خلال الأدوار الأولى لتاريخ الأرض لم يكن فى مقدور أي مخلوق حي نتصوره أن يعيش وسط تلك الظروف، فقد كانت الحرارة مرتفعة جدا، وكان الهواء والماء معدومين فى وجه البسيطة، إذن فلابد من ظهور المخلوقات الحية منذ عصور سحيقة فى القدم لا نستطيع معرفة تاريخها؛ أما كيفية ظهور الحياة للمرة الأولى فلا يعلم أحد ذلك بالضبط، وكل ما هنالك احتمالات متباينة نأتى على ذكر أهمها:
منذ القديم كان الاعتقاد السائد ان الحياة نشأت من طينة الأرض بطريقة خارجة من نطاق البحث العلمي، على أن هذا الرأي يفسد علينا فهم المسألة لتسرعه فى الحكم عن نشوء الحياة بهذا الشكل، فإذا كنا لا نعتبر هذا الرأي علميا فذلك لأن العلم لا يعطي قرارا جازما ولا يبت فى أمور لها من الشك نصيب كبير.
وذهب فريق من العلماء وعلى رأسهم الأستاذان (هلمهلتز Helmohtz ( و (اللورد كلفن Lord Kalvin ) الى ان المخلوقات الحية البسيطة لم تنشأ من صميم الأرض بل جاءت إليها من الخارج محمولة بقطع الشهب المتساقطة أو بواسطة الغبار الكوني، على أن تلك الكائنات ظلت فى حالة السبات لعدم ملاءمة الظروف لها حينذاك، وبهذه المناسبة يجب أن نتذكر ان بذور النباتات تستطيع أن تقاوم البرودة والجفاف زمنا طويلا، كما أن (البكتريا) تستطيع احتمال درجات مرتفعة من الحرارة دون أن تفقد حيويتها. وكما يرى الأستاذ "برثلو Berthelot " انه طالما لا يحدث انحلال جزيئى ففى إمكان الأفعال الحيوية ان تتوقف عن العمل مؤقتا ريثما تعود الظروف الملائمة. اذن فنظرية اللورد كلفن تنسب أصل الكائنات الحية إلى غير الأرض.
وذهبت فئة أخرى من العلماء تقول بان المخلوقات الحية البسيطة نشأت على سطح الأرض من مواد غير حية أى من مركبات كربونية نصف سائلة بتأثير بعض الخمائر. وتعزز هذه النظرية بما وصلت
اليه أبحاث علماء الكيمياء التركيبية الذين نجحوا فى تركيب بعض المواد العضوية كحامض الاوكساليك والنيل , وحامض الساليسليك والكافئين , سكر القصب بطرق صناعية بحتة . على اننا لا نعلم بالضبط من يقوم مقام العالم الكيميائى فى مختبر الطبيعة ! ومهما كان الامر فى المسألة غموض وتعقيد كبيران لا نتخلص منهما الا بنتيجة واحدة وهى ان العلم لايستطيع الى الوقت الحاضران يقول كلمته فيها .
أول جسم عضوى على الارض
إن أول ما يتبادر إلى ذهننا التساؤل عنه هو كيفية نشوء المخلوقات الحية الأولى على الأرض أو بالأحرى عن الحياة التى كانت تغطي وجه البسيطة فى ابتداء طور تكونها. ولأدراك ذلك علينا أن نستعين بابسط المخلوقات الحية فى الوقت الحاضر كبعض أنواع البكتريا أو العضويات الأحادية الخلية وخاصة المسماة منها بالأحياء الأولى (protists) التى لا يمكن تعيين انتسابها إلى المملكة الحيوانية أو النباتية. لاشك أن الجزم فى مثل هذه الأمور يعد تطرفا لا يجيزه العلم: إنما يميل العلماء إلى التسليم بالنظرية القائلة، أن المخلوقات الاولى كانت كريات مجهرية من مادة البروتوبلازم الحية، لا تختلف عن أبسط أنواع البكتريا فى الوقت الحاضر الا بكونها تستطيع المعيشة فى الهواء والماء والأملاح الذائبة على السواء. ويظن أن العضويات البحرية الأحادية الخلية نشأت من هذا الأصل وكانت قادرة على صنع الكلوروفيل أو ما يشابهه وربما كانت هذه الوحدات الصغيرة الحية محاطة بغلاف سيليولوزي. غير أن طاقتها الكامنة عظمت فتمخضت عن ذينبات أو شعيرات (flagella)صغيرة مكنتها من تسيير نفسها فى الماء للتفتيش عن الغذاء. ولا يزال من أمثال هذه العضويات كثير فى الوقت الحاضر أغلبها يعيش فى الماء والبعض منها (وهي نباتات بسيطة أحادية الخلية) تصبغ سوق الأشجار وحتى الصخور الرطبة باللون الأخضر وتدعى الخزيات (algae)ويرى الأستاذ (شورش) a.h ahurch ان البحار التى كانت تغطي وجه البسيطة فى مستهل تاريخها كانت مأهولة بهذه المخلوقات المذنبة الخضراء التى وضعت الحجر الأساسي لعالم النبات.
