سبق لنا أن تناولنا فى مقال سابق ( الثقافة عدد ١١٨) الخطوط الهوائية التى تصل الأجهزة التليفونية المركبة عند المشتركين بنهاية أحد الكوابل الأرضية . وسنتكلم فى هذا المقال عن آلة التليفون ( العدة ) ، وهى تتركب بصفة عامة من أربعة أجزاء رئيسية وهى : المرسل والمستقبل والجرس وملف التأثير . ثم أجزاء أخرى يتوقف وجود كل منها على الغرض الذى تستعمل له الآلة .
المرسل أو الميكروفون : هو الجزء الذى يستقبل الذبذبات الصوتية الخارجة من فم المتكلم ، فيحولها إلى تيارات كهربائية مختلفة الشدة تبعا لتغيرات ذبذبات الصوت . وهو مكون كما فى شكل (١) من قرص رقيق
متصل بغرفة ملأى بحبيبات الكربون ، وتتصل الغرفة ببطارية ، بحيث تكون الحبيبات ضمن دائرتها الكهربائية . فاذا تذبذب القرص تبعا للموجات الصوتية تغيرت مقاومة الحبيبات ، وبذلك تتغير شدة التيار الناتج من البطارية .
المستقبل : وظيفته عكس وظيفة المرسل تماما ، أى أنه يستقبل التيارات الكهربائية المتغيرة الناشئة عن كلام المشترك البعيد ، ويحولها بدوره إلى ذبذبات صوتية مرادفة لها تلج أذن المستمع . ويركب كما فى شكل (٢) من مغناطيس ! على شكل حذاء الفرس ينتهى بساقين ب ، ب من الحديد المطاوع قد التف حول كل منهما سلك نحاسى دقيق معزول ومثبت على مسافة صغيرة من الساقين القرص
المعدنى الرقيق د ، وينشأ من هذا الوضع أن ينجذب الفرص إلى المغناطيس ، ويتكون به الانحناء البسيط الظاهر فى الشكل . فعند ما تمر التيارات الكلامية
المتغيرة الآتية من المستقبل فى الملف تضعف مغناطيسية الساقين ب أو تقويهما تبعا لاتجاه سريانها ، وينشأ عن هذا أن يقل انحناء القرص د أو يزداد ، منتجا بذلك ذبذبات مرادفة لذبذبات الكلام الواقعة على قرص المرسل فى جهاز الشخص المتكلم . وهذه الذبذبات تنتقل من قرص المستقبل إلى الهواء محدثة اصواتا هى كلمات المتكلم .
وفى الأجهزة الحديثة يكون تركيب المرسل مطابقا تمام المطابقة لما ذكر ؛ غير أن المغناطيس الأصلى يكون صغيرا فى الحجم ويلف عليه السلك النحاسى المعزول مباشرة ؛ وعلى هذا يمكن الجمع بين المرسل والمستقبل فى قطعة واحدة هى ما يسمى عادة " بالسماعة " .
الجرس : يتركب كما فى شكل (٣) من مغناطيس١ قطبه الشمال إلى أعلى ، والجنوبى إلى أسفل . يتفرع فى الساقين الأخريين س ، ص وعلى كل منهما ملف من سلك نحاسى دقيق معزول . ويلاحظ أن اتجاه الملف فى أحدهما مخالف له فى الآخر . فعند مرور التيار فى الملفين فى اتجاهين مختلفين تتلاشى مغناطيسية إحدى الساقين ، بينما تقوى مغناطيسية الساق الأخرى مما ينشأ عنه انجذاب الرافعة نحو الساق الأخرى ، فإذا تغير اتجاه التيار حصل العكس ، وهكذا ؛ وبذا يدق الذراع ه كلا من الناقوسين ( الطاستين و ، و ) .
