نشر الكاتب الإنكليزي الكبير الدوس هكسلي حفيد العلامة هكسلي مقالا عن مصاير السلام يقول فيه إن عام ١٩٣٦ سيكون عاماً حاسماً في تاريخ البشرية؛ ذلك أنه إما أن يكون عام حرب أو عام سلام؛ إما أن يستطيع الساسة فيه أن يحتفظوا بسلام أوربا وإما أن تفلت الحوادث من يدهم وينحدر العالم إلى الحرب
والدول التي تسيطر على مصاير العالم اليوم هي سبع: بريطانيا العظمى وفرنسا والولايات المتحدة والروسيا - وهذه في نظر الكاتب هي الدول (الراضية) - ثم ألمانيا وإيطاليا واليابان، وهذه هي الدول (غير الراضية) ، وذلك لأن الاحتكار الاستعماري والاقتصادي الذي تنعم به الدول الراضية قد اشتدت وطأته في الأعوام الأخيرة من جراء السياسة القومية التي تتبعها، والنظم الجمركية والاقتصادية التي تنظمها، لتوطيد تجارتها وسحق تجارة الدول الأخرى. والدول غير الراضية لها كل الحق في أن تنقم على الدول الراضية هذا الاستئثار؛ ذلك لأن مستوى الحياة في إيطاليا وألمانيا واليابان يهبط بالتدريج، وسيستمر على هذا الهبوط؛ والحياة في هذه البلاد تغدو كل يوم أشد وطأة، حتى أصبحت ترى أن المغامرة بخوض الحرب أفضل من أي سلام مسكين تجنيه في ظل هذه الظروف التعسة. وقد قامت في هذه الدول الثلاث حكومات تعد شعوبها بأن ترد بالقوة القاهرة عنها هذا الحيف؛ فأما اليابان فقد انقضت على بعض أقاليم الصين؛ وتحاول إيطاليا أن تفتتح الحبشة؛ وربما أقدمت ألمانيا في فرصة قريبة على محاولة نيل الترضية اللازمة، وربما كان ذلك على حساب روسيا أو أوربا الوسطى
وقد شهدت السياسة الدولية تطوراً عظيما في المبادئ، وذلك بتطبيق مبادئ وإجراءات إجماعية (أخلاقية) ؛ ولكنا إذا أردنا السلام وجب أن نشتد في تطبيق هذه المبادئ الإجماعية إلى حدود أخرى؛ وإذا كانت إيطاليا تتبع سياسة غاشمة فذلك لما حاق بها من الظلم؛ وليس ثمة وسيلة واحدة لدفع هذا الحيف عن الدول غير الراضية سوى معاملتها ومعاملة دول أوربا الوسطى بعدالة
ويرى الكاتب أن الحرب والسلام بيد الدول نفسها، فإذا أصرت الدول الراضية على التمسك باحتكارها الاقتصادي الذي كسبته بوسائل غير عادلة، وإذا حاولت أن تتسلح حتى الذروة لتحتفظ به، فإن الحرب واقعة لا محالة وأما إذا اعتزمت الدول الراضية أن تسير طبقاً لمبادئ الأخلاق، وهي في نفس الوقت مبادئ حسن التصرف، فان السلام يغدو محققاً مكفولا
