الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 702الرجوع إلى "الثقافة"

مع الفكر الأوربى المعاصر, ١ - الإسلام، معتقداته وطقوسه, ٢ - سيادة مدينة، أو حكام مكة

Share

كتاب من تأليف الأستاذ " تربتون "

الأستاذ السابق للغة العربية بمدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن .

هذا كتاب أداره مؤلفه على الموضوعات الآتية : محمد والقرآن . أركان الإسلام ، الحديث والسنة . المعتقدات الشريعة . الشيعة ، التصوف . الحكومة ، الحياة الاجتماعية والآراء السائدة عند جمهور المسلمين . النهضات الحديثة فى الإسلام .

وهو يقول فى كتابه : ويدعى محمد ( ص ) أكثر ما يدعى بالمصطفى . ولذلك فإن المصدق برسالته يحس أنه باتباعه سنة هذا النبى يصبح واحدا من الصفوة المختارة من الخلق . وأن أحدا من الناس لن يسمو سموه . ولن يرقى رقيه . ومن ثم نرى المؤلفات العربية قد مالت إلى جانب

الخصوصية لا الشمول . ودليل ذلك ما قيل منسوبا إلى الخليفة الثانى عن الكتب التى تحتويها مكتبة الإسكندرية ( إن كان ما فى تلك الكتب يتفق وما جاء به القرآن فهى إذا كتب لا حاجة لنا بها ، وإن كان ما فيها يخالف ماجاء به القرآن فهى كتب خاطئة ) وهذا القول يمثل الغالب العقلى ، عند المسلمين !

ومن ناحية أخرى فإنه روى أن أحد أفراد قبيلة من القبائل العربية قال - وقد نظر إلى فخامة بناء من الأبنية قد تبين فيه جمال الفن إن تلك الفخامة ، وذلك الجمال لن يبعثا فى نفسى إلا أن أنطق باللعنة أشد اللعنة ، وإلا أن أبصق ساخرا مستهزئا

ويضيف المؤلف إلى ذلك قوله : على أن مثل هذا الخلق قد زالت آثاره فى بعض الأقطار الاسلامية . ولكن عند فئة قليلة من الناس . وفى هذا ما يغرى القول أن العقم الذى أصاب الإسلام إنما هو أثر من آثار ما جبلت عليه نفوس أهله . فالإسلام وقد نأى بجانبه كبرا وتعاليا عن رؤية أى شئ خارج بيئته قد فاتته الاستفادة من الآراء الجديدة

وغفل عن الإتيان بأى شىء جديد من عنده !

ومن الممكن القول أن الهدف الأول من دراسة القرآن هو استنباط قواعد السلوك من ثنايا آياته . كما أنه من الممكن القول أيضا أنه فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ظلت رفعة الإسلام تمتد وتتسع ، وظل ضوؤه يتسع وينتشر خارج أقطاره . وذلك على أيدى المبشرين به من المبعوثين غير الرسميين .

والاعتقاد بأن الله موجود ، وأنه المسيطر على العالم يعلى من شأن الحياة ، ويبث الثقة والإيمان بها ؟ وهذا الاعتقاد هو العمود الفقرى للخلق الكريم ، ولصدق العزيمة وقوة الإرادة ، وللصبر أجمل الصبر على غدر الأيام فى أقسى مرارته ، وهى الصفات التى يتحلى بها المؤمنون المصدقون أصدق الإيمان بعقيدة الإسلام ؟ فالمسلم مستيقن أن إيمانه لا بد مكسبه السعادة الكبرى فى الدنيا والآخرة .

وقد وصف أحد الرحالين ظهور وباء الكوليرا فى حين من الأحيان قال : كان الوباء يتعقبنا خطوة بعد خطوة ، ويقتحم خيامنا خيمة بعد خيمة ، بل كان يمشى فى ركابنا . وعلى الرغم من أن فرقة المكافحة قد بدأ يتملكها الفزع . وعلى الرغم من أن أفرادها كان ينظر بعضهم إلى بعض نظرة الحذر ، وهم يهيبون بأنفسهم ليكونوا على أتم الأهبة لمكافحة الوباء عند ظهور أول علاماته فقد كانوا جميعا متمسكين بالصبر والجلد.

