يبشّر بالعام الجديد محرّمُ ... وينعته كلٌّ بما هو يزعم
فيوليه من إطرائه مُتفئّلٌ ... ويكثر من ذٍمّ له متشئمِّ
ولا يعلم الإنسان ماذا به له ... ومَنْ فيه قد يشقى ومن فيه ينعم
ومن ذا الذي فيه المنايا تغوله ... ومن ذا الذي منهن ينجو ويسلم
جديدٌ، أجل، عام جديدٌ تجّد في ... لياليه أحداثٌ بها لست أعلم
فيفرح قلبٌ بالكآبة مثقلٌ ... ويحزن قلب بالمسرَّة مفعم
وربّ سعيدٍ بالشقاء مهدّدٌ ... وربّ شقيٍ بالسعادة يحلم
ونفرح بالأعوام إمَّا تصرَّمت ... على أنَّها من عمرنا تتصرَّم
وددت لو أن العام قال منبّثاً ... وماذا يقول العام والعام أبكم؟
وللغرب أعوامٌ وللشرق مثلها ... ولكنهما الأعوام في الشرق تُسئم
وفي الغرب أفراحٌ وفي الشرق غمّةٌ ... وما الأرض إلاّ جَنّة وجَهنم
شقيقان هذا ليل أبنائه بهم ... مضيءٌ وهذا يوم أهليه مظلم
وتختلف الأخلاق إلاّ أقلّها ... ويختلف التفكير والعرق والدّم
بلى اختلفا فالغرب منصرف القُوَى ... إلى فعله والشرق بالقول مغرم
ونحن تثبّطنا، وهم قد تعجّلوا ... ونحن تأخّرنا، وهم قد تقدموا
وما كان مجدٌ كان يبنيه أهله ... كمجدٍ بأيدي أهله يتهدّم
ومن لي بعام لا يشابه غيره ... أرى فيه أظفار البغاة تقلّم
وأبخل أرضٍ بالرجولة بقعةٌ ... يضام الفتى فيها ولا يتبرّم
إذا أنت لم تألم من الضغط غاضباً ... فمن أي شيء في حياتك تألم؟
أدير عيوني في الوجوه فلا أرى ... سوى الذل مقروءًا ولا أتوسم
ليحزنني أن العنادل آثرت ... صموتاً وأن الزهر لا يتبسّم
لقد صوّح الزهر الذي كان باسما ... ولم يبق للصيداح ذاك الترنم
يريدون ألا يشكو الحزن ثاكل ... وألا يئن المثخن المتألم
من الناس آلافٌ يعضّهم الطوى ... وفي كل ألفٍ واحدٌ يتنعّم
إذا عجز المكروب عن شرح ما به ... فعلّ دموع العين عنه تترجم
أمن قام يشكو بثّه فعو مزعجٌ ... ومّن قال يبغي حقه فهو مجرم!
وإني لا أدري وإن كنت دارياً ... أقومي تعاموا أم عن الحق قد عموا
بني وطني لا تسكتوا عن حقوقكم ... أليس لكم منكم فمٌ يتكلم
لكم ثروة في الأرض أتعابها لكم ... وأرباحها للغرب نهبٌ مقسّم
ولا خير في بدء الفتى بجليلةٍ ... إذا كان عن عجز له لا يتمّم
ولا فخر إلا للذي هو ماجدٌ ... ولا مجد إلا للذي يتقحّم
وما الحرّ إلا من إذا ضِيم لم يَلن ... وإن قال حقاً فهو لا يتلعثم
ويا رُبّ فرٍد قد أتى في جهاده ... بما لم يكن يأتي الخميس العرمرم
وما بال أبناء العروبة أصبحت ... على الذل أشتاتاً تشبّ وتهرم
وما بال أبناء العروبة سلمت ... وقد كان عهدي أنها لا تسلّم
لآلام قومي الصَّيد نفسي تألمت ... لكِ الويل يا نفسي التي تتألم
وما خفقان القلب ما أنت سامعٌ ... ولكنه آمال قومٍ تَحَطّم
(بغداد)

