) نشرت لي الثقافة " في عدديها ٦٥١،٦٥٠ بحثا عن فاوست بجزئيه . لقوته . ورأيت أخيرا إكمالا للمائدة أن أضم إلى هذا البحث بحثا آخر في تاريخ أو تطور خرافة فاوست منذ ظهورها حتى تناولتها براعة الشعر الألماني .
- ١ -
لمحة عن خرافة السحر : قبل أن نمضي في عرض قصة فاوست الأصلية نرى أن نذكر كلمة عن خرافة السحر ؛ ولهذا سنعود إلي العصور التي بزغت فيها الآداب ، وحتي هناك سنجد أن الاعتقاد في السحر كان موجودا متوارثا عن عصور ماضية اخري لم تدون أخبارها ، نشأت خلالها أولى جراثيم هذه المادة التي اخصبت ونمت في مخيلة الساحر الذي بفضل حيل مختلفة كان في إمكانه أن يستميل الآلهة والشياطين والقوى فوق الطبيعية إلى خدمته . وبواسطتها كان يحول مجرى الطبيعة عن سيرها المعتاد ؛ وسنكتفي بالتفيح إلي ذيوع الاعتقاد في السحر بين اليهود والإغريق والرومان ، وإلى ما كان موجودا في عصر ما قبل التاريخ .
لم يكن هذا الاعتقاد في الواقع سوى النتيجة الطبيعية للدين ، إن لم يكن روح الديانة البدائية نفسها ّ فقد كان الكاهن أول ساحر ، وفي البدء لم تكن ممارسة هذا السحر تحمل في أطوائها هذا المقت الذي لحق بها في الأزمنة التي جاءت بعد ذلك . ثم جاء الإغريق والرومان فنظروا إلى السحر بين الريبة والشك ، وكان هذا لأسباب خلقية ، ككونه دافعا للشر محرضا عليه ، اكثر من الأسباب الدينية ككونه مناهضا للآلة مثلا ، أما بين اليهود وهم يدينون بديانه الإله الواحد ، فقد كان السحر يعتبر نوعا من عبادة الأوثان . ومن ثم نبذوه ، ونما هذا العداء للسحر منذ فجر المسيحية وسمي ب "عبادة الشيطان" ، إذ كان المسيحيون الأولون يشبهون آلهة الأوثان بالشياطين
وقائمة السحرة التي تتحدث عنها الخرافات في عهد المسيحية طويله جدا ، ولكن ثلاثا من أساطير السحر في أوائل هذا العهد تستحق الذكر لتشابهها في نقاط معينة
خرافة فاوست . أما موضوع أولاها فقد تسلسل عن " سيمون" ، في " أعمال " بالكتاب القدس ، الأصحاح الثامن : وكان قبلا في المدينة رجل اسمه سيمون يستعمل السحر ويدهش شعب السامرة قائلا إنه شئ عظيم " إذ ظهرت فيما بعد أسطورة اخرى شغلت أكثر بهذا السيمون ، مدخلة على قصته خطوطا وملامح جعلت الشبه بينه وبين فاوست الخرافي قريبا جدا بحيث اعتقد الكثيرون أنه اصل فاوست الحقيقي .
أما الخرافتان الأخريان فتظهران لنا الأسطورة بما أضيف إليها من فكرة إبرام العقد مع الشيطان ، وهما : خرافة سيبريان ، وخرافة " ثيوفيتس " وترجعان إلي القرنين الرابع والسادس الميلاديين على التوالي . ولكن واحدة من هاتين الخرافين لم تذكر شيئا عن طبيعة هذا العقد الشيطاني الذي يتميز به فاوست العصور الوسطى أما سيبريان الذي كان وثنيا كفاوست في جريه وراء جمع المعارف فقد اكتسب قوة بإبرامه عقدا مع الشيطان ولكنه اكتشف ضعف حليفة أمام جبروت الدين وبأسه ، وسرعان ما تحول إلي المسيحية ومات شهيدا ، وكان ثيوفيتس على العكس من سابقه مسيحيا ، وإذ خابت مطامحه في المسيحية المنسلخ عن الإيمان بكتابة وثيقة مع الشيطان موقعة بدمه ولكنه ندم للحال واستغاث بالعذراء ، التي استردت العقد من الشيطان وأعادته إليه .
وحتى هذه الخرافات لا تؤكد انها الأصل المباشر لخرافة فاوست ، وعلى أي حال فهي . فضلا عن عديد غيرها تماثلها قد ساهمت دون شك في بلورة فكرة " العقد مع الشيطان" ، التي عاصرت مسيحية القرون الوسطى ، وبقيت
قوية الحياة في القرن السادس عشر الميلادي بألمانيا البروتستانتية حيث ولدت في أحضانها خرافة فاوست .
