تلقينا يوم قدومنا طهران دعوات كثيرة إلى حفلات رتبتها الحكومة - دعوات باسم رئيس الوزراء ووزراء الداخلية والخارجية والمعارغ، ولجنة الآثار القومية، ونادي (إيران جوان) . وكانت دعوة رئيس الوزراء إلى العشاء في قصر كلستان، والعدوات الاخرى إلى الغداء في دار البلدية ونادي إيران. وقد دعت لجنة الآثار إلى شهود التمصيل مرتين في مشرح (مساكن نيكوئي) وإلى شهود لعب الجوكان وألعاب أخرى في ميدان سلطنت آباد
تعشينا الليلة الأولى في القصر الملكي. قصر كلستان، وهو بناء جميل يرى الداخل إليه حديقة فيها أحواض ماء كبيرة، وقد رأينا على حافة الاحواض شموعاً كثيرة. توقدت فيرى للألألها على صفحة الماء رواء جميل
وصعدنا إلى بهو فسيح غشيت جدُره وسقفه بالمرايا وقطع
البلور - وهذه زينة شائعة في إيران رأيناها في أمكنة ثيرة - وصفت في جوانب المكان دواليب فيها ذخائر الملوك السالفبن: قطع كبيرة من الاحجار النفسية، وسيوف وخنجر وتروس، وأدوات للزينة، , اباريق وطسوت، كل ذك محلى بالماس والياقوت، والعقيق والفيروز، وفي صدر المكان رش محلى بالاحجار الثمينة له مسند على صورة ذنب الطاووس ويسمى عرش الطاروس، وكذلك رأينا كتباً قديمة قمة فيها من عجائب الخط والنقش والتجليد آيات من الصناعات الاسلامية
امتعنا النفس رؤية هذه الاعلاق , تم تعشينا , وشهدنا بعد العشاء ألعابا نارية كثيرة
ومن الأبنية الفخمة التي رأيناها في طهران مسجد سباهسلار وهو مسجد كبير فيه مدرسة تسمى الآن مدرسة المعقول والمنقول، ولها مكتبة بها مخطوطات قيمة، ومساجد إيران كلها متشابهة في قيامها على عقود كبيرة وقباب، وفيما يجللها من الكاشاني، والخط الجميل
وزرنا مجلس الشورى الملي (البرلمان) وهو بناء جديد رائع تناولنا الشاي في الطبقة الثانية منه في حجرة غشيت جدرها وسقفها بقطع البلور، يتخللها ضوء النهار أو ضوء الكهرباء ليلاً فاذا حجرة من النور يحار فيها الطرف
وكذلك رأينا مدرسة الصنائع المستظرفة (الفنون الجميلة) وهي مدرسة ناشئة يرجى لها في الاحتفاظ بصنائع إيران مستقبل عظيم
وزرنا مصيف جلالة الشاه قصر سعد آباد. وهو بناء جميل في سفح جبل شمران شمالي طهران، يحلف على منظر رائع من الأشجار الممتدة على السح، وتنحدر إليه المياه متدفقة ن الجبل. والقصر بناء صغير به بضع حجرات، وقد بنى كله بأحجار ذات ألوان طبيعبة مختلفة جلبت اليه من أرجاء البلاد. ومن حجراته واحدة فيها مكتب جلالة الشاه. وقد لفت الأنظار اليه جمال صنعه، وصورة مدفع صغير فوقه، ومقامه لها سياج من رصاص البنادق. تناولنا الشاي في حديقة نسقت بها الازهار تنسيقاً رائعاً. ثم انصرفنا حين أشفقنا من برد العشي وشهدنا التمثيل مرتين، مثلت في الليلة الاولى قطع من
الشاهنامة. وفي الليلة الثانية قصة سهراب
وشهدنا يوم السبت ١٤ مهرماه (٦ أكتوبر) في ميدان سلطنت آباد على مقربة من المدينة لعب الجوكان (جوكان بازي) وألعاباً رياضية أخرى (نمايشات زورخانه)
