هذا هو الكتاب الذى اقدمه اليكم فى باب مطالعات الشهر او بعبارة أدق سأقدم لكم الفصل الاول من هذا الكتاب الذى يشتمل على اربعة عشر فصلا .
وقد اخترت لكم هذا الفصل الاول بالذات لانه هو نقطة الارتكاز في الموضوع ولان بقية الفصول تشمل مسائل فنية لا تهم الا المدرسين بينما الفصل الاول يهم جميع العرب وخاصة تلك الشعوب التى تبحث عن وسائل لبعث قوميها ، وتدعيم مجدها .
واظن اننى لست بحاجة الى بيان مدى الضرورة التى تشعر بها فى تونس الى العناية باهم مظهر من مظاهر القومية الا وهو اللغة العربية بل سأترك للقارىء ان يلمس من خلال هذا الفصل نقط الضعف التى تعانيها لغتنا وان يطلق من وسائل العلاج التى يشير اليها المؤلف ما يراه صالحا ونافعا .
اللغة العربية روح الامة :
هذا هو عنوان الفصل الاول من الكتاب وقد قسمه المؤلف الى موضوعات نبحث من مشاكل اللغة العربية . يستهل الكاتب هذا الفصل بقوله : " اللغة القومية روح الامة ، واحياؤها احياء للوطن . ثم يقول ان اللغة ظل حياة الامة ويشبهها بالمرأة تنعكس عليها حال الامة وسجل نشاطها ونتاج عقول ابنائها ، فهي الروح بالنسبة للجسم وهى الشعاع بالنسبة للشمس.
وتعرض الكاتب بعد ذلك الى الدور الذى تقوم باللغة فى الربط فيه حاضر الامة وماضيها ، فهى التي تكشف للاجيال الحاضرة ما وصل اليه اسلافهم فى ميدان المعرفة وما بذلوا من جهود لمعرفة اسرار الكون فيتسنى بذلك للحاضر ان يقوم على اسس متينة في طريق التقدم .
ولما كان للغة كل هذا الخطر اعتنت الدول بتدريسها وجعلتها اساسا ينهض عليه تدريس جميع المواد ، كما عملت على نشرها بالوسائل المختلفة تمكينا لنفوذها واشعارا برقي اصحابها .
ويرى الكاتب ان من واجب البلاد العربية العناية باللغة العربية والعمل على احيائها بالاكثار من دروس اللغة والعناية باساتيذها والتزامها فى كل المواد الدراسية .
ثم يذكر ما جاء على لسان امبراطور المانيا السابق "ولهلم غليوم" في جمع من رجال التعليم - وقد كانت العناية كبيرة بتدريس اللغتين الاغريقية والسلاتينية- " اننا لا نريد ان نكون اغريقيين ولا نود ان نكون لاتينيين ، بل نريد ان تكون المانيين . " ويرى الكاتب ان ما قيل للالمان يجب ان يقال مثله للعرب
فاللغة كانت اهم سبب فى بقاء الروائط بين البلاد العربية بالرغم من تفرقها وانقسامها ، وحالها فى ذلك حال اللغة الانجلزية بالنسبة لانجلترا وامريكا . هذا بالاضافة الى ان اللغة العربية هى لغة الاسلام فضمنت لذلك البقاء والنمو تبعا الانتشار الاسلام وانصهار حضارات شعوبه فيها . وكما اصابها الركود فى العصر التركى تبعا للضعف والخمول الذى اصاب شعوبها ، فقد اخذت تمزق الاكفان وتنهض لتثبت وجودها وغناها .
العقبات التى تقف فى سبيل اللغة العربية :
يرى الكاتب ان للغة العربية فى الوقت الحاضر ناحيتين : ناحية كتابية وهى فيها حية قوية كما كانت في ازهى عصورها ، وناحية لسانية وهى عامية تقرب من العربية بين المثقفين وعامية عادية بين الاميين .
