(( وللناس فيما يعشقون مذاهب )) . . . . هكذا يجرى المثل السائر ، وليفسره القارىء الكريم كما يشاء ، فهو يجرى معه بسهولة ولبونة بسيرتين ، إن شاء قال : (( وللناس فيها يأكلون مذاهب )) وان شاء (( وللناس فيما يشربون مذاهب )) ، ويجوز له القول (( وللناس فيما يذهبون مذاهب )) . ويحلو القول أيضا (( وللناس فيما يسمعون مذاهب )) .
وعلى أساس ترديد هذه البديهيات أقول بأنى من عشاق الغناء الشعبى . بل أذهب إلى أبعد من هذا وأصارح القارىء بأنى كثيرا ما أصغى إلى السينفونى والرومبا . . . والموسيقى الكلاسيك وغيرها من مختلف التراكيب الموسيقية ، فأطرب لبعضها بعض الطرب ، وتمر بعض ألحانها على أذنى مرا، وأعجب أحيانا من بعض الروائع ، وأحيانا أهز رأسى استحسانا ، وعلى غير فهم ، لئلا أرمى بقلة الذوق وتبلد الشعور . ولكن مهما يكن الأمر فانى أستطيع الجزم بأن ما أسمعه ليس من انعكاس البيئة ، ولا هو الضرب على الوتر المطلوب . فيكون تذوق هذا اللون من الغناء والموسيقى بقدر التأثر بالبيئة التى أنجبته وابتدعته . أيها القارىء الكريم . .
يلذ قول (( آخ )) عند مايجرح الإنسان ، ويحلو الأنين
عند الشعور بصداع أو بألم ، ويلذ (( التمتق )) عند جفاف الريق . فالتنفيس الطبيعى من أثر الدوافع الطبيعية هو الأدب الصادق ، وما عداه فهو هراء . . وهذا الأدب الصادق هو من أهم مميزات الأغانى الشعبية بصورة عامة .
ومما يميز أغانينا الشعبية تلك النزعة القوية التى تجمع بين الحب والنخوة ، وهما أهم عناصر الفتوة . زينة العمر شبابه ، وزينة الشباب فتوته . . اسمع الراعى يقول وقد اعتلى ظهر الجبل معتزا بفتوته :
بما مويل الهوى بما مويليا
ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيا
مويل تصغير موال للتحبب . والهوى أنعمنا الله بلفحة منه وهو مقصور الألف (يعنى لفحة هوى لاهواء) فكان الراعى يقول : أماه (( أنشودة الحب أنشودتي )) ولكن حبه لا يوحى له بيالوعتى ويا شقاى ويا ضنا حالى . بل هوى يوحى بعزة النفس حين يقول :
ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيا .
وما أروع عزة النفس من وحي الهوى . واسمع راعينا مرة أخرى يقول :
لأطلع عراس الجبل واشرف على الوادى
وأقول يا مرحبا نسم هو بلادى
حنين صادق يدل على الوفاء والأريحية ، هكذا تعكس الأغانى ألوانا من المشاعر النبيلة . اسمع الطفل يهزج :
يارب تكبر مهرتى تكبر وأنا خيالها .
أمنية عزيزة جميلة ، تصور نفس طفل تصبو للفروسية ، والفروسية خلق ورباضة ، وهي أسمى مرائب الفتوة . مأوا سمعت :
زحله عروس مزينة ومزينة برجالها . .
وأية زينة أجمل وأجل من الرجولة ؟ فالعروس جمال والرجولة جلال ، والأثنتان معا جمال وجلال . . ينير - فلسطين
