الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 41الرجوع إلى "الرسالة"

٢- فن التنكر، MAKE . UP، وعلاقته بالاضاءة المسرحية

Share

تحدثنا فى الأسبوع الماضى عن فن التنكر من الوجهة العامة بحيث أوضحنا أهميته وخطره للممثل الذى يريد ان يتقن عمله المسرحى الاتقان الفنى المنشود ليستطيع أن يخرج الشخصية التى يمثلها الاخراج الصحيح المطلوب من الممثل الكفء . وقد رأينا سعة الدائرة التى يشملها هذا الفن حتى ليتطلب الالمام به دراسة شاملة دقيقة بعضها يتصل بعلم النفس ، وبعضها يتصل بعلم التشريح والطب , وبعضها يتصل بدراسة الأجناس المختلفة المبعثرة على سطح هذه الارض . ونتحدث فى هذا الاسبوع عن فن التنكر من احدى نواحيه الفنية أعني من حيث علاقته بالاضاءة المسرحية . فالاصباغ والأدهنة التي يستخدمها الممثل فى تنكره تتألف من ألوان مختلفة متعددة ، ومن الثابت أن الالوان لها علاقة وثقى بالضوء , وشتان مابين الاضواء الصناعية والضوء الطبيعى الذى يكسب الاشياء مظهرا خاصا ولونا خاصا لا يمكن أن يكون لها نحت الاشعة الصناعية , وليس ثمت

ضوء صناعى يظهر الاشياء بنفس المظهر الذى يكون لها تحت أشعة الشمس فى وضح النهار , لذلك كان لزاما علينا أن ندرس هذه العلاقة بين اللون والضوه حتى نستطيع فى المسرح أن نعطي الضوء المناسب وقد أدخلت فى السنوات الاخيرة تحسينات كثيرة على الاضاءة المسرحية سواء من الوجهة الفنية أو الآلية , وتكاد تكون لكل مخرج طريقته الخاصة به ونظرياته التى يتكرها تارة أو يستنبطها من تجاربه المتوالية تارة أخرى ، ولسنا بصدد شر - هذه النظريات . فنتركها إلى " البدهيات التي لا محل فيها للاختلاف

والآن نضع هذا السؤال : كيف ترىالأشياء ونميز الوانها المختلفة ؟ حاسة النظر هى التى تؤدى لنا هذه الغاية بواسطة الضوء . وهذا ثابت من الحقيقة المعروفة اذ لا يمكن أن نرى شيئا من الاشياء الا اذا سلطنا عليه ضوء اطبيعيا أو صناعيا , فاذا لم يكن هناك هذا الضوء لم نستطع رؤية شىء . واداخل غرفة مظلة , وحاول أن تميز ما فيها فلن تستطيع مهما كنت حاد البصر , مع أن الغرفة ملأى بما فيها من أثاث وأدوات وغيرها . وعود من الثقاب تستطيع بلهيه , الذى يشع ما نسميه بالضوء تمييز مافى هذه الغرفة . وأكثر مافى هذا العالم من الاشياء لا يشع ضوءا ذاتيا , وتسمى لذلك بالاجسام غير مضيئة , والبعض الآخر له القدرة على الإشعاع الذاتى ويسمى بالأجسام المضيئة . و هذه الأجسام كالشمس , والمصباح ، واللهب ترى بواسطة الضوء الذى تشعه , ويتألف هذا الضوء من ذرات مضيئة يصل بعضها الى شبكة العين فيؤثر فيها هذا التأثير الخاص أما الأجسام غير المضيئة فانها تتراى للعين لعلة واحدة وذلك بسبب مالها من الخاصية فى عكس الاضواء التي تصب عليها من الأجسام المضيئة . وعلى ذلك فان الاشياء التي تراها انما تبين لناظريك عن طريق الضوء الذى تعكسه على شبكة العين . وتتوقف درجة وضوحها ومداها على طبيعة وحجم الأجزاء العاكسة للضوء فيها ، وعلى مقدار الضوء المتسلط عليها , وعلى المدى الذى بينها وبين العين والاجسام المضيئة تبدو وكأنها تزداد حجما كلما زاد ضوؤها بريقا وقوة،  وإذا نظرت إلى شيئين متساويين فى الحجم احدهما مضى . والثاني مظلم بدا الاول أكبر حجما من الثانى

