ظلت ألحان الموسيقى القديمة مستوى الأجيال السابقة منذ عهد بعيد , ومن واجب الفرد الذى يريد التوفر على دراسة هذه الموسيقىأن يرجع الى العهد الذي ظهرت فيه فيدرسه دراسةعميقة , كما أن تلك الدراسة لاتنهض وحدها بعازف قدر على توقيع نغماتها على أحسن وجه , إذ يلزمه الى جانب ذلك أن يحيط باصطلاحات قلك الموسيقى ومظاهر ها واسرارها فىإبان ظهورها , فان للزمن أكبر الأثر فى تطور الموسيقى بقدر ماله من أثر فى تغيير التقاليد والعادات
ولقد كان هندمث Hindmith اول من وفق الى ترديد الملاحم الألمانية القديمة التى سبقت ظهور الموسيقى باخ Bach ترديدا يلة من الدقة والأتقان حدا كبيرا
إن الموسيقى مرآة العصر . فاذا كانت الموسيقى القديمة مرآة للعصورالتي تمثلهافىتصورها للحياة و جمالها , وكان ذلك مما يجب دراسته لكمال ثقافة الموسيقى الفنية , فهو وحدة لا يكفى , بل
يجب لهذا الكمال التوفر عمل دراسة المؤلف وكثرة المشاهدة والاطلاع حتى يستخلص ما فى حياتها من رحيق ثم يعيدها فى نفمة صادقة تمثل عصره
والموسيق البارع هو الذى يتلق أحاسيسه عن عالم بعيد يصل بعد غيره إليه , وأكبر الأمثلة على ذلك " بيير , Biber " موسيقي قصراسقف سالزيرج , فقدعاش ذلكالموسيقى الفذ فى عصر كانت الموسيقى الايطالية المنارة التى بهتدى بها كل موسيقى فى العالم . اما " بيير " فأبى إلا ان يكون فريدا فىاحساسه , غريبا فى مشاهدانه , شاذا فى تصوراته , اهتدى بنور وحيه ولم يستاهم إلا نفسه , فطبع اسمه عصرا فى تاريخ الموسيقى وبقي قطعة خالدة , وظلت موسيقى بيير وردا لمن جاء بعده من الموسيقيين أمثال موتسار ، mozar e ثم أسفر القرن الجديد عن بتهوفن الذى يعتبر وحده عصرا من العصور الموسيقية
ومما يمتز موسيقى العصر الذي جاء قبل باخ عدم توافق نغمات المقطوعات واحتياج كل مقطوعة إلى الة خاصة تعزف عليها ولو تقاربت اصطلاحاتها , ولم تتفق تلك النغمات إلا بعد مصر باخ بمدة طويلة
وليس جمال الموسيقى القديمة هو المقصود وحده ، وإنما يقصد دراستها إلى دقة إدراك نغماتها القديمة التى تعبر عن شعور كان له فى يوم من الأيام رنين تستعذبه النفس ويستسينه الوجدان , وهو بعد مهبط الوحي للأجيال التي جاءت من بعده . وكثير من الألحان القديمة التي قدر لها البعث من جديد فى القرن الماضى قد فقدت عذوبتها وسحرها القديم وتلاشت كل معانيها , فليس من الإذا ألا يجد لها السامع تأثيرا فى نفسه - اما فى عصرنا هذا فقد صح كثير من أخطاء القرن الماضى ودنا الموسيقيون من الكمال ، كما أنهم لا يعانون كثيرا فى معالجة الموضوعات الموسيقية القديمة كما كان ذلك من قبل ويرجع الفضل فى ذلك إلى سهولة إدراك الطريقة التي تعالج بها تلك المقطوعات القديمة
ومما يدعو إلى السرور ان الجمهور قد اخذ يدرك ما للموسيقى القديمة من كمال , وما لها من قيمة , كما أن إحياءها كان إحياء جديرا بالاحترام والتقدير

