كان الأدب التركى القديم يرسف فى اغلال الجمود ويقطع مراحل النهضة بتأخر وبطء. فظهر أحمد حكمت بك ورفاقه امثال توفيق فكرت، خالد ضيا، جناب شهاب الدين وغيرهم ممن احيوا الأدب التركى القديم، وكسروا قيود التعصب، واغلال البطء، وأظهروا للناس نتائج أفكارهم وثمرات عقولهم التى اقتبسوها من المغرب، وألبسوا الأدب ثوبا جديدا بنشرهم المقالات الأدبية الطريفة ونظمهم القطع الشعرية الظريفة. ولكن اضطر هؤلاء أن يقفوا حينا بنهضتهم، ويخفضوا قليلا من أصواتهم، أمام جور السلطان عبد الحميد وظلمه. وما ظهرت شمس الدستور على يد مدحت باشا حتى قام أصحابنا بنهضتهم وشرعوا يتمون مشروعهم.
يعتمد احمد حكمت بك فى كتابته على الحس أكثر من الخيال، أسلوبه رقيق، ومعانيه سهله، وأفكاره متينة. أكثر كتبه حافلة بالقصص والحكايات. يسعى حين الكتابة لإظهار حقيقة ما يكتب، وهو على عكس رفيقه خالد ضيا، قليل التكلف والصنعة. ولقد صور الأدب الغربى بصورة توافق لغته وبيئته. وله مؤلفات عديدة ومن أهم آثاره كتاب "خارستان وكلستان".
وهذه قطعة من منثوره المثبوت بين كتبه القيمة، فان فقدت جمال الاسلوب وروعة الصنعة فجمال المعنى محفوظ على ما أظن: "ساعة خلق الكون"
كانت جلبة وقرقعة فى ديجور الظلام الخانق، وكان انقلاب وانفجار وسط الغيوم السوداء المزبدة الحواشى تحيط بذلك الفضاء الواسع. وكانت الرياح تعصف، والاحجار تسيل. واللهب تنشر حرارتها وتذيب الصخر والجلمود. وكانت الجبال تنقلب والبحار تفرغ وتمتلئ، والغيوم تنفجر وتنشق فتولد المئآت والألوف من النجوم التى تسبح فى الفضاء كما تسبح اليراعات فى الظلمات الحالكة، تارة تذوب.
وأخرى تتصادم ثم تنعزل فى ناحية من الفضاء اللانهائى. كانت الامواه تعلو وتنخفض، تغلى وتزبد حول تلك اللهب المتعالية والنيران المتأججة.
والكائنات تدور .... نعم كانت تدور ... وكانت طوائف الملائكة المكلفة بتنظيم الارض تطير وتنتقل من طرف الى آخر، منها من تمسك المياه المتجمدة من حوافيها، وتدفع الجبال بأرجلها، وترتب النجوم بأيديها، وتعيد الأنهار الى فراشها، ومنها من كانت تجر (الدب الأكبر) من ذنبه، وتقود (برج الحمل) من قرنه.
والكائنات تدور .... نعم كانت تدور ... بين تلك الغيوم والنجوم والدخان واللهيب كان ملك ضحى بنفسه يطير بسرعة البرق خلف كوكب جميل مضىء، خلف "الزهرة" الشاردة. وبينا يعيدها الى محورها الأول وقع فوق الصخور الملساء على اثر صدمة قوية كانت سببا فى فقده رشده. ولما استفاق من اغمائه سقطت دمعة من عينه انحدرت فوق الصخرة. لقد رأى الخالق الاعظم هذه التضحيات، ووافقته هذه الخدمات، فأراد الا تضيع ذكرى هذه الدمعة فخلق الرجل الأول "آدم".
كانت دورة الارض تنتظم قليلا قليلا، فالانهار نامت فى فراشها والبحار هدأت فى احواضها، والنجوم انتظمت فى محاورها والبراكين خمدت فى اماكنها.
وكانت الشمس فى كل يوم تبعث الحياة على اليابسة. وكانت الرياح بين آونة وأخرى تساعد الشمس فى بعث الجمال والحياة وتطرية هذه الكائنات. وكانت بذور الورود تنتثر من الآفاق وباقات زهور الحب تساقط من الغيوم، وذرات النجوم المتناثرة فى تلك القبة الزرقاء تشكل مروجا من زهور البابونج "باباتيه" وحاشية من حواشى قوس قزح تبدو للناظر ذيل طاووس بهيج.
وقد وجدت هذه البدائع لتكون مكافأة للملائكة على جهودهم وخدماتهم. وكانت الحور يتمتعن من هذا الجمال والتجديد تارة يسرن واخرى يطرن، يسمعن اغاريد الطيور، ويبتهجن من أريج الزهور، ويتراكضن نحو ظلال الاشجار مرحات طربات، وكانت اجملهن واصغرهن، واتعبهن جالسة وسط زهرة فتحت صدرها واوراقها لأشعة الشمس لتشعر بهذا الجمال اكثر من رفيقاتها، ولتتذوق هذه الحلاوة قبل صويحباتها. وهى كجميع
المخلوقات تنتظر ظهور المعجزة برشفها أشعة الشمس المشرقة بشفتيها وعينها.
بدا نور وجمال فى شفتى تلك الحورية على اثر رؤيتها فى كل عصفور ريشة منيرة، وفى كل زهرة لونا جديدا وفى كل شجرة ثمرة حلوة. كان هذا النور وهذا الجمال "الأبتسامة الاولى".
وقد رأى الخالق الأعظم هذه التضحيات ووافقته هذه الخدمات فأحب أن تدوم ذكرى هذه الأبتسامة فخلق منها المرأة الاولى "حواء". وانتهى بذلك خلق الكون.