والدين عند المسلمين حقيقة واقعة ، وجزء متمم لحياتهم اليومية . وهو ليس رداء يرتديه الأحبار والعلماء ومن ثم فهو يجعل المسلمين إذا وقعت الواقعة وادلهم ليل الخطوب ثابتى الإيمان . لا تزعزهم العواصف والأنواء .

ولقد بدأ منذ حين نشاط الإرساليات الدينية المنظمة . ومن تلك الإرساليات جماعة أنجومان هدايات الإسلام " فى مدينة " دلهى " وقد انضمت إليها أربع وعشرون جمعية فى مختلف أنحاء الهند .

وهناك فرع " لاهور " للحركة الأحمدية . وهو الذى

يرسل بعوثه إلى مختلف ممالك أوربا . تبشر بالدين الإسلامى وترفع أعلامه وأصدق دليل على أن الإسلام مازال حيا قويا هو نشاط هذه الجماعات غير الرسمية .

وأوثق عروة يستمسك بها المسلمون هى اجتماعهم من جميع أنحاء العالم ليؤدوا فريضة الحج بمكة . وليقيموا الصلاة فى ذلك المكان يولون وجوههم شطره كل يوم . وفى الوقت نفسه فإن إخوانهم الذين لم يحجوا يشاركونهم أداء الفريضة وهم فى أوطانهم - وذلك بالتقرب إلى الله بذبح الأضاحى وإطعام الفقراء من لحومها.

أما الصلوات الخمس كل يوم فوسيلة فعالة لكسب واستبقاء ( المسلمين) الذين اهتدوا إلى الإسلام .

ولم ينس الإحسان إلى الفقراء . وهو الزكاة التى كان محمد ( ص ) يعلى من شأنها ويوصى بإيتائها . وهى عادة تتفق مع طباع القوم وأخلاقهم .

والإسلام يكبر من شأن العلم إكبارا لا شائبة فيه . والعلم عنده فريضة على كل مسلم ومسلمة

والإسلام فى مجمل أمره ينظر إلى أتباع الأديان الأخرى نظرة رفق وتسامح . ولو أن بعض الفاتحين قد جمع بين فتوحاته وبين قتل عابدى الأوثان ابتغاء وجه الله .

وفى العصور الوسطى كان اليهود سعداء بالعيش بين المسلمين أكثر مما كانوا بين المسيحيين . وقد أتى حين من الدهر كان المسيحيون يضطهدون ويظلمون . ولكن الذنب فى هذا يرجع إلى جشع أولئك المسيحبين وطغيانهم . والدليل على حسن صنيع المسلمين أن كثيرا من فقهائهم وقفوا يدافعون عن حقوق الذميين ، ويأخذون بناصرهم .

ويبدو أن ليس هناك أى شك فى أن مذابح الآرمن فى تركيا قد دبرتها الحكومة . إذ المعروف أن من واجب أرباب السلطان أن يكبحوا جماح الرعاع .

وفى كثير من الأحيان يكون الدافع على الإغارة على أهل الديانات الأخرى هو كراهة الغريب لذاته لا لدينه .

وفى شمال أفريقيا يسترشد الناس عادة فى المسائل الروحية

بآراء الدراويش القائمين فى ثكاياهم . مفضلين إياهم على موظفى المساجد ، وحجتهم فى ذلك أن هؤلاء تدفع الحكومة لهم رواتبهم . وهم لذلك موضع شك وريبة .