تطور خرافة فاوست : سنحاول الآن اقتفاء أثر هذه الخرافة وتفصيلها تفصيلا أدق ، إذ قبل أن نهبها عبقرية جوته " رخصة " أبدية للحياة ، مع إعطائها معنى أعمق كانت قد تمت بالذيوع والشهرة بين الناس .
تعود خرافة فاوست إلي عام ١٦٢١ ، أي أقل من خمسين عاما بعد نشر " كتاب فاوست " الأول ، حينما أذاع اللاهوتي شيكارد أن قصة فاوست ما هي إلا خرافة مخترعة لتخويف الناس من ممارسة السحر . وكان اللاهوتي در أول من قال عام ١٦٧٦ إن " الفنان الأسود ، فاوست " هو نفسه " جوهان فست الذي يرتبط اسمه باختراع الطباعة في القرن الخامس عشر ، وعارض هذه الفكر : لاهوتي ثالث ، نومان ، الذي أخذ على عاتقه عام ١٦٨٣ مهمة تحقيق هذه المسألة ، وقد أثبت بالبرهان وجود فاوست تاريخي . . ولكنه انتهى بقوله إن حياة فاوست ليست خرافة كلها ، وليست تاريخا كلها ، ولكنها بين هذا وذاك ! ولقد ساد هذا الاعتقاد عموما حتى زمننا هذا الحديث . ولكن محاولة المطابقة بين هذا المشعوذ وجوهان فست - الأسم الذي قد يطابق فاوست الألماني الحديث - كانت أكثر انتشارا وقبولا .
وقد ألمع دانييل ديفو في " التاريخ السياسي للشيطان " عام ١٧٢٦ إلى هذا الموضوع : " كان جون فاوستس خادما أو أجيرا او صفافا لأحرف الطباعة عند كوستر . . وما إن أتم طبع " المزامير" حتى هرع إلى باريس لبيعها كمخطوطات ، إذ أنها بذلك تعود على صاحبها بالربح الوفير وإذ لم يستطع المتعلمون هناك فهم سر هذا العمل العجيب انتهوا بنسبته إلى الشيطان . أما الرجل فكان في زعمهم " ساحرا " أو مشعوذا أو واحدا من هؤلاء الذين يعملون بالفن الأسود ، أي بمساعدة الشيطان . ومن ثم أدانوه ، وحوكم أمام محاكم الجنايات التي ما لبثت أن أثارت في العالم حوله ضجة . ورفعت من شهرة جون فاوستس المسكين إلى ارتفاع
شاهق مخيف ، حتى اضطر في النهاية إلي كشف القناع عن سر مخطوطاته صونا لرقبته من المفصلة " .
هذا هو الأصل الحقيقي ، كما يقول دانييل ديفو ، للدكتور فاوستس المشهور ، في حين لم يكن فاوست دكتورا ، ولم يكن يعرف عن الشيطان أكثر مما يعرف عنه أي إنسان آخر .
وتبع هذا بحث قام به كارل سيمروك ، أحد الثقات الألمان عام ١٨٧٤ ، محا به كل شك في حقيقة وجود فاوست تاريخي . وجدير بالذكر هنا أن هذا الثقة كان ما زال متمسكا بأن خرافة فاوست تبدأ بعامل الطباعة فست ، وأكد إمكان إثبات هذه النظرية علي الضوء الذي ألقته الحادثة التي رواها دانييل ديفو علي هذا الموضوع .
يقول كارل سيمروك إن أقدم مرجع لفاوست التاريخي يوجد ضمن مجموعة خطابات المؤرخ ترتنهايم ، وقد نشرت عام ١٥٣٦ ، ومن بينها رسالة ترجع إلى عام ١٥٠٧ موجها إلى صديق كان يستفسر منه - من ترتنهايم - عن شخص يدعي جورجيس سابلليكس .
ذكر ترتنهايم في خطابه : " كان جورجيس سابلليكس يلقب نفسه ) فاوستس الصغير ( زعيم السحرة والعرافين . الساحر الثاني . . ولم يكن هذا المدعي المتعاظم سوى واحد من طلاب العلم المتجولين Strolling Scholars: الذين كانوا يعيشون على فطنتهم وذكائهم . أما أنه كان يلقب نفسه " فاوستس الصغير " ريدعي أنه " الساحر الثاني " فيوحي بأن اسم فاوستس كان مشهورا في عالم السحر قبل أن يتخذه لنفسه اسما . وهكذا أعاد كارل سيمروك عامل الطباعة قست أوفاوست إلى الوجود محاولا إقحامه علي خرافة فاوست ، مؤكدا أنه فاوست الاول الذي ذاع اسمه كساحر إبان محاولته بيع مخطوطات المزامير بباريس ، كما ذكر دانييل ديفو .
