الناشر : مكتبة النهضة المصرية - القاهرة ١٩٥٠
ما رأى سادتى القراء فى من يتناول كتابا إنجليزيا ذائعا فى الناس ، كتبه مؤلفه عن " قصة القاهرة " منذ خمسين سنة ، وترد فى ترجمته عبارات مثل : - " وكان للخلية أمير من الرهبان بمثابة ساعده الأيمن " . - " وبنى مدرسة أخرى للشافعيين وخامسة للملكانيين " - " وهو عربى من أسكالون " . - " وبذلك أحرز السلطان نصرا مبينا فى إمييسا " . - " كذلك استولى على مينائى سواكن وإيدهاب " . - " ومنذ أن فتحها سليم الغورى " . - " موقعة مرج دابق بالقرب من ألبو " . - " قوات ال Jannizsries " . - " وانتصر عليه أب الدهدهاب " . " ونساؤها حواريى الجنة " . - " تعطر الندا " . - " فإنه ليعدم أن يدعك تذهب بعد أن يكون قد قدم إليك إبريقا من الشاى العجمى " . - " السلطان العادل حفيد الصالح " . " إسحق الدين شجرة الدر " ( يزيد عصمة الدين ) : إلى آخره . . . آخره .
لا تظن ياسيدى أن المترجم طالب فى المدرسة الابتدائية ، ولا تدهش إذا علمت أن الذى قام بالترجمة ليس واحدا بل ثلاثة ، أولهم كان أستاذا للتاريخ الإسلامى فى أعظم جامعات
مصر ، وهى جامعة فؤاد . . وظل أستاذا أكثر من عشرين سنة يفيض على الطلبة من علمه الغزير . .
والثانى يمثل كرسى التاريخ الإسلامى فى نفس الكلية الآن وسيصبح بعد قليل أستاذا فخما ضخما . .
والثالث تلميذ هذين وحاصل على إجازة فى التاريخ ، ولا لوم عليه ، ومن شابه أستاذيه فما ظلم ، ونحن إذ نطالبه بالفهم وجودة الترجمة ، " كمتطلب فى الماء جذوة نار " كما يقول المعرى . .
أجل والله . . عكف الثلاثة على ترجمة هكذا الكتاب البسيط السهل وأهدوه لقراء العربية نورا مبينا . .
إننى أتحدى أن تكون فى هذا الكتاب ورقة واحدة تخلو من الأخطاء ، من العنوان نفسه حتى الصفحة الأخيرة !
وأستطيع أن أقسم ملاحظاتى على هذا الكتاب إلى الأقسام الآتية :
أولا : الجهل الفاضح بأبسط المعلومات التاريخية التى لا بد من توافرها لمن يتصدى لأصغر عمل تاريخى .
ثانيا : سوء الترجمة بل قبحها الذى يتراوح بين عدم الدقة والركاكة وبين ضعف مستوى المترجم فى الإنجليزية والعربية على السواء ، مما أدى فى كثير من المواضع إلى عدم فهم المترجم لما يراد من النص الإنجليزى ، وبالتالى ترجمته ترجمة خاطئة بل وأحيانا ترجمة معكوسة ، كما سيظهر فيما بعد .
ثالثا : عدم التعليق فى المواضع التى يعتبر التعليق فيها واجبا بل فرضا علميا .
رابعا : الأخطاء اللغوية الفاحشة . خامسا : عدم مراعاة الأمانة العلمية الواجبة فى الترجمة . هذا وقد اعتمدت فى تحقيق ملاحظاتى على الطبعة الأولى من الأصل الإنجليزي ( سنة ١٩٠٢ ) ، وسأكتفى بالإشارة إلى مواضع النصوص من هذه الطبعة دون إيرادها . اللهم إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك .
أولا - الجهل التاريخى :
إننى فى الحقيقة مذهول بل غير مصدق أن يقع المترجمون - وهم من ذكرت - فى هذه الأخطاء التى يعتبر وصفها بالجهل وصفا غير دقيق بل غير كاف . وإذا لم يصدقنى القارئ فليطلع على هذه القائمة العجيبة :
ص ١٢٠ س ١١ : " وكان للخليفة ( أمير ) من الرهبان بمثابة ساعده الأيمن " . وبصرف النظر عن خطأ الترجمة الذى سأعرض له فى حينه ، فإن المراد هو الخليفة ( الآمر ) ص ١٤٥ س ٥ " حينما أمر الخليفة الأمير " والخليفة هو الآمر لا الأمير . والعجيب أن الكلمة الإنجليزية مكتوبة بطريقة تسمح بقراءتها قراءة صحيحة ، وهى الطريقة التى شرحها المؤلف فى مقدمة كتابه ، والتى تعتمد على وضع اشارة ( Accent ) فوق الحروف الممدودة . ولكن يظهر أن عدم فهم المترجم لهذا الشرح قد أدى إلى عدم قراءته لأسماء الأعلام قراءة صحيحة ، وبالتالى إلى انكشاف جهله التاريخى واضحا جليا ، والأمثلة التالية تؤيد ما أقول .
