الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 536الرجوع إلى "الرسالة"

أحاديث العيد

Share

لم نقل مع المتنبي : (( عيدٌ بأية حال عدت يا عيد )) فقد  وصل ونحن بعافية ، فلله الحمد وعليه الثناء ، أدام الله علينا وعلى  قرائنا نعمة الشعور بكرمه الموصول

١ -  في يوم العيد وصل خطاب من الأستاذ حافظ محمود  يقول فيه إن هجوم السيد حسن القاياتي مدسوس عليه ، وأنه لم  يخط بقلمه حرفا مما دار حوله الجدال في الأسابيع الماضية ،  ويدعوني إلى كتابة كلمة ترضية يطيب بها قلب ذلك الصديق

وأقول إن المعلومات التي تضمنتها الخطابات المنشورة باسم  الأستاذ القاياتي معلومات مريبة لأنها متصلة بشؤون لا يعرفها  سواه ، فإن لم يكن هو الكاتب فلن ينكر أنه مصدر المكتوب ،  وبهذا يقع عليه شيء من المسئولية

ثم أقول إنه كان يستطيع تكذيب ما نشر باسمه لأول مرة  فينحسم الخلاف قبل أن يطول ، ولكنه سكت نحو خمسة أسابيع ،  ثم بدأ في التشكي من العدوان عليه ، وهذا من أغرب ما يقع  في معاملات الناس

وأنا مع هذا أعتذر للصديق عما بدر مني في مساجلته ،  وأعلن أني أعتز بصداقته كل الاعتزاز ، وأني لن أسمع فيه كلاما  ولو نشر بنفسه في مغاضبتي ألف خطاب

وهنا أذكر مذهبي في معاملة رجال الأدب ورجال السياسة ،

وهو مذهب يستحق التنويه و يصلح للاقتداء ، فما ذلك المذهب؟

خلاصة هذا المذهب أني لا أتكلم عن أهل الأدب والسياسة  بما يشبه النقد في أي مجلس ، لأن الكلام عرضة للتزيد  والتحريف ، وإنما أكتفي بما يخطه قلمي في الجرائد والمجلات ،  إن طاب لي أن أناوش أحد الرجال

وأذكر أيضاً أني أعيش في عزلة بعد الرجوع من عملي _ إلى بيتي ، فما يحتاج إلى غشيان الأندية غير من يعيشون بمنجاة  من متاعب الواجبات ، وأنا أحمد الله الذي تفضل فأكثر من  أعبائي في حياتي ، بحيث لا أجد فرصة لمسامرة المعارف  والأصدقاء ، فمن زعم أنه رآني وأني حدثته عن فلان أو علان  بيكيت أوكيت فهو من الكاذبين

٢ -  من عادتي أن أزور قصر جلالة الملك في يوم العيد  لأتشرف بتقييد اسمي ، ولأرى من كبار الرجال من لا يتسع  الوقت لرؤيتهم في غير ذلك الجناب

وقد تأخرت قليلا في هذه المرة فلم أصادف غير الدكتور  هيكل باشا والأستاذ فؤاد باشا سراج الدين ، مع حفظ الحق  لبقية من رأيت هنالك من رجال الأدب والبيان

وضاعت الفرصة في لقاء النقراشي باشا ، ولو رأيته لاعتذرت  عن ضياع حظي من زيارة داره في رمضان ، مع أنه من جيراني  بمصر الجديدة ، ومع أن زواره يتزودون بأكرم زاد من أطايب  الأحاديث ، بفضل المجلس الذي ينعقد بداره في أمسية رمضان ،  كما كان الحال في أكثر البيوت قبل الزمن الجديد ، زمن السهر  في الأندية والقهوات

٣ -  كان يجب أن أزور أهلي وأقربائي في سنتريس ،  ولكني رجعت غضبان ، غضبان من شؤون لا تغضب إلا من  يكون في مثل حالي من حب البر وبغض العقوق

