مَالي وللنَّجْم يرعاني وأرعاهُ! ... أمسى كلانا يعافُ الغمضَ جَفْنَاهُ
ليِ فيكَ يا ليلُ آهاتٌ أُردِّدُها ... أَوَّاهُ لو أجْدَت المحزونَ أوّاه
لا تحْسبَنَّي محبِّنا يشتكي وَصَباً ... أَهوِنْ بما في سبيل الحب ألقاه
إِنّي تذكِّرْتُ - والذكرى مُؤَرِّقةٌ - ... مجداً تليداً بأيدينا أضَعْنَاه
أَنَّي اتجهتَ إلى الإسلام في بلدٍ ... تجدْه كالطير مقصوصاً جَناَحاه
وَيح العرُوبة كان الكونُ مسرحَها ... فأصبحت تتوارى في زواياه
كم صرَّفَتْنَا يدٌ كنا نصرِّفُها ... وبات يملكنا شعبٌ مَلَكْناه
كم بالعراق وكم بالهند ذو شَجَنٍ ... شكا فردَّدت الأهرامُ شكواه
بني العمومةِ إنَّ القُرْحَ مَسَّكمو ... ومسَّناَ. نحن في الآلام أشباه
يا أهلَ يثْربَ أدْمتْ مقلتيَّ يدٌ ... بدرِيَّةٌ تسألُ المصريَّ جدواه
الدِّينُ والضادُ من مغناكم انبعثا ... فطبَّقا الشرق أقصاهُ وأدناه
لسنا نمدُّ لكم أَيماننا صِلَةً ... لكنما هو دَينٌ ما قضيناه
هل كان دينُ ابنِ عَدنْانٍ سوى فَلَقٍ ... شقَّ الوجودَ وليلُ الجهلِ يغشاه؟
سَلِ الحضارةَ ماضيها وحاضرَها ... هل كان يتَّصل العهدان لولاَه؟
هي الحنيفةُ عينُ الله تكلؤُها ... فكلَّما حاولوا تشويهَهَا شاهُوا
هل تطلبون من المختار معجزةً ... يكفيه شعبٌ من الأجادثِ أحياه
مَنْ وَحَّدَ العُرْبَ حتى كان واترُهم ... إذا رأى ولدَ الموتور آخاهُ
وكيف كانوا يداً في الحرب واحدةً ... من خاضها باع دنياه بأخراه
وكيف ساس رعاةُ الابل مملكةً ... ما ساسها قيصرٌ من قبلُ أو شاهُ
وكيف كان لهم علمٌ وفلسفةٌ ... وكيف كانت لهم سُفْنٌ وأمواه
سَنُّوا المساواةَ لا عُرْبٌ وَلا عَجَمٌ ... ما لامرئ شرفٌ إلا بتقواه
وقررت مبدأ الشورى حكومتُهم ... فليس للفرد فيها ما تمناه
ورَحَّبَ الناس بالإسلام حين رأوْا ... أنَّ السلامَ وأن العدلَ مغزاه
يا من رأى عُمَرًا تكسوه بردتهُ ... والزيت أُدْمٌ له والكوخ مأواه
يهتزُّ كسرى على كرسيّه فَرَقاً ... من بأسه وملوكُ الروم تخشاه
سلِ المعاليَ عنا إِننا عرَبٌ ... شعارُنا المجدُ يهوانا ونهواه
هي العروبةُ لفظ إِن نطقت به ... فالشرقُ والضادُ والإسلام معناه
استرشد الغربُ بالماضي فأرشَدَهُ ... ونحن كان لنا ماضٍ نسِيناه
إِنّا مَشَيناَ وراء الغرب نقبسُ من ... ضيائه فأصابتناَ شظاياه
بالله سل خلفَ بحر الروم عن عزَبٍ ... بالأمس كانوا هنا ما بالهم تاهوا؟
فان تراءتْ لك الحمراءُ عن كثَبٍ ... فسائل الصَّرْحَ أين المجدُ والجاه
وانزلْ دمشقَ وسائل صخرَ مسجدها ... عمن بناه لعل الصخرَّ يَنعاه
وطُفْ ببغدادَ وابحثْ في مقابرها ... علَّ امرَ أمن بني العباسِ تلقاه
هذى معالم خُرْسٌ كلَُ واحدةٍ ... منهنَّ قامت خطيباً فاغراً فاه
إِني لأشعر إذ أغشى معالمهم ... كأنني راهبٌ يغشى مُصلاه
الله يعلم ما قلَّبتُ سيرتَهم ... يوماً وأخطأ دمع العين مجراه
أين الرشيد وقد طاف الغمامُ به ... فحين جاوز بغداداً تحدَّاه
مُلْكٌ كملك بني التاميز ما غربت ... شمس عليه ولا برْقٌ تخطَّاه
ماضٍ نعيش على أنقاضه أُمما ... ونستمدُّ القوى من وَحْي ذكراه
لا دَرَّ دَرُّ امرىْ يُطري أوائلَه ... فخراً وَيُطْرِقُ إِن ساءلته ما هو
ما بالُ شمل بني قحطانَ منصدِعاً؟ ... ربَّاهُ أدرك بني قحطان ربَّاه
عهد الخلافة في البسُفُور قد دَرَستْ ... آثارُه طيّب الرحمنُ مثواه
عرشٌ عتيدٌ على الأتراك نعرضُه ... ما بالُنا نجد الأتراكَ تأباه
ألم يرَوْا كيف فدَّاه معاويةٌ ... وكيف راح عليٌّ من ضحاياه
غالَ ابنَ بنتِ رسولِ اللهِ ثم عَدَا ... على ابن بنتِ أبي بكر فأرداه
لما ابتغَى يدَها السفاحُ أمْهَرَها ... نهراً من الدم فوق الأرض أَجراه
ما للخلافة ذنبٌ عند شانِئِها ... قد يظلِمُ السيفَ من خانته كَفّاه
الحكْمُ يَسلس باسم الدين جامحُه ... ومن يَرُمْهُ بحدَّ السيفِ أعياه
يا رُبَّ مولًى الأعناقُ خاضعةٌ ... وراهبُ الدَّيْرِ باسم الدِّين مولاه
إني لأعتبرُ الإسلام جامعةً ... للشرق لا محضَ دين سنَّهُ اللهُ
أرواحُنا تتلاقى فيه خافقةً ... كالنحل إِذْ يتلاقى في خلاياه
دستورُه الوحْيُ والمحتارُ عاهِلهُ ... والمسلمونَ - وإن شتُّوا - رعاياه
لاهُمَّ قد أصبحت أهواؤنا شيعاً ... فامنن علينا براعٍ أنتَ ترضاه
راعٍ يُعيدُ إلى الإسلام سيرته ... يَرْعَى بَنيهِ وعينُ اللهِ تَرْعاهُ
(كوم حمادة)