والجو كان لعب الكرة والصولجان على متون الخيل. وكان لعباً شائعاً في العالم الاسلامي لاسيما إيران. ويذكر كثيراً في الشعر الفارسي. واخذت منه في اللغة كنايات كقولهم (كوي برد) أي اخذ الكرة، بمعنى حاز قضب السبق في اللغة العربية يقول الشيخ سعدي: (فسحت يدان أردت بيار تابزند مرد سخنكوي كوي) وترجمته: افسح ميدان الارادة ليضرب الرجل المنطيق الرة أي أحسن الاستماع ليستطيع النصيح أن يتكلم. وان بجانبي وقت اللعب ملك الشعراء بهار فقلت: كم قرأت هن (اخذ الكرة) في الشعر الفارسي وما فهمته حقاً إلا الآن
والألعاب الاخرى، وتسمى (نمايشات زورخانه) ضروب مختلفة من اظهر القوة: ضرب الطبل فجاء جماعة يلبسون سراويلات من الجلد وسائر أجسامهم عار؛ ونزلوا الى حفرة مستديرة قريبة الغور. وجلس على مقربة منهم رجل على منصة يدق الطبل وينشد شعراً من الشاهنامة وغيرها، بدأوا يرقصون على هذه الأنغام، ثم لعبوا ألعاباً مختلفة: يدور واحدهم على نفسه مسرعاً باسطاً يديه أو يحمل حلقة من سلسة ثقيلة يرفع بها يديه واحدة بعد الاخرى أو يستلقي على ظهره ثانياً رجليه ويأخذ بكل يد قطعة من احديد مبسوطة لها مقبض في وسطها فيرفع بها يداً بعد أخرى مائلاً على جنبيه، أو يوم ممسكاً بيديه حديديتين ثقيلتين يحركهما حركات مختلفة، وهكذا. وهي ألعاب قديمة تدل على القوة والمران
أمضينا في طهران خمسة أيام. وطهران مدينة حديثة، كانت قرية صغيرة بجانب مدينة الري الكبيرة. ثم بني لها الشاه طهما سب الصفوي سوراً غظيماً. ثم اتخذها آغا محمد خان القاجاري دار ملك، فشرعت تعظم وتتسع
ويو الثلاثاء ٤٠ جمادي الثانية (٩ أكتوبر - ١٧ مهرماه) برحنا طهران مبكرين متوجهين تلقاء مشهد. وبين المدينتين
٨٩٧ كيلا قطعناها في ثلاثة أيام؛ وان جلالة الشاه قد سار الى مشهد قبلنا ببيومين
اجتزنا جبال فيروز (فيروزكوه) وهي جبال وعرة مديدة تجهد فيها السيارة صاعدة وهابطة ثلاث ساعات، وبلغنا مدينة سمنان بعد الظهر فنزلنا داراً بظاهر البلد في فناء واسع، جلسنا على حافته فرفعنا عن الوجوه وعث السفر واسترحنا وتغذينا، ثم اسنفنا المسير فقطعنا الى دامغان ١١٣ كيلاً، واخترقنا البلد ولم نقف به
وسأتكلم عن سمنان ودامغان حين أصف عودتنا من مشهد الى طهران. وقطعنا من دامغان الى شاهر ود ٦٧ كيلا، وبلغنا المدينة بعد الغروب، وقد زين شارعها بساجيد كثيرة، فنزلنا بدار كيرة خارجها، نزل بعضنا في حجراتها وآخرون في خيام ضربت في الحديقة وفرشت فرشاً حسناً، وقد شعرنا بالبرد الشديد في هذا البلد، وأصابني به برد لازمني حتى عدت الى طهران، فنغص على السفر قليلاُ وأفاتني بعض المشاهد. فلها في سفرنا ذكرى لا تنسى
ذا أنت لم تنفع فضر فانما يرجى الفتى كيما ويضر وينفعا
وشاهرود قرية غربي خراسان على مقربة من حدود ولاية استرآباد، طولها ٥٢ درجة وعرضها ٣٦ وارتفاعها ١١١٠ أمتار. وهي مكان تجاري على الجادة من طهران الى مسهد، ويذهب منها طريقان الى استر آباد. وفيها مجرى ماء عذب، وبساتينها كثيرة