ويستمر كارل سيمروك في أبحاثه فيقول وإن طالبا يدعي جوهانس قست ، أدرج في قاعة كلية الفلسفة بجامعة هيدلبرج عام ١٥٠٥ وتخرج منها عام ١٥١٠ ؟ ولكنه لم يصل إلى دليل دامغ يثبت نسبه أو عدمه إلى فاوست الحقيقي .
ووجد في سجل حسابات أبروشية بأمبرج عام ١٥٢٠
هذه الكلمة : " لقد أعطت ثمانية عشر جلدن (٥) إلي الدكتور فاوستس ، الفيلسوف ، كهدية . . ولكن هل يمكن أن ينطبق على فاوست مثل هذا التكريم والاحتفاء أينما حل !
وعثر في قلم الملفات القضائية ببافاريا العليا على تقرير يقول إنه " في يوم الأربعاء - بعد القديس قيتوس ، ١٥٢٨ - طلب إلي أحدهم ويدعي دكتور جورج فاوستس أن يبرح المدينة ) إنجولستاد ( . .
وكتب جواكيم كامبراريس رئيس جامعة نوبتجن إلى صديقي له عام ١٥٣٦ يقول : " لقد أنحى علي صديقي فاوست بالملائمة لأني أتحدث إليك عن هذه الأشياء ، ألم يكن من الأفضل أن يعلمك شيئا من فنه . "
وسجل فيلبب بيجاردي ، طبيب مدينة وورمز في فهرسه الصحي عام ١٥٣٩ : " لبضع سنوات خلت كان يتنقل في معظم أنحاء البلاد . . وذاع اسمه بين الناس ، وكان يفخر بفنه العظيم ليس في الطب فقط ، بل في علم الكف والفراسة والتنجيم وما إلى ذلك من الفنون . . وقد صرح هو نفسه دون إنكار أنه يدعي فاوستس . . "
وروى راعي بال ، جوهان جاست ، عام ١٥٤٨ ، الحقائق التالية : " بخصوص العراف فاوست ، إنه يأوي قرب المغرب إلي دير غني معين . وقدم إليه أحد الإخوة ذات مساء نبيذا عاريا مشكوك الجودة . فسأله فاوست أن يأتيه بنبيذ أجود من برميل آخر . . فقال الأخ : لست أحتفظ بالمفاتيح ورئيسي نائم ، وإنها لخطيئة أن أوقظه . فأجابه فاوست : ها هي ذي المفاتيح ملقاة في زاوية الغرفة . خذها وافتح هذا البرميل على اليسار وأتني بشراب . ورفض الأخ بحجة أن رئيسه يمنعه من تقديم أي نبيذ آخر إلى الضيوف . وعندما سمع فاوست هذا قال بغضب : سوف نرى العجب أيها الأخ غير المضياف ! ورحل فاوست عند قلق الصبح وهو يفور غضبا دون أن يودع مضيفة . وأرسل إلى الدير روحا شريرة هائجة ما لبثت أن ملأته بالضجيج نهارا وليلا ، إذ جعلت تطيح كل شئ في الكنيسة وغرف الرهبان بقصد إقلاقهم وإزعاجهم . .
وذكر مانيلس عام ١٥٦٢ عن ميلانشتون المصلح الكبير أنه ، أى ميلانشتون ، كان يعرف شخصا يدعى فاوست ، من كندلنج ، تعلم فن السحر بينما كان يطلب العلم في كراكو . وكان يطوف بالبلاد متحدثا عن أشياء غامضة . وحينما كان أخذا في عمل عرض بفينيسيا قال إنه يمكنه التحليق في السماء ، وتبعا لذلك رفعه الشيطان عاليا ثم ألقى به على الأرض فاقد الحياة ، ومع ذلك فقد عادت إليه أنفاسه للتو !