ويظن ان الاحياء الاولى ولدت سلسلة أخرى من المخلوقات
المفترسة البسيطة لم يكن فى وسعها أن تكوّن المادة العضوية (الغذاء) من الهواء والماء والأملاح فكانت تعيش على افتراس ما يجاورها من العضويات. إن هذه الوحدات كانت عديمة الغلاف السيليلوزي بحيث يسهل للمادة الحية أو البروتوبلاسم القيام بالعمليات الحيوية المتنوعة على نحو ما نراه الآن فى الأميبا أو فى كريات الدم البيضاء وغيرها. من هذه العضويات المفترسة نشأت المملكة الحيوانية بأسرها.
نستنتج مما سبق أن الحيوانات الاولى والنباتات الاولى نشأت من الأحياء الابتدائية البسيطة ثم أخذ كل منها يسير فى اتجاه خاص.
بداية نشوء النباتات البرية :
من المحتمل جداً أن المياه كانت تغطي وجه الأرض فى أدوارها الأولى، وأن ذلك البحر المترامي الأطراف كان مأهولا بالنباتات الابتدائية من ذوات الشعيرات (flagekkates) على أن انكماش القشرة الأرضية أحدث مرتفعات ومنخفضات فى قاع البحار، واقتربت على أثر ذلك الطبقات الصلبة فى بعض الأماكن نحو سطح الماء، فسمحت للنباتات العائمة أن تستقر هناك على مقربة من النور. هذا ما يصوره لنا الأستاذ (شرش) عن مبدأ النباتات وهي خطوة ذات شأن عظيم فى سير التطور. ويظن أن أول نجاح صادفته الحيوانات كان بين هذه النباتات القديمة. وقد أخذت اليابسة بالظهور عندما ارتفع قاع البحر فى الأماكن الضحلة تدريجيا. إن تلك النباتات الثابتة كانت أسلاف حشائش البحر التى تعيش على الشواطئ البحرية الآن.
الحيوانات الأولى
ان الحيوانات التى هى تحت مستوى (الحيوانات النباتية zoophytesوالاسفنجيات تدعى بالحيوانات الابتدائية أو البروتوزوا ومعنى هذه الكلمة الحرفي (الحيوان الأول) وكل ما نستطيع أن نقوله عن هذه الحيوانات أن أبسطها قد ينيرنا عن بساطة تركيب الحيوانات الأصلية الاولى. والواقع أن أغلب الحيوانات الابتدائية المعروفة فى الوقت الحاضر هى على درجة من التعقيد لا نستطيع معه أن ندعوها (أولية) بالمعنى الصحيح، ومع أن أغلبها مجهرية الا أن كلا منها حيوان تام قائم بذاته يقوم بنفس العمليات الحيوية التى نقوم بها نحن، وتختلف عن الحيوانات العليا فى عدم تكونها من الوحدات التى نسميها (خلايا) فهي إذن خلية واحدة مستقلة عديمة الأنسجة وعديمة الأعضاء
- بحسب المفهوم العلمى لهذين الاصطلاحين - على اننا فى كثير منها نعثر على تعقيد كبير فى البنية الداخلية أكثر مما نقع عليه فى الخلايا الاعتيادية التى تبنى منها أنسجة جميع الحيوانات الراقية , وبهذا الاعتبار نستطيع أن نقول ان المخلوقات الابتدائية هى مخلوقات حية تامة لم تكتسب التكوين الجسدى بعد
بدء تكون الجسم
قال العالم الطبيعى لويس اكاسيز "( Louis Agasssiz ) ان أكبر فراغ وجد فى العالم العضوي كان ما بين الحيوانات الاحادية الخلية والمتعددة الخلايا وبعبارة أخرى ما بين الحيوانات الابتدائية ( protozoa ) وما وراء الابتدائية ( Metazoa) ). ولكن لم يبق ثمة فراغ بين الفرعين بتطور الاسفنجيات وامعائية الجوف والديدان البسيطة وظهورها باجسام المرة الاولى . فكيف نعلل تكون الجسم وهو فى خطوات التطور الكبرى .؟ ليس فى استطاعتنا ان نعلم كيف حدث ذلك على وجه القين انما يمكننا ان نبسط هذا الرأى المستمد من دراسة عميقة وبحث دقيق :