ويرى المؤلف ان اسباب ضعف التلاميذ في اللغة العربية منها ما هو في ذات اللغة من تعدد صور الاعراب وعلاماته ، ثم ما فى الاملاء العربى من قواعد واهية الاساس لكثرة الخلاف والعلاج هو ان تتظافر جهود العرب ، وخاصة المجمع اللغوي ، لتبسيط الاعراب وتيسير الاملاء وبعث كنوز اللغة الدفينة
ومن العوامل التبى اصطلحت على هدم ما يبنيه معلم اللغة العربية البيت . وذلك لان اصحابه لا يتكلمون الفصحى ولا يطلبون من ابنائهم ان يتحروا الفصحى في حديثهم او ان يحثوهم على العناية بدروس الفصحى مثل عنايتهم بغيرها من المواد . اضف الى ذلك جهل معظم الوالدين باللغة الفصحى ، او تكون ثقافتهم بالفرنسية او غيرها فيسخرون بمن يتكلم العربية .
وتحارب اللغة العربية في المدرسة ايضا من المدرسين الذين لا يلتزمون العربية الفصحى في حديثهم ولا يحملون تلاميذهم عليها ، فالتلميذ لا يتعلم الفصحى من معلم لا يتكلمها . كما لا يجوز ان تنفصل اللغة العربية عن بقية المواد ، ولذا يجب ان يجعل المدرسون من المدرسة قوة تناهض اعداء الفصحى وتقاومهم ولا يكون ذلك الا باعدادهم اعدادا تاما بحيث يتكلمون اللغة العربية الصحيحة .
ولا تقل البيئة العامة خطرا عن البيت او المدرسة ويعنى بها الشارع والسوق والنادي والمقهى والقطار ودور الثمثيل الى غير ذلك من الاماكن التي يتصل بها التلميذ فتهدم ما بناه المدرس .
وتعلق الشعوب العربية بكل ما هو اجنبى في اللغة وغيرها اورثهم عدم الثقة بالنفس وفقدان الكرامة وانطفاء نيران الغيرة مما جعلهم يرون انه من الكمال اصطناع الفرنسية او الانجليزية فى حديثهم ومعاملاتهم وانه من السخف والتاخر ان يتكلموا العامية العادية ، ومن السخف ان يتخاطبوا بالفصحى والواجب ان يفهم هؤلاء ان لهم قومية وكرامة وخير مقوماتها هى اللغة فعليهم ان يحافظوا عليها وينهضوا بها .
ومن الاخطار التي تهدد اللغة العربية مزاحمة اللغة الاجنبية لها فى المدارس ففي الوقت الذي لم يتمكن الطفل من لغته القومية تدهمه لغة اجنبية تخالف لغته في الصوت وكثير من وجوه الاداء والتركيب . وينتج عن ذلك فى غالب الاحيان اهمال الطفل للغته وعناية باللغة الاجنبية نظرا لسمو اهلها وجلالهم وللامتحانات القاسية التى يتعرض لها ، هذا بالاضافة الى اللغة الثالثة فى المرحلة الثانوية.
والعلاج هنا هو ان يبدأ تعليم اللغة الاجنبية في السنتين الاخيرتين من المرحلة الابتدائية وان يقتصر على لغة اجنبية واحدة فى المرحلة الثانوية . وبهذه الطريقة يستطيع التلميذ ان يجيد لغته القومية ولغة اجنبية واحدة . ثم تعرض الكاتب بعد ذلك الى نقصان عدد الحصص المخصصة للغة العربية واعتبارها وحدات مستقلة كالنحو او البيان او النصوص . ولهذا يجب ان تنسجم حلقات اللغة وان تتماسك ، ومن جهة اخرى نجد درجات فروع اللغة تتجمع فى درجة اللغة العربية بحيث يمكن ان يغطى تفوق تلميذ في فرع على ضعفه في فرع آخر مما دعا الطلبة الى اهمال بعض الفروع اتكالا على قوتهم في البعض الآخر وهذا يتنافى مع اعتبار اللغة سلسلة متصلة الامر الذى يقتضى بان يرسب التلميذ في اللغة اذا رسب في فرع من فروعها.