ملف التأثير : يتركب كما فى شكل (٤) من ملفين : ابتدائى وثانوى عدد لفاته أكثر بكثير من عدد لفات الابتدائى . فاذا مر تيار كهربائى فى الملف الابتدائى ثم حدث له تغيير فجائى فى شدته او اتجاهه نشأ عن ذلك مرور تيار كهربائى فى الملف الثانوى يكون اتجاهه دائما عكس اتجاه التيار فى الملف الابتدائى ،
فإذا تأملنا الدائرة الكهربائية المبينة فى شكل (٤) نجد أن البطارية ترسل تيارا مستمرا ثابت الشدة والاتجاه فى دائرة الملف الابتدائى ، حتى إذا ما تكلم شخص فى المرسل تغيرت مقاومته تبعا لذبذبات الصوت فتتغير شدة التيار المار فى الملف الابتدائى . وفى الحال تتولد
تيارات متغيرة فى الملف الثانوى اتجاهها يضاد اتجاه التيارات الناشئة فى الملف الابتدائى . ونظرا لزيادة عدد لفات الملف الثانوى منها فى الملف الابتدائى فان تيارات الملف الثانوى تكون أكبر جهدا من مثيلاتها فى الابتدائى .
نرى مما تقدم أنه لوجود ملف التأثير فى آلة التليفون فوائد مهمة : منها أنه رفع جهد التيارات المسارة فى الخط مما يجعل تأثيرها كبيرا على سماعة الشخص المخاطب ، فيسمع الكلام واضحا قويا . كما أن التيار المستمر المار فى المرسل لا يتأثر بطول الخط أو قصره ، حيث إنه يسرى فى دائرة مستقلة تمام الاستقلال عن دائرة الخط .
وتستعمل الدائرة المبينة فى شكل (٤) مع تعديل طفيف فى الآلات ذات الطراز المغناطيسى (الماجنيتو) .
أنواع الآلات :
تنقسم الآلات إلى أنواع ثلاثة بحسب الطريقة التى يتم بها توصيل المشتركين بعضهم ببعض عن طريق مركز التليفون (( السنترال )) : (١) آلات ذات طراز مغناطيسى (ماجنيتو) . و (٢) آلات البطارية المشتركة . و(٣) آلات تلقائية ( أوتوماتيكى ) .
١ - ذات الطراز المغاطيسى (ماجنيتو) :
تحتوي هذه الآلة - علاوة على الأربعة الأجزاء الرئيسية السابق شرحها - على مولد صغير للتيار الكهربائى المتغير يدار باليد فيخرج منه تيار الدق على الخط المتصل بالمشترك ، فيعطى إشارة للعامل المختص فى مركز التليفون بأن مشتركا يطلب توصيله بآخر . وفى حالة اتصال مشتركين بعضهما ببعض بخط مباشر يدق الجرس فى آلة المشترك المطلوب بمجرد إدارة المولد فى آلة المشترك الطالب . ويبين شكل (٥) توصيل آلة (الماجنيتو) ويلاحظ فيه ثلاث ريش س ، ص ، ع . أما س ، ص فتتبعان حركة السماعة وتتخذان الوضع المبين فى الشكل حينما تكون السماعة فى وضعها الطبيعى فوق حاملها ، وعند رفعها تقفل من دائرة المرسل وتترك ص
الملمس contact الأسفل وتلمس الأعلى . أما الريشة ع فتتبع حركة يد المولد ، ففى حالة السكون تكون مفتوحة كما ترى ، وفى حالة إدارة اليد تتصل بملمسها .
ولنفرض الآن أن هذه الآلة تلقت إشارة بواسطة تيار دق يأتيها من مشترك آخر بينما تكون سماعتها فى وضعها الطبيعى ومولدها فى حالة السكون ، فإن تيار الدق يأتي على الفرع ب إلى الريشة ص ثم إلى الجرس فالمولد ، ثم يتخذ طريقه عائدا على الفرع أ, وعندئذ يسمع المشترك دق الجرس فيرفع السماعة فتقفل الريشة ص دائرة المرسل كما تلمس الريشة ص اللمس الآخر . وعندما يتكلم الشخص فى المرسل يحدث ما سبق شرحه ، وتنتقل تيارات الكلام من الملف الثانوى إلى المستقبل إلى الريشة ص ثم إلى الفرع ١ مباشرة وتعود على الفرع ب إلى الملف الثانوى .
وفى حالة ما إذا أراد شخص أن يطلب شخصا آخر أنه يدير يد المولد بينما تكون السماعة فى وضعها الطبيعى على الحامل ، وفى هذه الحالة تقفل الريشة بمجرد إدارة يد المولد ، وبذا يخرج تيار الدق على الفرع أ إلى المشترك البعيد ويعود على الفرع ب إلى ريشة الحامل ص ، ثم يختار طريق الريشة ع إلى المولد ثانية حيث إنه الطريق الأسهل . ولا يمر فى الجرس ، وبذا لا يدق جرس المشترك الطالب بادارته يد الآلة .