وبعد أعوام قليلة من هذا الحادث كان هذا الجوهانس فاوستس جالسا بكآبة في آخر يوم له بقرية من قرى دوشي من أعمال وتنبرج . فسأله مضيفه عن سبب حزنه ، وما عتم أن أجابه : أرجو الا أراك مفزعا هذه الليلة ؛ وفي منتصف الليل زلزل المنزل . وعندما انتصف نهار اليوم الثاني ولم يظهر فاوست وجده المضيف بحجرته ملقي إلى جانب فراشه ووجهه ملتو إلى ظهره . . وتسلل هذا الرجل ، فاوست ، إلى مدينة وتنبرج ، بينما كان الأمير الدوق جون قد أصدر أمره بالقبض عليه . فتابع فاوست هروبه إلى نورمبرج ، وهناك عندما بدأ تناول إفطاره ، تملكته رعدة كبيرة ، فنهض للتو وأدى إلي مضيفه ثمن طعامه ، وما إن هم بمغادرة الدار حتى أطبق عليه البوليس .
وتقول القصة التالية المأخوذة عن كتاب نشر عام ١٥٦٨ وضعه دكتور جوهانس وير : إنه قد ألقي القبض على هذا المحتال ، فاوست ، في باتنبرج . وفي غياب البارون هرمان كان يعامله قسيسه بلطف ، وقد وعده فاوست بتلقينه بعض المعارف في مختلف الفنون . حينئذ قال القسيس عرضا - وكان طيبا بسيط العقل - إنه يريد حلاقة لحيته . فقال فاوست : إنه يعرف طريقة يتخلص بها من لحيته دون استعمال الموسي ، وهي أن يحك ذقنه بالزرنيخ . لم يشك القسيس في كلام فاوست . وما إن فعل كما أشار عليه الأخير حتى أحدث الزرنيخ التهابا ليس فقط في شعر لحيته ، بل في جلده ، ولحمه ايضا . فاحترقا ! ووجد فاوست بعد ذلك في قرية من قري دوشي ميتا بجانب فراشه وقد التوي وجهه إلى الخلف . ويقال إنه حدث في الليلة السابقة زلزال
ويروي ناظر مدرسة في جوسلار : انه أخذ عن فاوست طريقة إدخال إبليس في قمقم . وعندما قام بمحاولته ظهر له
شيطان قبيح المنظر بعينين يخرج منهما لهبا ، وبأنف ملتو كقرن البقرة ، وبنابين طويلين كنابي الخنزير ، وبفكين كفكي القط . . وبالجملة ذو منظر مرعب كريه . فغشى على الناظر لساعات طويلة . وعندما أفاق وعادت إليه بعض حواسه كان أصفر اللون مبلبل الفكر . وكان يهذو ويتمتم بأصوات مخيفه كما لو كان مختل العقل وعاد إليه نطقه في نهاية العام ، وأقسم ألا يعود إلى مثل هذا العمل مرة أخري قط .
وفي مخطوطة ترجع إلي عام ١٥٨٠ ، كتب زخارباس هوجل عن الفترة حوالي عام ١٥٥٠ بخصوص الساحر الشهير دكتور فاوست قائلا : إنه بالرغم من أنه كان يقيم في وتنبرج ، فقد كان بروحه القلقة يحب الطواف والتجوال . وقد قدم فاوست نفسه ذات مرة إلى جامعة أورفرت . وسمح له بمحاضرة الطلبة في الشاعر الإغريقي هوميروس . وهكذا أتيحت له فرصة ذكر برييام ، ملك طروادة ، وهكتور ، أعظم محاربها ، وأجاكس ويوليسيوس وأجاممنون وآخرين . وكان يلح عليه في استحضار أرواح هؤلاء الخالدين ليطبق وصفه لهم على الواقع . وما عتم أن استحضر الواحد في إثر الآخر لعرضه على الطلبة الذين ما لبثوا أن استغرقوا في هذا الجو الإغريقي الصرف ؛ ولم يفيقوا في النهاية إلى أنفسهم إلا بعد جهد جهيد ؛ ثم أتي أخيرا بالعملاق يوليفيمس الذي كانت له عين واحدة مخيفة مستقرة في منتصف جهته ، ولحية طويلة حمراء كالنار ؛ وكان يبتلع شخصا تدلت أمعاؤه من فمه ؛ فكان منظره مخيفا مرعبا ، بحيث قفت لمراء شعور الطلبة والحضور ؛ وعندما أومأ إليه دكتور فارت بالذهاب ، تجاهله العملاق وضرب الأرض بسيفه الحديدي الهائل ، فارتجت الكلية أي ارتجاج . . حينئذ رحل العملاق ؛
ومال الحديث في مناسبة أخرى مع جماعة من اللاهوتيين والمستشارين إلى الشاعرين القديمين باوتس ) ١ ( وتيرنس ) ٢ (
فقال أحدهم : إنه لمن المحزن حقا ان كثيرا من أعمال هذين الكاتبين قد فقد ، وكان دكتور فاوست ينصت إلي أحاديثهم ، فبدأ الكلام عن كلا الشاعرين ، وتلا خطبا مختلفة أكد أنها كانت توجد ضمن كوميدياتهم الضائعة . وعرض عليهم إعادة جميع هذه الكوميديات المفقودة إلي العالم ووضعها أمامهم لبعض الوقت حتى يتسنى لهم نسخها إن أرادوا بعثها حية ، ولكن شبح الشيطان كان يهدم أفكار مستمعية فلم يعضد اقتراحه أحد .