ومن المسلم به أن الضوء الابيض , كما يسمونه فى الاصطلاحات العلمية , يتالف من جميع الالوان الموجودة فى الطبيعة او التى ممكن خلقها صناعيا , ومن الميسور تفريق هذه الالوان بعضها عن بعض ، كما انه من الميسور مزجها من جديد فيعود للضوء لونه الاصلي . وهذه الالوان المختلفة يمكن تقسيمها إلى ستة الوان رئيسية هي الاحمر , والبرتقالي , والاصفر، والاخضر , والازرق والبنفسجى . ولكل من هذه الالوان طبيعته , ولكل منها موجته وخواصه إلى غير ذلك مما لسنا بصدد٥ . ولكن سهمنا هنا ان تقرر ان جميع الالوان ليست إلا نتاجا للضوء فى انعكاسه من سطح المنظور على شبكة العين  فالاشياء التي نراها ليست لها الوان ذاتية فى الحقيقة , ولكنها تكتسب الوانها التى نراها ونصفها من طريق الانعكاس الضوئي . أو نقول بعبارة أخرى , إن اللون ينتج من الضوء الواقع على الشىء المنظور .

وما نسميه بالألوان الطبيعية للاشياء يرجع الى الحقيقة المقررة من أن كل منظور يعكس على العين لونا من الالوان الموجودة فى الضوء الابيض المسمى بالضوء الكامل لأنه يتألف من جميع الألوان والاجسام غير المضيئة خاصة تمييز أو امتصاص الضوء المتسلط عليها . وهذه الخاصية لها قوة الاختيار , اى انها تمتص بعض الوان الضوء وتعكس البعض الآخر . وعلى ذلك فلون شىء من الاشياء يرجع فى حقيقته الى طبيعة اللون الضوئى الذى لم يمتصه المنظور وعكسه على العين . فمثلا , اذا امتص المنظور كل الضوء المتسلط عليه بدأ المنظور أسود اللون واذا عكس كل الضوء بدا أبيض اللون . قالمنظور الذى يبدو أحمر اللون تحت الضوء الابيض يكون قد امتص سائر الألوان الضوئية ولم يعكس منها الا الاشعة الحمراء , فطبيعة اللون الذى يبدو للمنظور تتوقف على الضوء الساقط عليه , فاذا فرضنا أن الاشعة التى يعكسها المنظور معدومة فى الشعاع الساقط عليه أوقليلة المقدار بدأ المنظور قاتما أو غير تام الوضوح . ومن المعروف أنه لا يمكن الحكم على الوان الاشياء حكما صادقا تحت الاشعة الصناعية . وذلك لان هذه الاشياء تكون فى هذه الحالة معرضة لضوء لايحتوى على كل الالوان الضوئية ، ولذلك لا يمكن لهذه الاشياء ان تعكس جميع الالوان التي تعكسها تحت الضوء الطبيعى والضوء الملون ضوء ناقص , اي أنه ينقصه لون او جملة الوان من تلك التى يحتويها الضوء الابيض الكامل .

وهذه الكلمة الموجزة عن طبيعة الضوء إنما تعيننا على فهم الاضاءة الصناعية المستخدمة فى المرح وعلى الاستفادة منها بحيث

نتسلط عليها كل التسلط ونوجهها الوجهة التى نقصدها لنخرج منها على خشبة التمثيل ما نشاء من الصور والأخيلة التى نريد ان نبرزها للمتفرج . ولما كان التتكر المسرحى أساسه أصباغ وأدوات ملونة , يستخدم كل لون منها لغاية مخصوصة محدودة , فان العلاقة بين فن التنكر والاضاءة المسرحية تبدو واضحة جلية

اشترك في نشرتنا البريدية