الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 44الرجوع إلى "الرسالة"

ويسألونك عن الأهلة

Share

- ٣ -

سطح القمر

إذا اعتمدنا فى حكمنا على الأمم القديمة من مصرية وكلدانية وهندية وفارسية على المرقوم مما خلف التاريخ، واعتمدنا عليه  وحده، خرجنا على أن هؤلاء القدماء وفقوا إلى دراسة مدار القمر دراسة دقيقة كشفت عن أهم الصفات الخاصة بهذا  المدار، أما رأيهم فى القمر نفسه، ما جوهره وماذا عليه؟ فلم  يصلنا مما قد كانوا علموه من ذلك شىء

ومن أقدم ما نعرف فى هذا الصدد ما ارتآه العالم الاغريقي  طاليس Thales (٦٤٠ - ٥٥٠ ق م) فقد ارتأى ان القمر ان كان أكثره من الشمس، فان بعضه يخرج بالاشعاع من القمر نفسه. ودلل على ذلك بأن الأجزاء المعتمة من الأقمار الجديدة والأهلة لا تعتم كل الاعتام، بل يبقى فيها برغم  احتجابها عن الشمس بقية قليلة من ضياء تتبينها العين.

ومن القدماء الفلاسفة الفيثاغوريون علموا أن القمر كرة بلورية ملساء ينعكس منها الضياء كما ينعكس على المرايا، وتتراءى فيها صور الأشياء كما تتراءى فى المرايا، فالمناطق التى  تظهر على سطح القمر بيضاء ناصعة، أو سمراء داكنة،  ليست إلا صورة الكرة الارضية انعكست فيه ببحارها

وخلجانها، وجبالها ووديانها، وتابعهم فى ذلك أرسطو،  فأظهر جهلا كجهلهم تاما بأبسط قواعد الضوء وانعكاساته،  وبما لاشك كان معلوما فى هذا العصر من الحال التى عليها دار القمر. فهذه القواعد الضوئية والمعلوم من المدارات  القمرية لا يمكن أن يؤلف بينها العقل العادي - بله عقل أرسطو -  وبين أن القمر يرينا دائما وجها واحدا وصورة واحدة لا تتغير. فلو أنها كانت صورتنا تنعكس الينا لتغيرت حتما باختلاف أوضاعنا وأوضاعه

وسبق هذه الآراء وتخللها وتبعها آراء أخرى للأقدمين  كثيرة، كان من الطبيعي أن تحظى من الخيالى بحظ أكبر من الحقيقة لعجز العين الإنسانية عن استيضاح ما هنالك.

ثم جاء جاليليو، وفي مايو عام ١٦٠٦م وجه إلى القمر أول منظار صنعه، فعلم من تلك النظرات الأولى أن لا ملاسة فى  سطح القمر، وأنه سطح خشن فيه  خروج وفيه دخول، وفيه تكسر وفيه انحناء والتواء.

ثم تهيأ له منظار الأكبر فحرره إليه، فرأى لأول مرة جبال القمر تمتد فى سلاسل كسلاسل الأرض، تدور على  الأغلب فى حلق يضيق ويتسع. ورأى على حافة الأهلة  الداخلة نقطا لامعة فى بقع سوداء، عرف أنها قمم الجبال، نالتها وحدها الشمس فأضاءت، بينما الوديان المحدقة بها فى   ظلام بهيم، وتتبع ظلال تلك الجبال القمرية فوجدها تطول  وتقصر، كما تطول وتقصر الجبال الارضية بشروق الشمس عليها وغروبها عنها. إنما الذى حيره أن جبال القمر ووديانه كانت تنير بغتة، وتظلم بغتة، كانت تعرف البياض الخالص  والسواد الخالص، وتجهل ما بين هذين الطرفين من درجات،

بينما جبال الأرض لا تكاد تنالها الشمس حتى يصيب الوديان

من نورها نصيب ولو ضئيلا. حيرة إحتارها جاليليو من  تلك الحيرات الغوالي التى كثيرا ما تنكشف عن حقيقة  غالية، حيرة نعرف الآن انها كانت أول دليل على أن القمر لا جو له ولا هواء يلفه كهوائنا، فان هذا الجو الارضي،  وهواء دنيانا هذا الذى نعيش فيه، يكسر أشعة الشمس إذ تمر فيه فينشرها وينال بها فيما ينال مواقع تلك الظلال التى لولاه  لكانت سوداء كالليل، وظلماء كالظلال على القمر

واستخدم جاليليو أطوال تلك الظلال فى تقدير أطوال الجبال وخرج من ذلك على نتائج وارتأى أول من رأى  فوهات القمر، وهي جبال كالبراكين الأرضية تتقور قممها كالجفان، شبهها كما تراءت له بالعيون على ذيل الطاووس

ورسم جاليليو خريطة للقمر تحكم له بالحذق وتقضي له  بالمقدرة، إذا ذكرنا ان منظاره لم يكبر أكثر من ثلاثين  ضعفا، ولكن فاق خريطته فى الاتقان وسبقها فى التفصيل

ما تلاها من خرائط الباحثين، فأصبحت هى ولا قيمة لها إلا  المتعة بالقديم.

تبع جاليليو رجال نذكر منهم هيفيليوس Hevelius وريكسيوني Riceioni وكسيني Cassini وشروطر Schroter ولو هرمان Lohrman وبير Beer ومدلر Modler ووب  Webb وشمت Sohmidt، بحثوا القمر، فزادوا فى قوة المنظار، وأكثروا من رؤية التفاصيل، ودونوها على الورق تارة وعلى   المعدن تارة أخرى، وبذلوا فى ذلك مجهودات كبيرة، وصبروا  وصابروا على المشقات الكثيرة، لاسيما مشقة العين وجهد  البصر وألم التحديق

وانتصف القرن الثامن ففكر القوم فى استخدام  الفوتوغرافيا فى تصوير الأقمار والنجوم فكانت فتحا جديدا.

يتبع

ملاحظة : وقع فى المقال السابق من العدد الماضى الأخطاء المطبعية الآتية :-

صحيفة ٧٥١ ٧٥١ ٧٥٢ ٧٥٢

سطر ١٧ ( النهر الاول ) ١٩ ( النهر الثانى ) ٦ ( النهر الاول ) ٦ ( النهر الثانى )

خطأ                     صواب والمحيط العاصف : والمحيط العاصف

procellarum  Oceanus  العالما العالمان

دار بمنطاده     دار بمنظاره Hoar         Hoax      

اشترك في نشرتنا البريدية