ويحكي أحد اللاهوتيين " لير شبمر" في مؤلف له ظهر عام ١٥٨٦ : أن فاوست كان جالسا بحانة بنتلجن يشرب مع جماعة مين أصدقائه ، وبدرت من صبي المضيف فعلة لم ترضه فهدده بالتهامه إذا كررها ! ولكن الخادم سخر منه : أتاكلني ، حقا ؟ حينئذ فتح فاوست فكيه والتهم الصبي عندئذ احتج المضيف قائلا إنه يريد استرجاع خادمة وإلا أراه شأنه ! فطمأنه فاوست ، ونظر خلف المدفأة وهناك كان يرقد الغلام !
وأخيرا . . يروي لير شيمر نهاية الساحر الكريهة : " وصل فاوست إلي قرية وتنبرج ذات مساء عليلا مهموما ، إذ أن ساعته التي حددها له الشيطان حسب عقدهم قد دنت . ووجد في الحانة جمعا من الفلاحين يقصفون ويصخبون . فسأل صاحب النزل أن يهيئ له غرفة منفصلة . . ولكن دون جدوى ؟ فكلما ازداد مكث الفلاحين ضاعت قصفهم وصخبهم . وكلما رجاهم ان يقلوا من ضجيجهم وان يحترموا مرضه قليلا ، تمادوا فيما هم فيه . ومن ثم سلط عليهم فاوست فنه وسحره . ففغر أفواههم وعقد السنتهم وافقدهم النطق وطفق الفلاحون يلمحون ويشيرون إلى حجرة فاوست أن يتوسل المضيف إليه أن يعيد إلى السنتهم الكلام ! وعندما أطلق فاوست ألسنة الفلاحين من عقالها ، غادروا المكان . وفي منتصف هذه الليلة سمع صاحب النزل ضوضاء وجلبة في حجرة فاوست . وفي الصباح وجد فاوست ملتوي الرقبة ، مدلي الرأس من حافة فراشه .
ينتهي بنا كتاب لير شيمر إلي عام ١٥٨٦ . وهناك مراجع كثيرة سبقته ، غير ما أوردنا ، ولكنها عديمة القيمه
إذ أنها تأخذ مما جئنا به . وهي جميعا توضح تزايد الاهتمام بشخصية الساحر ، والحالة التي بها قبلت تدريجيا إدعاءاته المسرفة ، واتفقت والشائعات المتداولة .
ويكاد يكون من الصعب غربلة الحقيقة من الخيال في التقارير التي وردت عن فاوست . ومع ذلك فهذه الروايات المعاصرة أو القريبة من المعاصرة لا تترك مجالا للشك في أن مثل هذا الرجل كان موجودا ، تمكننا على الأقل من تكوين بعض الفكر : عن أي نوع من الرجال كان هذا الرجل .
كان فاوست ، كما يلوح ، رجلا موهوبا ذا ثقافة عالية ؛ وقد نجح في اجتذاب أنظار رجال العلم . ومع ذلك فالراجح أنه تعلم السحر جديا وأصاب فيه شهرة عريضة . ويمكن
القول أن نظره كان ثاقبا فما يختص باسرار الطبيعة غير المعروفة في أيامه ، وأن أعماله كانت مجرد شعوذة متقنة . وقد تضفي عليه قصص محاضرته عن هوميروس ووعد ببعث أعمال بلونس وتبرنس صفة الإنسانية ، ككونه مهتما ومعنيا بإحياء الآداب القديمة في ألمانيا . أما استحضار أرواح أبطال هوميروس ، إن كان يقوم على أساس من الصحة ، فقد يكون قناعا مدبرا بمهارة ، مع - أو بدون - قصد الخداع
ومن الواضح أنه كان جوالا كبيرا رغم أنه لم يكن يستقبل بترحاب أينما حل .
أما موته فكان عنيفا . ويظن أنه قتل من جراء تجربة كيمائية غير ناجحة .
