غرَّد العصفورُ للصبح فهيا يا حبيبى فتَّح الصبح فهيا
آية الصبح تجلَّتْ، قمْ بنا قبل أن تطوى بضوء الشمس طيّا
إن نور الله فى بهجته دلَّنا أن له سراً خفيا
وكأن الكون فيه ملك يتغنى نغماً حلواً شجيا
سكَبَ الحسن على جبهته ماءه فانتعش العالمُ رِيا
كلُّ شىء ضاحكٌ مبتهجٌ بعَثَ الصبحُ موات الكون حيا
فهنا الريحانُ فى أوراقه ناشراً من روحه روحاً زكيا
وهنا النرجسُ فى جلبابه لابساً من حسنه ثوباً بهيا
وهنا الوردُ على أغصانه خَجِلاً من حسنه الزاهى حَييا
وهنا الطيرُ تُغنِّى لغةً فهم الزهر لها معنى خفيا
كلما غرَّدَ منها طائرٌ خِلْتُه كان إلى الطير نبيا
وهنا الأشجارُ فى خضرتها لبست ثوباً من الحسن زهيا
خَلَعَ الصيفُ عليها بُرْدَه وحباها ثمراً حلواً جَنيا
رضى الله على الدنيا فما تبصرُ العينُ من الدنيا دَنيا
كفُّ جبريل عليها نثرتْ من رُبىَ جنته حسناً نديا
من حياة الخلد أو من حسنه ما يعيد الميْت فى الأنفس حيا
أو مشى يوسفُ فيها طرباً وحبا الجوَّ بها عطراً زكيا
وحبا الأنظارَ من طلعته ما يُعيد الحب فى النفس فتيا
فإذا ما عبث الحبُّ بها جعلته مثلاً منه عليا
يا حبيبى سِرْ بنا فى روضةٍ نروِ منها الطرف إن كان صدِيا
والذى صوَّر فى الكونَ لنا بيدى إحسانه حسناً سأويا
والذى نمَّقَ من قدرته ... كلَّ ما ينطقُ بالحق جليا
والذى قلبى ونفسى صُنْعه ... كنت منه أولياً أبديا
والذى سواك من نور الضحى بعد أن لم تك فى ماضيك شيَّا
والذى أرسلنى منكَ إلى كلِّ من يشعرُ للحب نبيا
والذى اكسب نفسى نغماً باعثاً للحسن فى الناس دويا
والذى أبدعَ فى صوتك ما يملأُ السمع به خمراً شهيا
غنِّنى شعرى وقل فى طربٍ غرَّدَ العصفورُ للصبح فهيا!
جلَّ من أنشاكَ فى صورته مثلاً فى حسنكَ الزاهى عليا
وحبانى الحب حتى ما أرى غيرَ حبى كان حبا عبقريا
جلَّ من أرسل منِّى شاعراً يتغنى فيك بالشعر شجيا
أنت فى شعري جميلٌ خالدٌ بعد ما يطوى حياتى الدهر طيا
آه لو تفهمه لم تنسنى أبدَ الدهر ولو كنت نَسِيا
هاك رتِّله، ففى ترتيله ما الباكى النفس رضيا
فهو مثلُ الصبح، فى آيته ما يعيد الأمل الحلو قويا
هاهو الصبحُ، فلولا حسنه كانت الدنيا جحيما أبديا
سطَّر الرحمنُ فى صفحته نورَه نوراً سماوياً سنيا
وأجاد الله فى صنعته لم يدع فى خلقه للنقص شيا
ليتَ شعري ما عسى جنته تلك حيث النفس لا تلقي رديا
طهِّرتْ من نقصنا وأُبتهجتْ من سناهُ كاملاً فيها جليا
ليتني رضوانُها أو ليتني ملَكٌ فيها يظلُّ الدهر حيا
وأرى شخصاً فيها ملكاً نتناجى الحب فى الخلد سويا
تتناجى حُبَّنا عن كثبٍ ويكون الحبُّ حباُ أبديا
ونرى الرحمنَ فيها أو نرى من يرى الرحمنَ فى الخلد هنيا
فهناك المثلُ الأَعلى لمن عَرف الأَدنى من الدنيا قويا
قم إذن نسعَ إلى الروض سويا يا حبيبى، فتَّح الصبح فهيا!
لا يطيب العيش لى منفرداً أو أرى وحدى جلال الحسن شيا
لو ملكت الخلد وحدي لم أكن لا عن النفس ولا عنه رضيا
نزعت نفسى إلى مؤنسها أو حبيب اجتلى منه المحيا
(الاسكندرية)