وقد يكون محمد (ص) قد حرم قتل النمل والنحل . وقد يكون صحيحا ما قيل من أن فقهاء المعتزلة يقولون بأن الحيوانات ستدخل الجنة جزاء لها على ما قاسته من آلام على الأرض . وأن العقل لا يستطيع أن يأتى بدليل على أن قتل الحيوانات لاتخاذ لحومها طعاما للناس كان حقا وعدلا

ومع هذا فإن الحيوانات المستأنسة تلقى عند المسلمين مصيرا سيئا . على أن المرء لواجد ذلك الرجل من رجال البادية يلاطف حصانه ويدلله ( هذا إن لم يكن قد استبدل به اليوم سيارة من السيارات).

والدين الإسلامى ليس هو - بالطبع - الآمر بالقسوة فى معاملة الحيوان . ولكنه كان يستطيع أن يحض على منع تلك القسوة .

وقد يستطيع المرء أن يجمع من صحف الأخبار المرجفة نتفا تصور الآداب والعادات فى الأقطار الإسلامية فى صورة براقة أو قاتمة . ولكن ليس من العدل الاعتماد على أمثال تلك الصور . فالمسلمون مثلا يقولون إن قلة من المسلمين هم الذين يتخذون أكثر من زوجة واحدة . ورجال الإرساليات المسيحيون ينكرون عليهم هذا القول . وقد يكون النبآن قد استفيا من مصادر متنوعة ، ومن بيئات مختلفة.

والمؤلف يقول أيضا : إن من أدب الإسلام عند الأترك ذم الحسد ( وإن كان من المباح الدعاء على الأغنياء الذين ينفقون أموالهم فى غير مرضاة الله بأن يمحق الله أموالهم )

كذلك من أدب الإسلام عندهم أن من واجب السلم أن لا يخشى الفقر ، وأن لا يتملق ذوى الثراء ، وأن لا يسىء إلى الفقراء بالزراية عليهم والحط من قدرهم . وأن لا يقضى بين المسلمين بالرأى الفطير .

كتاب من تأليف ( جيرالد دى جورى )

يقول مؤلف هذا الكتاب : إن المدينتين المقدستين فى الجزيرة العربية كانتا مهد الإسلام وموطنه . كما كانتا المنبع الذى نبعت منه إمبراطوريات إسلامية عظمى قد صايرت الأيام وطاولت الأدهار . ولم تكن إحدى المدينتين المقدستين فى يوم من الأيام المركز السياسى لواحدة من تلك الأمبراطوريات .

ويقول : لما امتدت رقعة الفتوحات الإسلامية الأولى أخذ خلفاء الإسلام عواصم ملكهم خارج مكة والدينة . فبدأوا بدمشق ، ثم ببغداد ، ثم بالقاهرة ، ثم بقرطبة . ثم اتخذت مدن أخرى عواصم لممالك كان حكامها وجمهرة سكانها مسلمين يتكلمون العربية .

أما الحجاز فقد أصبح بعد ظهور الإسلام أول الأراضى الإسلامية المقدسة وأعظمها شأنا ، كما أصبح موضع التوقير والعناية ، وكما أصبح مقصد الحجاج الذين يؤدون فريضة الحج ، وهى ركن من أركان الإسلام .

وما إن انقضى عهد الخلفاء الراشدين حتى أصبح الحجاز عند المسلمين حكمه حكم فلسطين عند المسيحين . والمشابهة بينهما قوية محكمة ، بل تكاد تكون تامة ، مع فارق واحد . هو أن فلسطين قد ظلت طوال السنين الماضية التى تكاد تبلغ الألفين خارج مدار السياسة لدى الدول المسيحية . أما مكة والمدينة فقد ظلتا منذ ظهور الإسلام يحكمهما حكام مسلمون . وقد احتفظت كلتا المدينتين بهذا الطابع حتى بعد أن أصبح الحكام المسيطرون على الدول الإسلامية من أقوام غرباء عن العرب - وإن كانوا مسلمين - ونعنى بهم الترك .

واليوم لا تزال المملكة العربية يحكمها ملك مسلم . وإن كان نظام حكمه يختلف فى الطابع عن حكم حكام الحجاز الغابرين . وإن كان توليه الحكم قد غير من التسلسل فى نسب الحكام.