اما من ناحية الكتب الدراسية فيرى المؤلف انه لابد من العناية بسلامة لغتها وان تتلاءم مع عقولهم وتتصل بحياتهم وتشجعهم على الاطلاع.
والخلاصة ان اللغة العربية مهملة فى البيت والمجتمع والعناية بها اقل من العناية باللغة الاجنبية فى المدرسة فحصص اللغة العربية قليلة ومدرس اللغة العربية مرهق لانه يجاهد وحده فى سبيل النهوض بها والطالب مرهق بكثرة المواد وهو مكلف بدراسة ثلاث لغات بحيث ينتهى من الدراسة الثانوية وهو لا يجيد لغة من اللغات .
اللغة العربية وصلتها بالمواد الدراسية:
اللغة العربية هى اللغة القومية ولغة القرآن والدين ولذلك يجب ان تنال كل عناية من المدرسة والمدرس باعتبارها وسيلة لفهم المواد الدراسية ووسيلة للتعبير عن آرائنا وافكارنا . ولهذا لابد ان يجيدها المدرس اجادة تامة والا يسمع التلميذ غيرها فى كل درس علمى او ادبى او فنى وفي فناء المدرسة وبذلك تستطيع ان تقاوم العامية وتستطيع ان تتقدم تقدما كبيرا من حيث لا نشعر ويظهر ذلك فى حب التلاميذ للقراءة والاطلاع وفي سلامة اسلوبهم في التفكير والتعبير
ولا يمكن ان يقوم المدرس السنة التلاميذ اذا كان جاهلا بالعربية فان فاقد الشئ لا يعطيه . ولتسجيع التلاميذ على التكلم باللغة العربية يجب ان نوجههم الى
الاجابات المطولة والانشاء الصحيح وان يعنى المدرس بتشويقهم الى الاستمرار في دراسة اللغة العربية ومطالبتهم بالبحث والاطلاع والترجمة والتاليف والمناظرات وحفظ القرآن والشعر وفهمهما حتى يتكون لديهم الذوق الادبى ليقدروا ما في اللغة من روعة وجمال
ويذكر المؤلف طرقا اخرى للنهوض باللغة نهوضا قويا يماثل ما كانت عليه في العصر العباسى الذي لم تكن لتصل اليه لولا ما نقل اليها من ادب الفرس وحكمة الهند وفلسفة اليونان .
فنقل مقومات المدنية الحديثة ومشخصاتها الى اللغة العربية ينهض بها نهوضا سريعا ويرقى بها الى مصاف اللغات الحية الناهضة.
ثم تعرض المؤلف إلى الطريقة القديمة في التعليم حيث كان اساتذة اللغة يعنون بالقواعد ويهملون الادب بالاضافة الى رداءة النوع فى غالب الاحيان وبعده عن واقع الحياة .
ويختم المؤلف هذا الفصل بقوله : " والمدرس الكفء القدير يجب أن يتصل بالحياة ونواحيها من علم واختراع وثقافة وادب وشؤون اقتصادية ووطنية كى يكون قريبا من الحياة كل القرب متصلا بالعالم كل الاتصال ، وان يتشبع روحه بالمدرسة الحديثة ، وان يفكر دائما فى الدرس الجديد وإعداده . فقد سئل مرة احد المربين : لماذا تعد دروسك كل يوم قبل ان تقوم بتعليمها ؟ فاجاب : انبى اود ألا يشرب تلاميذى الا من منبع جديد وماء عذب لا من ماء راكد .
هذا هو ملخص الفصل الاول من الكتاب وتليه فصول اخرى تعرض فيها المؤلف الى اهمية اعداد المدرس لدروسه وكيفية اعدادها ، وطرق تدريس مختلف المواد وهى المطالعة والنصوص والقواعد وعلوم البيان والاملاء والخط والانشاء والادب والتعليم الديني.
والمتصفح لهذا الكتاب لابد ان يقدر جهود المؤلف الذي خدم العربية سنينا طويلة كاستاذ ومفتش فلم يبخل على ابنائها بتجاربه وملاحظاته .
