الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 791الرجوع إلى "الرسالة"

، المفعول معه وواو المعية:

Share

من عنوان المفعول معه يفهم الإنسان أن الاسم المنصوب بعد  الواو مصاحب للاسم السابق لها. فالمصاحبة شرح وتوضيح للواو  التي هي نص في إفادة المعية في هذا الباب. والأمثلة المسموعة  من القرآن وغيره واضح فيها معنى الواو بدون تجوز أو تأويل.  فمن القرآن قوله تعالى:   (فأجمِعوا أمركم وشركاءكم)  فشركاءكم  ليست معطوفة على أمركم، بل هي مفعول معه، إذ أنه لا يراد  أجمِعوا أمركم وأجمِعوا شركاءكم، وإنما المقصود أجمعوا أمركم  مع شركائكم.

وقوله تعالى:   (والذين تبوءوا الدار والإيمان)  لا يراد به  تبوءوا وتبوءوا الإيمان، إذ أن الإيمان لا يُتبوَّأ، وإنما  المراد أنهم تبوءوا الدار مع إيمانهم بالله. ومن قول العرب:   (لو  تركت الناقة وفصيلها لرضعها)  معناه لو تركتها مع فصيلها  لرضعها. ومن شعرهم قوله:

لا تحبِسنَّك أثوابي فقد جُمعت ... هذا ردائِيَ مطوياً وسربالا

معناه هذا ردائي مطوياً مع سربال. وقوله: فكونوا أنتمو وبني أبيكم ... مكان الكليتين من الطّحال معناه كونوا مع بني أبيكم متقاربين متعاونين.

فالشواهد المأثورة يتضح فيها أن الواو نص في المعية بدون  تجوز أو تأويل. إلا أن بعض الشراح توسعوا في الأمثلة وحملوا  الواو معاني تحتاج إلى المجاز فلجئوا إلى التفسير، وتفسير للتفسير  ومزيد من تفسير التفسير، فقالوا: سرت والنيل، وسرت  والطريق، أي مصاحباً النيل؛ ومصاحباً الطريق، أي مقارناً  النيل؛ ومقارناً الطريق في سيري، وذلك تفسيراً لقولهم سرت  مع النيل، وسرت مع الطريق. وهذا من العبث واللغو بمكان.  ولكنا على هذا النمط تعلمنا وعلمنا كتب النحو. وفي هذا العبث  وقع المؤلفون، وبهذا العبث ألزم التلاميذ في المدارس، فاضطرب

المدرس في الشرح وتحايل، واستغلق المعنى على التلميذ  فلجأ إلى الحفظ من غير أن يتصور المراد. ففي كتب  قواعد اللغة العربية المقررة على تلاميذ المدارس الابتدائية  تعريف معقد للمفعول معه استنباطاً من أمثلة وضعوها  وفيها كثير من الخطأ، أو على الأقل فيها مبالغة في المجاز لا يهضمها  التلاميذ، فقد عرفوا المفعول منه بأنه اسم منصوب بعد واو بمعنى  مع، للدلالة على ما فعل الفعل بمقارنته. فتكملة التعريف   (للدلالة  على ما فعل الفعل مقارنته)  يتوقف عند تفهمها الكبير ويعجز  عن تصورها الصغير. وكان الأولى أن يقتصر في التعريف على  شطره الأول   (وهو اسم منصوب بعد واو بمعنى مع) . أما  الأمثلة، فهي مؤلفة بقصد التجديد منهم - على ما يظهر -  ولكنها خرجت عن المعنى المطلوب، فقالوا: غرد البلبل  والشجرة، أي مع الشجرة، أي مصاحبا الشجرة، أي مقارنا  الشجرة في تغريده. وقالوا: جلس المسكين وباب المسجد، أي  مع باب المسجد، أي مصاحباً لباب المسجد، أي مقارناً لباب  المسجد. وقالوا: جلس التلميذ والكتب. . . أي. . . أي. . .  ومع كل هذه   (الأيأية)  التي يلجأ إليها، فإن الأمثلة لا تتضح  للمتعلم، وبخاصة إذا كان صغيراً.

ولعمري إن هذه وأمثالها مما ورد في كتب قواعد اللغة  العربية مما أخطئها التوفيق وجانبها الصواب، ولو اقتصروا على  خرجت وطلوع الشمس، أو وغروب الشمس، أو صلاة الظهر  مثلا، وغيرها مما يتضح فيه المعنى بدون   (أيأية)  لكان أولى  وأرحم بعقول التلاميذ، ولكنه الخطأ في أساس التأليف تبعاً  لخطأ سابق في كتب النحو بدون تمحيص.

ومثل هذا الخطأ أيضاً حادث في واو المعية التي ينصب بعدها  الفعل المضارع، ذلك أن فاء السببية وواو المعية تضمر بعدهما أن  - كما قالوا - وجوباً بشروط، إلا أن معنى كل منها مخالف  للآخر. فالفاء يكون ما قبلها سبباً لما بعدها، وما بعدها متأخراً  عما قبلها، وقد نبا عليه نقول أقبل فأكرمك، وذاكر فتنجح،  فالإكرام مترتب على الإقبال، والمذاكرة سبب في النجاح، ومن  القرآن قوله تعالى:   (يا ليتنا نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل) ؛  يفهم منه أن عملهم المغاير لما كانوا يعملون مترتب على ردهم إلى

لدنيا مرة أخرى. أما الواو فيكون ما بعدها مصاحباً لما قبلها  في نفس الوقت، ومن ذلك قوله تعالى:   (يا ليتنا نرد ولا نكذب  بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) ، فهم يتمنون ردهم مرتبطاً  في الوقت نفسه مع عدم تكذيبهم بآيات الله، ومرتبطاً مع كونهم  من المؤمنين. ومن الشعر قوله:

لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم

معناه مع إتيانك في الوقت نفسه مثل ما نهيت عنه. وقوله:

أتبيت ريان الجفون من الكرى ... وأبيت منك بليلة الملسوع

 معناه مع بياتي في الوقت نفسه من حبي لك وتقلبي في فراشي كمن  لدغته العقرب. لكن الأساتذة - مع احترامي لهم - مؤلفي كتب القواعد  عاقبوا بين الفاء والواو في الأمثلة بدون نظر إلى اختلاف معنييهما  فقالوا: ذاكر فتنجح، وذاكر وتنجح، فالمثال الأول يترتب  فيه النجاح على المذاكرة، ولكنه في الثاني يحتاج إلى تأويل،  ومع ذلك فهو بعيد عن معنى الواو التي في هذا الباب على كل حال  حقيقة أنه قد يكون مع المذاكرة النجاح، ولكن ليس النجاح  مرتبطاً مع المذاكرة في نفس الوقت، وإنما هو مترتب عليها،  وهي سبب له. وذلك ما تفيده الفاء التي تؤدي معناها لام  التعليل، وتصلح أن تخلفها في أمثلتها. وإن الآيات والأمثلة لتؤيد كل ما قدمناه، ولله در ابن مالك  إذ يقول:

والواو كالفاء إن تفد مفهوم مع ... كلا تكن جلداً وتظهر الجزع

فهو يذكر لنا أن الواو ينصب بعدها المضارع كالفاء بشرط أن  تفيد المعية. ومثاله موضع كل الإيضاح. فلعل المؤلفين لكتب  القواعد يذكرون ذلك عند إعادة الطبعات.

اشترك في نشرتنا البريدية