جديد... وأكرم وفادتك...  خيرا من الماضي!

موسيه - (وقد لحظ القلق يستولي على لور) صدقيني. لم انس  راشيل الناشئة وتغريني هذه الدعوة الحبية، لكني لا أجد  الليلة من نفس حافزا للهو والمرح، خصوصا وقد وعدت بالسهر  على مقال يرتقبونه من زمن مديد... خذلني تكاسلي مرات عديدة  فلا أرى الهرب من الواجب، مرة أخرى!

راشيل - يا للعذر الواهي! وإن أضعت أيها العزيز ليلة أخرى!

موسيه - (شاخصا إلى لور) لا. بت والأسف يحز فى نفسي  على بعض (الليالي الضائعة)

راشيل - (تتطلع نحو الاثنين ثم تقول وقد فهمت كل شىء)  الليالي الضائعة؟ أو أثق أنت من ضياعها؟ أراهن انك التقيت بالعابرة  المجهولة وأن قلب عذراء فى العشرين سيحلم الليلة بالأبيات الخالدة  التي ألهمتك إياها إحدى هذه الليالي الضائعة، لقد اهتدت فطرة ذلك  القلب السليمة إلى ما تبقى فى نفسك من صدق ونبل وحنان وإني  لا بصر وأنا أهتك سرك - بموسيه مجهول ربما كان هو موسيه  الحقيقي!

موسيه - (في تأثر بالغ) مساء الخير يا راشيل! (يقبل يد الممثلة ثم ينحني طويلا أمام لور التي تكتفي بكلمة  تعبر له عن شدة تأثرها واغتباطها برفضه قضاء السهرة فى مرح) شكرا (يخرج موسيه)

راشيل - (للوصيفة) على بمعطفي! (تخف إلى لور التي تابعت الشاعر بعيونها وتقول) أما أنت يا صغيرتي لور فصدقيني: لك أن تفاخري بهذا الحب! (ثم لنفسها فى أسى مرير) لم يناجني موسيه قط بمثل هذه النجوى القدسية! - ستار -

اشترك في نشرتنا البريدية