مما تقدم نرى أن الآلة (( ذات الطراز المغناطيسى )) تستلزم وجود بطارية لدى كل مشترك ، كما أنها يجب أن تحتوى على مولد مما يستدعى كبر حجمها . ولا بد من تعهد البطارية بالتنظيف وإضافة ما يلزم لها من المواد بين آن وآخر ، وإلا أصابها التلف . كما أنه يجب على المشترك الطالب أن يدير (( الماجنيتو )) عند النداء ، مما سيستغنى عنه فى الأنواع الأخرى . ولهذا فان استعمال هذا النوع من الآلات مقصور الآن على بعض المدن والقرى حيث يقل عدد المشتركين ، كما أنها شائعة الاستعمال فى تجربة الخطوط الهوائية والأرضية وفى توصيل مشتركين بعضهما ببعض بخطوط مباشرة بلا حاجة للالتجاء لعامل التليفون .
٢- آلة البطارية المشتركة :
رأينا مما تقدم أن آلة ( الماجنيتو ) لا تصلح ، حيث يكثر عدد المشتركين وتكثر تبعا لذلك البطاريات التى يلزم العناية بها ؛ ومن هنا نشأت الحاجة إلى نوع آخر من الآلات يأتيه التيار اللازم المرسل من بطارية كبيرة تغذى جميع المشتركين ، وتحفظ فى مركز التليفون ، فتسهل صيانتها بتخصيص عمال فنيين لها ؛ كما أننا نستطيع بإجراء بعض التعديل فى تركيب الآلة وفى أجهزة مركز التليفون أن نستغنى عن المولد كلية ، وإنما تعطى إشارة النداء إلى عامل التليفون مجرد رفع السماعة من فوق حاملها ، حيث يضاء مصباح كهربائى صغير أمام العامل فيلفت نظره إلى أن المشترك رقم كذا يطلبه ؛ وبذلك تحصل على آلات أبسط فى التركيب من آلات (الماجنيتو) وأسهل فى الصيانة ، وآلة البطارية المشتركة تمتاز بتفوقها عن آلة (الماجنيتو) فى نقل الأصوات بوضوح .
ويدخل فى تركيب آلة البطارية المشتركة ، علاوة على ما تقدم ذكره من الأجزاء الرئيسية ، جزء آخر مهم ، هو الكشف الكهربائى المسمى (( بالمكثف الورقى )) . ويتركب من شريطين من ورق القصدير ، يفصلهما شريط من الورق فصلا تاما . وتطوى هذه الأشرطة الثلاثة حتى
نكون كتلة يختلف حجمها باختلاف سعة المكثف المطلوب ، كما هو مبين فى شكل (٦) ثم توضع هذه الكتلة فى صندوق من الصفيح مناسب لها فى الحجم . ويفصل بين شريطى القصدير قطعة معدنية تستعمل بدورها فى توصيل المكثف بباقى أجزاء الدائرة .
ولما كان شريطا القصدير معزولا أحدهما عن الآخر بشريط الورق فانهما لا يسمحان بمرور التيار الكهربائى المستمر بينهما كالتيار الخارج من البطارية مثلا ، بينما التيارات المتغيرة مثل تيارات الكلام أو تيارات الدق يمكنها المرور بين شريطى القصدير بسهولة تبعا لنظرية التأثير الكهربائى ، ولنتكلم عن توصيل آلة البطارية المشتركة :
يبين شكل (٧) دائرة بسيطة لآلة من آلات البطارية المشتركة . ولا يوجد هنا سوى ريشة واحدة ص تتبع فى حركتها وضع السماعة أو رفعها من فوق الحامل . والرسم يبين وضع الريشة عند ما تكون السماعة فى حالتها الطبيعية فوق حاملها . وعندما يأتى تيار الدق من مركز التليفون لتنبيه المشترك يمر هذا التيار من الفرع ا إلى الريشة س ، ومنها إلى الجرس تم إلى المكثف الذى يسمح له بالمرور ، ومنه يعود على الفرع ب . وعندئذ يتنبه المشترك المطلوب
ويرفع السماعة ، فيتغير وضع الريشة ويمر التيار المستمر من بطارية السنترال على الفرع ا إلى الميكروفون مارا بالريشة س ، ثم بالملف الابتدائى ويعود ثانية على الفرع ب إلى البطارية ؛ فإذا تكلم هذا الشخص فى الميكروفون أحدث كلامه ذبذبات كهربائية فى تيار البطارية تنقل إلى المشترك المخاطب ، كما أن ذبذبات التيار الآتية من الطرف الآخر ، والحاملة لكلام المتكلم البعيد تمر بالملف الابتدائى متخذة نفس الطريق التى يسلكها تيار البطارية - وتنتقل بالتأثير إلى الملف الثانوى والمستقبل الذى يحولها إلى كلمات مسموعة .
