لم نقل مع المتنبي : (( عيدٌ بأية حال عدت يا عيد )) فقد وصل ونحن بعافية ، فلله الحمد وعليه الثناء ، أدام الله علينا وعلى قرائنا نعمة الشعور بكرمه الموصول
١ - في يوم العيد وصل خطاب من الأستاذ حافظ محمود يقول فيه إن هجوم السيد حسن القاياتي مدسوس عليه ، وأنه لم يخط بقلمه حرفا مما دار حوله الجدال في الأسابيع الماضية ، ويدعوني إلى كتابة كلمة ترضية يطيب بها قلب ذلك الصديق
وأقول إن المعلومات التي تضمنتها الخطابات المنشورة باسم الأستاذ القاياتي معلومات مريبة لأنها متصلة بشؤون لا يعرفها سواه ، فإن لم يكن هو الكاتب فلن ينكر أنه مصدر المكتوب ، وبهذا يقع عليه شيء من المسئولية
ثم أقول إنه كان يستطيع تكذيب ما نشر باسمه لأول مرة فينحسم الخلاف قبل أن يطول ، ولكنه سكت نحو خمسة أسابيع ، ثم بدأ في التشكي من العدوان عليه ، وهذا من أغرب ما يقع في معاملات الناس
وأنا مع هذا أعتذر للصديق عما بدر مني في مساجلته ، وأعلن أني أعتز بصداقته كل الاعتزاز ، وأني لن أسمع فيه كلاما ولو نشر بنفسه في مغاضبتي ألف خطاب
وهنا أذكر مذهبي في معاملة رجال الأدب ورجال السياسة ،
وهو مذهب يستحق التنويه و يصلح للاقتداء ، فما ذلك المذهب؟
خلاصة هذا المذهب أني لا أتكلم عن أهل الأدب والسياسة بما يشبه النقد في أي مجلس ، لأن الكلام عرضة للتزيد والتحريف ، وإنما أكتفي بما يخطه قلمي في الجرائد والمجلات ، إن طاب لي أن أناوش أحد الرجال
وأذكر أيضاً أني أعيش في عزلة بعد الرجوع من عملي _ إلى بيتي ، فما يحتاج إلى غشيان الأندية غير من يعيشون بمنجاة من متاعب الواجبات ، وأنا أحمد الله الذي تفضل فأكثر من أعبائي في حياتي ، بحيث لا أجد فرصة لمسامرة المعارف والأصدقاء ، فمن زعم أنه رآني وأني حدثته عن فلان أو علان بيكيت أوكيت فهو من الكاذبين
٢ - من عادتي أن أزور قصر جلالة الملك في يوم العيد لأتشرف بتقييد اسمي ، ولأرى من كبار الرجال من لا يتسع الوقت لرؤيتهم في غير ذلك الجناب
وقد تأخرت قليلا في هذه المرة فلم أصادف غير الدكتور هيكل باشا والأستاذ فؤاد باشا سراج الدين ، مع حفظ الحق لبقية من رأيت هنالك من رجال الأدب والبيان
وضاعت الفرصة في لقاء النقراشي باشا ، ولو رأيته لاعتذرت عن ضياع حظي من زيارة داره في رمضان ، مع أنه من جيراني بمصر الجديدة ، ومع أن زواره يتزودون بأكرم زاد من أطايب الأحاديث ، بفضل المجلس الذي ينعقد بداره في أمسية رمضان ، كما كان الحال في أكثر البيوت قبل الزمن الجديد ، زمن السهر في الأندية والقهوات
٣ - كان يجب أن أزور أهلي وأقربائي في سنتريس ، ولكني رجعت غضبان ، غضبان من شؤون لا تغضب إلا من يكون في مثل حالي من حب البر وبغض العقوق
وقضى الزحام باليأس من الظفر بمكان في إحدى السيارات ، فتفضل صديق بتوصيلي إلى القناطر الخيرية لأركب القطار من هناك ، ولكن القطار تحرك قبل وصولي بدقائق ، ولا بد من الانتظار نحو ثلاث ساعات ، فماذا أصنع ؟
وقفت على قنطرة الرياح التوفيقي مع الواقفين وهم عشرات
أو مئات في انتظار السيارات ، فماذا أصنع ؟ فكرت في مروءة أصحاب السيارات الخصوصية ، وقد
يكون فيهم من يعرفني ، فكنت أقول كلما مرت سيارة خصوصية : (( خذوني معكم )) ولكن أين من يسمع؟
واستمعت سيارة لندائي ، وبدت منها يد لطيفة كأنها الغرام في ليلة عيد ، فمضيت وركبت وأنا لا أصدق أنني وصلت ! ولكن أين صاحب السيارة ؟
لقد نزل للبحث عني ، ثم تاه في غمار تلك الخلائق ، فهتفت صاحبة المعصم تعال تعال فالدكتور وصل !
وبعد التحيات المعروفة في مثل هذه الظروف مضت السيارة وأنا لا ألتفت إلى الوجه الذي يشع نوره بمثل ما تشع الشمس عند الأصيل ، وهل يليق بي أن ألتفت إلى وجه سيدة قد تكون زوجة هذا الرفيق ؟ - حيها يا دكتور بكلمة - ومن أحي ؟ - هذه نور - أي نور ؟ - نور الهدى بطلة (( فلم جوهرة ))
والتفت فإذا فتاة لطيفة في لون الصهباء ، لم يشعشع وجهها بطلاء ، فعرفت كيف كان العرب يصفون المرأة الجميلة بأنها صفراء
هل رأيتم جمال الاصفرار في حيوية اللون ؟ ودار الحديث حول التمثيل والممثلين فقلت : إحرصي يا بنيتي على الانتفاع بعبقرية الأستاذ يوسف وهبي ، فهو أعظم فنان في هذا الزمان
قال صاحب السيارة : أهذا رأيك في الأستاذ يوسف وهبي ؟ قلت : هو رأيي قال : وتسمح بتدوينه في مجلة الرسالة ؟ قلت : وفي جميع المجلات، وسأخصك بحديث قال : أرجوك أن تغفل اسمي ، لأسباب لا أملك عرضها عليك وصلنا إلى القاهرة لنفترق ، ولأبحث عن الأسباب التي
توجب أن أغفل اسم ذلك الصديق، فما تلك الأسباب ؟
كانت هنالك وليمة عيدية في (( عزبة الصباح )) ، وكان في الوليمة فنانون وفنانات ، وكانت (( نور الهدى )) في العودة من نصيب سيارة هذا الرفيق
وعرفت بعد لأي أن مجلة الرسالة أثيرة عند زوجة صاحب السيارة ، وأنها قد تغضب عليه إن عرفت من حديثي بمجلة الرسالة أنه رأى (( نور الهدى )) في يوم عيد
سأكتم اسمك يا صديقي ، لئلا تثور زوجتك ، فلن أقول أنك صاحب جريدة يومية ، ولن أقول أنك كاتب من الطراز الأول ، ولن أقول إنك المثال في هندمة الأسلوب ، والأساليب تهندم كما تهندم الثياب
إن زوجتك لن تعرفك من حديثي ، لأني أكره النميمة ، فنم بعافية ، وإن ارتابت زوجتك في بشاشة وجهك فحدثها أنك طوفت بسيارتك في شوارع (( مصر الجديدة )) يوم العيد
إن التلاميذ يخفون عن آبائهم خطابات نظار المدارس ، فأخف عن زوجتك هذا العدد من مجلة الرسالة ، وقل أنه ضاع في البريد، بسبب ازدحام الرسائل في أيام العيد ، أحياكم الله إلى ألف عيد !