ص ١٦٠ س ١٣ : " كانت هناك مخاوف من هجوم Almohades " أى والله تركها حضرة المترجم الفاضل هكذا دون أن يترجمها إلى معناها العربى " الموحدين " . ص ١٦٤ س ٣ : " وبنى مدرسة أخرى للشافعيين وخامسة للملكانيين " ، هكذا قالها المترجم الفاضل لا فض فوه ، لأن معلوماته عن الإسلام ومذاهبه غير كافية ليعلم أن هناك مذهبا اسمه المذهب المالكى نسبة إلى الإمام مالك ، وأن أتباعه يسمون بالمالكية ، هذا فضلا عن أنه لم يستطع أن يقرأ أو بالأحرى ( يتهجى ) الكلمة الإنجليزية " Malikis " وواضح بعد ما قاله المؤلف فى مقدمته أن الحرف الثانى بما عليه من حركة يقابل الألف فى " مالك " . وقد تكرر هذا ، فى ص ١٦٧ س ١١ " والمذهب الملكانى " مع أنها فى الأصل الإنجليزى
" Maliky " هذا إذا تركنا جانبا الاعتبار الخاص بمعلومات المترجم التاريخية ، وكذلك نجد فى ص ٢٣٩ س ٢٠ : " وكانوا يراعون فى دقة وصرامة حكم الملكانيين " .
ص ١٥١ س ٦ : " وبعد فترة طويلة سلمت "Ascalon " . وص ١٦٨ س ١ : " وهو عربى من أسكالون " ، وهكذا دون أن يدرى المترجم المحترم أن " أسكالون " هى " عسقلان " .
ص ١٧٧ س ٥ : " وذلك فى Caesarea of Cappadocia " ولعل المترجم خشى إذا هو عربها أن يقع فى خطأ ما فتركها هكذا دون أن يكتب اسم المدينة بالعربية ( قيصرية ) .
ص ١٧٧ س ١٠ : " وبذلك أحرز السلطان نصرا مبينا فى إمسا " . وفى نفس الصفحة س ١٢ : " انخذل هذه المرة فى معركة . . . بالقرب من Emesa " ، ومعلومات المترجم لا تسمح له بمعرفة أن إمسا هى حمص ! .
ص ١٧٩ س ٢ : " كذلك استولى على مينائى ( سواكن ) و ( ايدهاب ) Aydhab على البحر الأحمر " . وايدهاب هى " عيذاب " . وإذا كانت معلومات المترجم لم تسعفه . فلماذا لم يقرأ الكلمة الإنجليزية قراءة صحيحة ؟ إن اقتران الحرفين d و h فى الإنجليزية يعطينا الحرف العربى " ذ " ، وقد تكرر هذا أيضا فى ص ٢١٦ س ٢٦ " القصير وعيد هاب " .
ص ٢٠٩ س ٢٥ : " فى موقعة مرج دابق المشئومة بالقرب من ألبو Aleppo " ، وتلاميذ المدارس الابتدائية يستطيعون أن يقولوا : إن لم يكن من معلوماتهم ، فمن سياق الكلام ، أن " ألبو " هى " حلب " ! .
ص ٢٣٥ س ١٠ : " منذ أن فتحها سليم الغورى " ترجمة ل " S. the Grim " ، وهكذا أضاف المترجم إلى معلوماتنا التاريخية شيئا جديدا ، إذ أثبت وجود قرابة بين السلطان سليم والسلطان الغورى ! .
ص ٢٣٦ س ١٣ : " قوات Azabs and Janizaries التركية " . هكذا دون تعريب ، لأن المترجم لا يعلم أنهما تعنيان " الانكشارية والعزب " ، وكذلك فعل فى س ٢٣ من نفس الصفحة " مثل Kasimis و Fikaria " . ولو أتعب المترجم نفسه قليلا لعرف أنهما تعنيان " القاسمية والفقارية " . ( البقية على صفحة ٢٠ )
( بقية المنشور على صفحة ٢٥ )
وهما -كالعزب - من الفرق المملوكية المعروفة .
وقد تكرر هذا فى ص ٢٣٧ س ٢١ " قوات الـ Azab " .
وكذلك فى ص ٢٣٩ س ٧ : " قواد الـ Azab " . ص ٢٤٣ س ١١ : " أبو الدهدهاب " ، وليحاول القارئ ما شاء أن ينطق هذه الكلمة أو يفهم مدلولها ، وعندما يعجز - وسوف يعجز - فليقرا أصلها الإنجليزى ، وهو " Abu-dh-Dhahb " ، وعندها سوف يعلم بسهولة أن صحة الكلمة " أبوالذهب " ، لأن اقتران الحرفين d و h كما قلت يعطينا ذالا عربية سليمة ، ولكن ماذا أقول ؟ . ص ٢٤٦ س ٨ : " يتقاضون مرتبات قد تصل فى بعض الأحيان إلى مائة وخمسين Paras " ، هكذا دون أن يكلف المترجم نفسه عناء ذكر الكلمة المعربة ( بارة ) للدلالة على تلك العملة التركية القديمة . وكذلك فى س ٩ من نفس الصفحة " عشرة Paras فى اليوم " ، بل قال حضرة المترجم العالم فى ذيل الصفحة ذاتها : " كان ثمن رطل اللحم في ذلك الوقت two paras " ! وفى السطر الثانى عشر من نفس الصفحة من الفراء الأبيض أو السمورى " ، والقفاطين لا تصنع من الفراء أو السمورى ، هذا فضلا عن أن الكلمة ترجمة لـ (cloaks) . والصواب أن يقال : أقبية ( جمع قباء ) ، أو جبب ( جمع جبة ) ، أو طيالس ( جمع طيلسان ) .
( له بقية )