ويقول أحد المعلقين : ليس فى مقدور المرء أن يقول إن الحجاز قد كونت فيه أمة فى أى عصر من عصور تاريخه مهما اختلفت صيغ التعريف لكلمة (أمة ) كما يقول : إن المؤلف قد عنى برقعة من رقاع الأرض ليتقصى قصة " قريش " وكيف تسلسلت أنسابها . وهى تلك القبيلة العربية التى أمدت (مكة) بحكامها الذين تولوا أمورها منذ أكثر من ألف عام ، وهذا ما جعل كتابه كتابا نافعا استحب قراءته - والكتاب فى كثير من نواحيه - مجموعة مدونات تاريخية تعنى - كما أسلفنا القول بتسلسل نسب الحكام.

وقد بدأ المؤلف بأن رسم لقرائه صورة موجزة للبلاد العربية ، وتاريخا لأرض الحجاز فى العصور التى سبقت الإسلام وكما صور " مكة وقد صعد نجمها كمدينة مقدسة

ثم ذكر كيف ظفرت قريش بسدانة ( البيت ) فى القرن الخامس ، وكيف ظل القرشيون مستمسكين بهذه السدانة حتى القرن العشرين . وكيف لا وقد كان من أبنائها محمد (ص) كما كان منها حكام الجزء الأكبر من العالم الناطق بالعربية . وهم المهتدون بهديه والسائرون على سنته .

ومؤلف الكتاب يكبر الإكبار كله من شأن النبى ( ص) كعظيم من عظماء الساسة ، فهو يقول : إن النبى قد أضفى ظلالا من النظام لا عهد للبلاد العربية بها من قبل . وذلك بجمع قبائلها تحت لواء واحد هو لواء التوحيد . وبوعده المستضعفين من العرب بأن يضمن لهم المساواة فى الدنيا وحياة الخلد فى الآخرة .

والمؤلف يشهد للنبى (ص) بأنه كان يعمل بدافع روحى ، وأن الذين اتبعوه كانوا يعملون تحت إمرته بدافع من الطموح الروحى .

ويقول المؤلف : قد يتولى الناس العجب إذا عرفوا أن انهيار الأمبراطوريات الإسلامية فى العصور الوسطى قد اتفق زمانه مع ذلك الزمان الذى امتدت فيه رقعة البلاد التى يخرج منها حجاج بيت الله إلى مكة كل عام ، إذ جاء الترك العثمانيون ففتحوا الأمبراطورية البيزنطية وأضافوها إلى ملك الإسلام .

وفى سنة ١٥١٦ ميلادية دخل أمير " مكة " يومئذ وكان الشريف بركات ، فى طاعة السلطان سليم الأول . واستمتعت مكة " بمزايا الحكم العثمانى فى إبان ازدهاره . كما قاسمته مصيره منذ أن بدأت الإمبراطورية العثمانية تذوب وتضمحل ابتداء من القرن السابع عشر .

ويقول المؤلف إنه حتى قبل عام ١٥١٦ كان هناك اهتمام بالغ بأمور البلاد العربية ممثلا فى تقدم البرتغاليين فى المحيط الهندى ، فلما أثمر هذا التقدم أثره أصبحت المدينة المقدسة أقرب مثالا إلى مسلمى العالم مما كانت من قبل كما أن شق قناة السويس قد جعل مكة فى قبضة " استامبول " . ولكن وسائل الغرب السياسية قد كان لها أثر أى أثر على القضية الحجازية وبخاصة منذ الغزو المصرى بقيادة " محمد على ثم دار الزمن دورته ، وامتزج العنصران ، عنصر تفوق الدبلوماسية الحديثة ، وعنصر فهم الغرب لمسائل القوميات .

وكان ذلك سببا فى تحطيم أركان الامبراطورية العثمانية ، مما فتح الباب ، وأدى إلى خلع حكام " مكة القدماء وأحل محلهم ملكا من المسلمين الأصفياء المتزمتين ، يختلف أصله عن أصل من كانوا قبله فى الحكم .

اشترك في نشرتنا البريدية