هَذَا هُوَ الَّليْلُ الدَّجِىُّ الإِطارْ ... قد أحْتَوَى الشَّمْسَ وَضَمَّ النَّهَارْ
أَلْقَي وِشَاحاً حافِلاً بالرُّؤَى ... عَلَيْهِ مِنْ سِحْرِ الدَّرَارِي نِثَارْ
طَفَتْ عَلَيْهِ صُوَرٌ حُلْوَةٌ ... مَنْسُوجَةٌ مِنْ أَلَقٍ وَافتِرَارْ
تَلألأتْ أَنْجُمُهُ بالسَّنَا ... وَرُصِّعَتْ أَفْلاَكُهُ بالنُّضَارْ
وَهَبَّ مَلْكُ الَّليْلِ يُغْرِي الرُّبا ... وَيَفْتِنُ النَّهْرَ وَيُصْبِي الدِّيارْ
وَزَوْرَقُ الأَحْلاَمِ في زَهْوِهِ ... حَامَ عَلَى عَذْبِ مُنَاهُ وَدَارْ
تَحْملَهُ المَوْجَةُ ثَرْثَارَةً ... مُنْشِدَةً في صُعُدٍ وَانْحِدَارْ
والشَّطُّ مَغْمُورٌ بِأَصْدَائها ... مَشَى عَلَيْهِ خَشْيَةٌ وَانكِسَارْ
والنَّخْلُ مَفْتُونٌ بِلَحْنِ الهَوَى ... مَاجَ بِه الشَّوْقُ طَويلاً وَمَارْ
يُصْغِي إلى الأَنْغَامِ عُلْوِيَّةً ... وَمَا غِنَاءُ الحُبِّ إِلاّ ابْتِكاَرْ
تَوَهَّجَتْ فَحْمَةُ هَذا الدُّجى ... فَشَاعَ في الآفاقِ مِنها شَرَارْ
يا حُسْنَةُ مِنْ عَالَمٍ سَاحِر ... يكْتَتِمُ النَّجْوى وَيُخْفِي السِّرَارْ
باحَ لهُ الْقَلْبُ بِأَشْجَانِهِ ... وَمَا يُعَانِي مِنْ رَسِيسِ الأَوَارْ
والمُقْلَةُ الْحَمْرَاءُ مِنْ سُهْدِهَا ... نَاجَتْهُ لْهَفَي بدُمُوعٍ غِزَارْ
الأَمَلُ الرَّفّافُ عَنها انْطَوَى ... وَبُلْبُلُ الحُبِّ تَغَنَّى وَطَارْ
السَّامِرُ انْفَضَّ بأُلاّفِهِ ... وَغَابَ فِي حُلْمٍ شَهِيِّ القَرَارْ
وَالرَّكْبُ أَغْفَى بعد طُولِ السُّرَى ... وَلَم يَعُدْ يُلْمَحُ فِي الأَرْضِ سَارْ
وَنَامَتِ الأَدْوُرُ حتى الكوَى ... جَلّلَهَا النَّوْمُ بِضَافِي الدِّثَارْ
يا هَاجِرِي لَم تَكْتَحِلْ مُقْلَتِي ... بالْغُمْضِ مُذْ غِبْتَ وَشَطَّ الْمَزَارْ
القَلْبُ مِنْ بَعْدِكَ مِلْكَ الْجَوى ... مُعَذَّبٌ مُخْتَطَفٌ مُسْتَطَارْ
حَذِرْتُ أَنْ نُرْمَي بِسَهْمِ النَّوَى ... فلم يُفِدْ إِلاّ الرَّزَايا الْحِذَارْ
وَحَظُّنا العَاثِرُ أَوْدَى بنا ... وَمَا يُرَجَّى أَنْ يُقَالَ العِثَارْ
هَلْ غَشِيَتْنَا عَادِيَاتُ الرَّدَى ... أَمْ َهلْ بَغَي الدَّهْرُ عَليْنَا وَجَارْ
أَظَلُّ حَيْرَانَ أُنَاجِي الْمُنَى ... كأنَّني فِي غَمَرَاتِ الْعُقَارْ
أَذَّكِرُ الْعَهْدَ فَأَبِكي أَسىً ... وَمَا حَيَاةُ الْقَلْبِ إِلاّ أذِّكَارْ
اللَّيْلُ ذُو الأَنجُمِ أَفْنَيْتُهُ ... مِنْ شِقْوَتِي فِي رِقْبَةٍ وَانْتِظَارْ
وَالسَّهْدُ أَضْنَاني وَلَوْلاَ الْهَوَى ... مَابتُّ نَهْبَ الشَّجْوِ رَهْنَ السبَارْ
أَقْتَاتُ بالوَهْمِ الذي مَضَّنِي ... وَلَم يَدَعْ لِلرُّوحِ إِلاّ الْبَوَارْ
يا هاجري أَوْسَعْتنَيِ حَسْرَةً ... قَلِبي مُعَنَّى وَالْجَوَى مُسْتَثَارْ
أَعِيشُ لِلْبَلْوَى وَمُرِّ الضَّنَى ... فِي نَاظِرِي جَمْرٌ وَفِي الصَّدْرِ نَارْ
يَشُوقِني الْحُبُّ وَأَوْجَاعُهُ ... وَما حَوَى مِنْ قَلَقٍ أَوْ إِسَارْ
وَاَنتَشِى مِنْ ذِكْرَيَاتِ الهوَى ... كأَنما تِلكَ الأَماني خُمَارْ
يا هاجِري لَم تَرْعَ عَهْدَ الهوَى ... أَسْرفْتَ فِي الصَّدِّ وَزِدْتَ النِّفَارْ
أَفِقْ تَجِدْني سَاهِماً سَاهِداً ... ليْسَ لِهذى الروح عَنْكَ اصْطِبَارْ
وَتَلْمِسِ الشَّوْقَ الذي شَفَّنِي ... مُحْتَدِماً فِي لَهَبٍ وَاسْتِعَارْ
أَوْجَعَ قَلبِي وَأَثَارَ الْجَوَى ... وَهَاجَ مِنِّي الْحَسَراتِ الحِرَارْ
الأُفْقُ مَحْجُوبٌ بِسُحْبِ الدُّجَى ... وَالْكَوْنُ مَسْدُولٌ عَليْهِ سِتَارْ

