أظلاماً وأنت في عين شمس وعبوساً من بعد صفو وأنس؟
كيف أصبحتِ يا مثابة غاد؟ كيف أمسيتِ يا منارة ممسي؟
كنت والعهد منك غير بعيد بيت مَلك بغير تاج وكرسي
كنتِ للفضل والمكارم والنبـ ل جميعاً، للناس من كل جنس
كنت للعلم، والمعلم، والطا لب، مجلي نهي، ومعهد درس
عطلت هذه الدروس وكانت ملء أهل الزمان في كل حس
وانطوت ثم لا يزال صداها بين صدر يرن فيه وطرس
فانظر الدار وهي قفر خلاء بعد أهل، فهل ترى من محس؟
واسأل الرسم إن أصبت جواباً في كلام أو في إشارة خرس
هيه يا دار بعد أنس أجيبي كيف أوحشت بين يوم وأمس؟
لا تراكِ العيون من دمعها المسـ بل حزناً، إلا بنظرة خلس
نظرات تعيد ذكرى إمام كاد ينسى، وصنعه غير منسي
حسدت مجدك الليالي فمالت بعد لين عليك ميلة بأس
أقفرت هذه الربوع وأقوت واستحالت الى معالم درس
لا يكاد البناء يقوى على الأر ض ولا يثبت الجدار بلمس
ما بناك الذي بناك ليزهى بالذي شاد من قباب وأس
هو لو شاء شاد عرشاً وفرشاً من لجين ومن حرير الدمقس
إنما آثر التواضع حكماً للذي فيه من تواضع نفس
ليس يعني بزخرف العيش حُرٌّ قطع العيش بين نفي وحبس
فأقام البناء من لبنات خشنات أطرافها غير مُلس
لا يبالي وكل شيء سيبلى أن يطوف البلى عليه بطمس
أنكر النفس ثم باع هواها في سبيل الأوطان بيعة بخس
ومضى يحمل الكريهة فرداً مستهيناً بكل بأس وبؤس
مستعيناً بالله والحزم والعز م ووحي الحجى وتدبير رأس
نفس حر تجملت بخلال يتجافين عن صغار ورجس
خصه الله بالمواهب والرأ ي بعيد المرام صلب المجس
رجل كان حين يقطع أمرا يتقاضاه من مخالب يأس
ليس يثنيه عن أياديه قوم يصبغون الجميل صبغة ورس
فلقد عاش (عبده) في زمان جل من فيه أهل كيد ودسّ
حسدوا فيه نعمة الله فيهم ورموه بكل منكر حدس
فاذا مات أيقنوا أي ركن هدمته يد الضلال بفأس
قل لشعب حظ النوابغ منه حظ سقراط حين أودي بكأس
تقتلون النبوغ حياً وتمضو ن بُكيا عليه في بطن رمس
أيها الناس، ههنا قام بيت فوق آثار خفرع وكيوبس
لم يكن من صروح هامان فرعو ن ولا كان من حصون الفرس
فاذا ذل فالذي قد بناه ليس من طينة الذليل الأخس
آه لو كان شكسبير بناه أو بناه أخوه (هيجو) الفرنسي
لرأى الناس أي دار تجلت واستحالت الى حظيرة قدس
أثر النابغين في كل شعب هو ميراث كل جيل وحرس
أيها الناس ههنا سر مجد قبست منه نورها عين شمس
وهنا ههنا أشعة ذكرى تستضيء العقول منها بقبس
فأقيموا البناء من قبل أن يأ تي يوم يحول من للبس
واجمعوا فيه ما تشتت منه بيد الدهر من متاع ولبس
واجعلوه للعلم داراً وللد ين مناراً، أو مرجعاً للتأسي
ينبري للوفود منه خطيب صامت القول من بلاغة قُس
يوعظ العقل للحياة ويمضي يفتح العين من عماء ونعس
ذاك من جانب الوفاء الى الشعـ ب نداء لصاحب غير نكس