عندما ينقسم الحيوان الابتدائى ( (protozoon) الى شطرين او اكثر - وهي طريقة التكاثر التى يتبعها - تنتشر الانسال وتعيش مستقلة بعضها عن بعض ؛ ولكن بعض الابتدائيات لا تنفصل أنسالها بل تبقى مرتبطة مع بعضها فالفولفوكس ( Volvox )- و هو حيوان كروى اخضر اللون جميل يوجد فى بعض الاقنية , ماهو الا مستعمرة لألف أو عشرة آلاف خلية و من مجموع هذه الخلايا نبدأ بتمييز الجسم . على ان خلايا الفولفوكس هى من نوع واحد بينما نجد فى خلايا الحيوانات التى تلى الابتدائية تخصص فى العمل مما يدل على رقيها فى توزيع الأعمال . فالجسم يبدأ بالتكون من تجمع قسم من المادة الحية حول كل نواة ، ويرتقى تكوينه كلما حصل توزيع فى العمل وتميزت الخلايا الجرثومية ( أو التناسلية )فيه عن الخلايا الجسدية .
اكتسابات عظيمة
ان تناظر الجسم العام فى حيوانات كشقائق البحر وقنديل البحر يكون شعاعيا اي لا يوجد له جهة يمنى أو يسرى ويمكن تنصيف الجسم بأكثر من سطح واحد. وهذا النوع من التناظر ملائم جدا لحياة الارتكاز أو الانحراف مع التيار. على أن حياة الديدان كانت تتطلب الحركة فاستدق طرفاها وصار لها جهة أمامية وجهة خلفية وأصبحت أغلب الحيوانات من الديدان إلى الإنسان ذات تناظر جانبي تتميز فى جسمها جهات أربع ولا يمكن تنصيفها الا بسطح واحد.
لاشك إن هذا النوع الآخر من التناظر يلائم حياة أكثر نشاطا من الحياة التى تستلزم التناظر الشعاعي، لذلك كان فى وسع هذه الحيوانات الجانبية التناظر أن تفتش عن طعامها وتتجنب الأعداء وتتربص لاقتناص الزوج أو الزوجة. وقد رافق هذا التناظر تخصص القسم الأمامي من الحيوان للتحسس بالمؤثرات الخارجية، وهكذا تميز الرأس عن الجسم وكانت تلك خطوة أولى فى تكوين الدماغ.
ثم ارتقى الحيوان فى مدارج التطور خطوات واسعة فكان له رأس نام فيه أعضاء للحس وتكون فى جوفه سطوح داخلية واسعة كالجدار الهضمي ومناطق الامتصاص فى قناة الطعام، ثم نمت فيه عضلات تتقلص وتنبسط فيه بسهولة، وأخيرا تأسس فيه نظام الدوران الذى جعل الدم وسيطا لنقل الأوكسجين والمواد الغذائية إلى كافة أنحاء البدن وحمل الإفرازات الضارة بالجسم لتفرز خارجا.
الهورمونات Hormones
وارتقت الحيوانات العظمية درجة أخرى بتكون غدد الإفراز الداخلي كالغدة الدرقية، والغدة الأدرينالية وغيرهما، وفائدة هذه الغدد تحضير مواد كيمياوية يوزعها الدم على جميع أقسام البدن، ولها أثر كبير فى تنظيم العمليات الحيوية. وتعرف المواد الكيماوية التى تفرزها هذه الغدد باسم (هرمونات) التى تزيد فى فعالية الأعضاء والأنسجة. إن بعض هذه الهرمونات تنظم النمو وتغير ضغط الدم وتركيبه بسرعة، والبعض الآخر يستدعي بعض أقسام البدن إلى النمو الفعال كغدد الحليب فى الأم التى تتنبه بفعل بعض الهرمونات.
( الموصل )