والى الشمال منها بسطام بلد الصوفى الكبير الى يزيد البسطامى المتوفى سنة ,٣٦١ وبها قبره وقد تحولت التجارة عنها الى شاهرود فى القرن الماضى فتضاه لت حتى صارت قرية صغيرة . وقد بني الجايتو خان من السلاطين الايلخانية مسجد آنى يزيد والمسجد الجامع
.- حرصت على زيادة أبي يزيد - فقيل لي سنزوره في عودتنا من مشهد، ثم لم يتيسر لنا هذا حينما رجعنا الى شاهرود قافلين الى طهران لضيق الوقت وتعلل سائق السيارة بوعورة الطريق. وأنا أنقل هنا ما كتبه ياقوت وقد زارها قبل سبعة قرون فتني أن أرى الديار بعينيفلعلى أرى الديار بسمعي
قال ياقوت (وقد رأيت بسطان هذه، هي مدينة كبيرة ذات أسواق، إلا بنيتها مقتصدة ليست من أبنية الاغياء. وهي في فضاء من الارض، وبالقرب منها جبال عظام مشرفة عليها، ولها نهر كبير جار. ورأيت قبر أبي يزيد البسطامي رحمه الله في وسط البلد في طرف السوق. وهو أبو يزيد طيفور بن عيسى بن شروسان الزاهد البسطامي)
وبسطام ودامغان كانتا من مدن قومس المعروفة في التاريخ الأسلامي
تركنا شاهرود صباحاً ونحن ننشد ما قاله أبو تام حين اجتاز بقومس وهو يؤم عبد الله بن طاهر في نيسابور
يقول في قومس صبحي وقد أخذت منا السري وخطى المهرية القود
أمطلع الشمي تبغي أن نؤم بنا؟ فقلت كلا ولكن مطلع الجود ونذكر ما قاله يحيى بن طالب الحنفي:
أقول لأصحابي ونحن بقومس ونحن على أثباج ساهمة جرد بعدنا وبيت الله من أرض قرقري وعن قاع موحوش وزرنا على البعد
فصلنا من شاهرود والساعة ثمان إلا ربعاً من صباح الاربعاء ومررنا بعد نصف ساعة بقرية قفر اسمها خير ىباد. قال سائق السيارة هذه قرية هاجت بساكنيها العقارب، حتى تعذر عليهم الاقامة بها فهجروها، ونزلنا بعد ساعة وعشر دقائق في منزل على الطريق اسمه (باغ زيدر) ، فشربنا الشاي على جدول عليه أشجار جميلة. وسلكنا طريقاً موحشة ذات تلال ومحان كثيرة. قال محدثنا كانت طريقاً مخوفة لا يفارقها خطر التركمان. ورأينا هناك قلاعاً قديمة مشرفة على الطريق. ونزلنا وقت الظهر في قرية اسمها داوكرزن في خان ضربت فيه خيام بيرة فاسترحنا وتغدينا، ثم ركبنا بعد ساعة ونصف نؤم سبزاوار. وهي كاسمها في إقليم مخضر، كثير البساتين فيه
مجرى ماء، وكانت مدينة عامرة، قامت فيها في القرن الثامن الهجري (٧٣٥ - ٧٧٢) أمارة عرف أمرؤها باسم السربداريين (سربداران) واوهم خوجه عبد الرزاق أحد رجال السلطان أبي سعيد آخر ملوك الدولة الابلخانية، ودامت الامارة خمسا وثلاثين سنة تداول فيها الامر المضطرب اثنا عشر أميراً حتى قضي عليهم تيمورلنك
وسبزوار الآن بلدة صغيرة لا يبدو عليها غني ولا جمال. ودخلنا وثد زين شارعها سموط من مصابيح الكهرباء. نزلنا بها وأوينا إلى خان واسع ذي طبقتين، فرشت حجراته فرشاً سناً من أجل وفود الفردوسي. وبتنا للتنا مسرورين على ما صحب بعضنا من بردشاهرود
نحن الآن على مائة يل من نيسابور العظيمة. فتنظر في المقال الآتي حديث نيسابور

