(إلى النبراس الذي يضيء أفق حياتي، إلى ذلك العزيز الذي يتململ الآن على فراش المرض في ظلمات السجن، إلى أبي)
يا أبي ضاق بي الفضاء على رحب مداه إذ ضاق صدري الكظيمُ
وعراني مما أصابك من نف يٍ وسجنٍ كآبةٌ وهمومُ
وحشةٌ تملأُ الفؤاد وغمُّ راسخٌ في جوانحي لا يريمُ
لا الأخ البَرُّ يا أبي فيه للنف س سلوٌ ولا القريب الحميم
أنت ظلّي الظليلُ في العيش إمَّا لفحتني أو لوَّحنتي السَّموم
أنت ركني، لا قوَّض الله ركني وملاذي البرُّ الحفيُّ الرحيم
يا أبي حال بعدك الأنس في الد ار فأضحى وهو الأسى والوجوم
كيف تمسي، ترُى وكيف تصبح فالس
جن ثقيل على النفوس أليم
ليت شعري هل كفَّ عنك مضيض الس
قم أم أنت موجع مكظوم
يا لقلبي وكيف جسمك في القُرِّ فعهدي به معنَّى سقيم
أبا دفء المهاد يجفوه جنبي ويح لي، كيف يزدهيني نعيم؟
ويح لي، كيف أنشد الخفض واللين وأنت المقيد المحروم
يا أبي كلما تدلت سجوفُ الليل فالليل مدلهمٌ بهيمُ
وغفتْ أعين، وقرتْ نفوس حشوها خِسةٌ وطبع لئيمُ
زيَّن اللؤمُ قبحَ ما أبرمته من أمورٍ، واللؤم خلق ذميم
فاستراحت لمخزيات فِعال هي عند الأحرار إثم عظيم
تشتري الذلّ بالكرامةِ فاعجب كيف يرضى ذلّ العبيد (زعيم)
راح يُزهى تيهاً بعارية المنصب يغريه صدره الموسوم
كل شؤم كانت بلادي بمنجًى منه لولا وسامه المشؤوم
أًرَّقتني ذكراك، والليل للذكرى كتاب مفسِّر مرقوم
فأرى في السطور أخلاقك الزُّهْر يزين الأخلاق قلب سليم
وأرى نفسك الأبية لا تع نو لضيم يبغيه باغ ظلوم
رعاها أن يميل بالوطن الأقدس - لا مال - مستبدٌّ غشوم
فسعتْ سعيَها النبيل تردُّ الكيد عنه إذ أزمعته الخصوم
وأرى صحبك الكرام وكلُّ نهجه نهجك السوَّيُّ القويم
لم يَضِركم أن قيد القيد أيديكم ولاقت مرَّ العذاب الجسوم
همم، لو هوت نجوم لإعظاٍم لأهوت تجلهنَّ النجوم
كلما هَّم أن ينهنه منها بضروب النكال جان أثيم
قام روحٌ من الإله يقويها فيشتد أزرها فتقوم
وطني، بي مما عراك شجون وبقلبي مما دهاك كلوم
الرزايا حلت بساحك والأيام جارت والبؤس فيك عميم
الأيامي، ويا لبؤس الأيامي خضب الأرض دمعها المسجوم
رفرفت حولها فراخ مهازيل براها الشقاء فهي رسوم
أجنحٌ ما نمت قوادمها الزغبُ وقد هاضها المصاب الجسيم
هاضها اليتم وهي في جدة الريش ويا شدَّ ما يلاقي اليتيم
والنسور الأباة لما استضيمت ضاق عنها في الأرض هذا الأديم
أَنِفَتْ عيشة الهوان وراحت في سما المجد والعلاء تهيم
أعنقتْ تستجيب للواجب الأسمى دعاها إليه حقٌّ هضيم
لم تبال الهول المبيد ولم تفلل شباها صواعق ورجوم
ترسل الموت فاغراً فاه عن زر ق حداد وهو الأكيل النهيم
يا ضحايا الجهاد في ذمة الله لأنتم مجدُ البلاد المروم
أيّ نار كنتم وقود لظاها لو وعاها لريع منها الجحيم
قد تركتم في مصحف المجد ذكراً هو باق على الزمان مقيم
سطرته لكم مواقعُ حُمرٌ صبغتها جراحكم والكلوم
(جبل النار)