وللمكثف وظيفة فى غاية الأهمية فى هذه الدائرة إذ يجعلها مفتوحة بالنسبة للبطارية فى حالة الوضع الطبيعى للسماعة بحيث يمنع التيار المستمر أن يمر من البطارية إلى الجرس بلا فائدة ، وفى الوقت نفسه يسمح بمرور تيارات الدق الآتية من مركز التليفون إلى الجرس .
ولنفرض الآن أن المشترك أراد أن يطلب رقما معينا ، فما عليه إلا أن يرفع السماعة ، فيمر تيار البطارية بالمرسل والابتدائى ، ويتخذ من هذا وسيلة لاضاءة مصباح معين فى مركز التليفون ينبه العامل فيبادر بالرد .
وهناك تحسينات كثيرة قد أدخلت على تركيب آلة البطارية المشتركة مما وصل بها إلى درجة كبيرة من الكفاءة والجودة . ولكن يجب ألا يتبادر إلى ذهننا أنها تفضل آلة "الماجنيتو" فى جميع الأحوال ؛ فهى تصلح خاصة فى المدن الكبيرة حيث يكون عدد المشتركين
كبيرا . أما فى المراكز والقرى ، حيث تمتد الخطوط إلى مسافات بعيدة وبقل عدد الشتركين ، وحيث يندر وجود العمال الأكفاء اللازمين لصيانة البطارية الكبيرة ، فيكون الأفضل استعمال آلات "الماجنيتو" .
٣ - الآلات التلقائية (الأوتوماتيكية) :
يشبه هذا النوع من الآلات آلة البطارية المشتركة شبها تاما ، ولا يختلف عنه فى شئ سوى أنه يحتوى على القرص الذى يديره المشترك الطالب تبعا لأرقام معينة توصله بالمشترك المطلوب . ويقوم هذا القرص فى الآلة بوظيفة أساسية ، هى أنه عند إدارته ابتداء من رقم معين ، فانه يقوم بتقطيع التيار الوارد من مركز التليفون إلى الميكروفون عددا من المرات مساويا لمقدار هذا الرقم ؛ فمثلا إذا أدرنا القرص عند الرقم (٥) فانه عند رجوعه إلى وضعه الطبيعى يقطع التيار خمس مرات ، وهلم جرا . وعلى هذا فإنه يحدث فى التيار ما يشبه النبضات ، وتكون
هذه النبضات بمثابة إشارات تتلقاها آلات تلقائية موجودة فى مركز التليفون ، وتستعين بها على التوجه نحو المشترك المطلوب ؛ ولكن لا تسمع هذه النبضات فى السماعة - على شكل طقطقة - فان القرص يزود عادة بأداة تمنع مرور التيار المتقطع فى السماعة فى أثناء رجوع القرص إلى وضعه الطبيعى ؛ كما أن هناك أداة أخرى تمنع المكثف - الذى يشحن ويفرغ على التوالى بتأثير التيار المتقطع - من أن يتسبب فى دق الجرس .
ومما يجدر ذكره فى هذا المقام أنه لكى تتم المكالمة يجب أن تعطى للمشترك الطالب - بعد أن يرفع سماعته - إشارة تخطره بأن آلات مركز التليفون مستعدة لتلقى أرقامه ، وإلا ذهبت سدى . وتأتى هذه الإشارة فى شكل "ور" أو Dialling Tone - يسمعه المشترك فى السماعة . وحينئذ فقط يكون لنبضات قرصه التأثير المطلوب .