وقضى الزحام باليأس من الظفر بمكان في إحدى السيارات ،  فتفضل صديق بتوصيلي إلى القناطر الخيرية لأركب القطار من  هناك ، ولكن القطار تحرك قبل وصولي بدقائق ، ولا بد من  الانتظار نحو ثلاث ساعات ، فماذا أصنع ؟

وقفت على قنطرة الرياح التوفيقي مع الواقفين وهم عشرات

أو مئات في انتظار السيارات ، فماذا أصنع ؟ فكرت في مروءة أصحاب السيارات الخصوصية ، وقد

يكون فيهم من يعرفني ، فكنت أقول كلما مرت سيارة خصوصية :    (( خذوني معكم ))  ولكن أين من يسمع؟

واستمعت سيارة لندائي ، وبدت منها يد لطيفة كأنها الغرام  في ليلة عيد ، فمضيت وركبت وأنا لا أصدق أنني وصلت ! ولكن أين صاحب السيارة ؟

لقد نزل للبحث عني ، ثم تاه في غمار تلك الخلائق ، فهتفت  صاحبة المعصم تعال تعال فالدكتور وصل !

وبعد التحيات المعروفة في مثل هذه الظروف مضت السيارة  وأنا لا ألتفت إلى الوجه الذي يشع نوره بمثل ما تشع الشمس  عند الأصيل ، وهل يليق بي أن ألتفت إلى وجه سيدة قد تكون  زوجة هذا الرفيق ؟ -  حيها يا دكتور بكلمة -  ومن أحي ؟ -  هذه نور -  أي نور ؟ -  نور الهدى بطلة (( فلم جوهرة ))

والتفت فإذا فتاة لطيفة في لون الصهباء ، لم يشعشع وجهها  بطلاء ، فعرفت كيف كان العرب يصفون المرأة الجميلة بأنها صفراء

هل رأيتم جمال الاصفرار في حيوية اللون ؟ ودار الحديث حول التمثيل والممثلين فقلت : إحرصي يا بنيتي  على الانتفاع بعبقرية الأستاذ يوسف وهبي ، فهو أعظم فنان  في هذا الزمان

قال صاحب السيارة : أهذا رأيك في الأستاذ يوسف وهبي ؟ قلت : هو رأيي قال : وتسمح بتدوينه في مجلة الرسالة ؟ قلت : وفي جميع المجلات، وسأخصك بحديث قال : أرجوك أن تغفل اسمي ، لأسباب لا أملك عرضها عليك  وصلنا إلى القاهرة لنفترق ، ولأبحث عن الأسباب التي

توجب أن أغفل اسم ذلك الصديق، فما تلك الأسباب ؟

كانت هنالك وليمة عيدية في (( عزبة الصباح )) ، وكان  في الوليمة فنانون وفنانات ، وكانت (( نور الهدى )) في العودة  من نصيب سيارة هذا الرفيق

وعرفت بعد لأي أن مجلة الرسالة أثيرة عند زوجة صاحب  السيارة ، وأنها قد تغضب عليه إن عرفت من حديثي بمجلة  الرسالة أنه رأى (( نور الهدى )) في يوم عيد

سأكتم اسمك يا صديقي ، لئلا تثور زوجتك ، فلن أقول  أنك صاحب جريدة يومية ، ولن أقول أنك كاتب من الطراز  الأول ، ولن أقول إنك المثال في هندمة الأسلوب ، والأساليب  تهندم كما تهندم الثياب

إن زوجتك لن تعرفك من حديثي ، لأني أكره النميمة ،  فنم بعافية ، وإن ارتابت زوجتك في بشاشة وجهك فحدثها أنك  طوفت بسيارتك في شوارع (( مصر الجديدة )) يوم العيد

إن التلاميذ يخفون عن آبائهم خطابات نظار المدارس ،  فأخف عن زوجتك هذا العدد من مجلة الرسالة ، وقل أنه ضاع  في البريد، بسبب ازدحام الرسائل في أيام العيد ، أحياكم الله إلى  ألف عيد !

اشترك في نشرتنا البريدية