كتب الأستاذ عبد الوهاب حمودة في العدد (١٠٠) من (الرسالة) كلمة طيبة حقاً عن الجزء الثاني من (ضحى الإسلام) للأستاذ أحمد أمين. ثم أعترض على عبارة وردت في الكتاب. وقد استغلق على فهم الاعتراض فأحببت أن أناقش فيه الأستاذ عبد الوهاب، عله يجلو لنا وجه الصواب
قال: (ذكر الأستاذ - أحمد أمين - في ص٢٤٥ أن من نتائج الاختلاف بين القبائل كثرة المترادفات في اللغة العربية، ثم لذلك فقال إن السكر اسمه المبرت بلغة اليمن؛ ولي على هذا اعتراضان: الاعتراض الأول أن لفظ السكر ليس بعربي، بل هو تعريب للفظ شكر الفارسية، وهي قريبة جداً من لفظها في اللغة راجع. . . والاعتراض الثاني هو أنني. . . . الخ) وهذا الثاني ليس في موضوع المناقشة
ولقد رأيت أن الأستاذ أحمد أمين لم يقل أن كلمة سكر عربية، ولا يمكن أن يفوته أنها معربة، ولا سيما وقد سردها في الكلمات التي أخذها العرب الفاتحون من الفرس فى ص 248 من الجزء الثاني من (ضحى الإسلام)
هذا لم أخرج اعتراض الأستاذ عبد الوهاب إلا على وجه أنه ينكر الترادف في اللغة العربية بين لفظين أحدهما معرب والآخر عربي وقبل الإفاضة في هذا البحث أرى أن أضع أمام القارئ
لنص العبارة التي وردت في (ضحى الإسلام)، والتي وجه إليها الاعتراض لتكون على بينة في فهمها وفهم الاعتراض. وها هي ذي: (وكان هذا الاختلاف أيضاً أهم الأسباب في كثرة المترادفات في اللغة العربية، فإحدى القبائل تضع اسماً لشيء، وتضع قبيلة أخرى اسماً آخر، وقد وردت أدلة على ذلك فقالوا:
مثلاً - إن السكر اسمه المبرت بلغة اليمن. . . ولهذا كثرت المترادفات كثرة غريبة، فقالوا إن للعسل ثمانين اسماً و. . . الخ) . وعبارة الأستاذ أحمد أمين على هذا الوضع لا تفيد أن السكر لفظ من وضع إحدى القبائل، إنما هي تفيد أن المبرت من وضع أهل اليمن، وأن المبرت والسكر قد أصبحا مترادفين. والترادف على ما عرفه الإمام فجر الدين هو الألفاظ المفردة الدالة على شيء واحد باعتبار واحد، كذا من الجزء الأول من المزهر للسيوطي ص٢٣٨. وهذا ينطبق على سكر ومبرت، فلا خلاف في أن كلمة سكر وإن كانت معربة قد اندمجت في العربية واستقرت بين ألفاظها وجرت في كلام فصحاء العرب (وأصبحت ذات حق بمضي مدة طويلة عليها تجري على أسلات الأقلام، وتجيء في أفصح الكلام، وقد عربها العرب فجرت مع الألفاظ العربية في عنان)
هكذا يقول الأستاذ الجارم في ص ٣٢٦ من مجلة المجمع اللغوي الملكي. وقد ذكر عدة ألفاظ من هذا القبيل من بينها سكر ومبرت. وإن كان الأستاذ الجارم قد عبر عن هذا بأنه ترادف متوهم فقال: (وهناك أسباب دعت إلى توهم الترادف: منها دخول كلمات في العربية من لغات أخرى. . . الخ) إلا أنه عد هذا التوهم من مذهب المتشددين ثم استدرك بما يفيد جواز الترادف فقال: (نعم إن المتشدد لا يعد هذه الكلمات من المترادفات لاختلاف اللغة، ولكن ما الحيلة وقد شاع استعمالها وأصبحت ذات حق بمضي المدة الطويلة. . . الخ) العبارة التي اقتبسناها. وهناك دليل آخر على صحة إطلاق الترادف بين لفظين أحدهما عربي والآخر معرب نجده في كلام الأستاذ الجارم الذي استند إليه الأستاذ عبد الوهاب في اعتراضه. بل هو دليل على صحة إطلاق الترادف بين لفظين أحدهما عربي والآخر أعجمي خالص. ذلك قوله في ص٣١٤ من مجلة المجمع: (والمثل الذي نختاره لذلك هو ما أورده السيوطي في المزهر للعسل من الأسماء؛
وقد وردت على أنها من باب الترادف. . . فمن مرادف العسل الدستفشار - والمستفشار. وهو العسل الذي لم تمسه النار؛ وليست واحدة منهما عربية. . . إلى أن قال. . . ونستطيع مما سقناه من مرادفات العسل أن نقيس عليه غيره) . فلعل الأستاذ عبد الوهاب يرى بعد هذا جواز إطلاق الترادف بين لفظين في لغة أحدهما عربي والآخر أعجمي أو على الأقل معرب وللفظ السكر بين المعربات مكان وطيد في العربية

