الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 86الرجوع إلى "الرسالة"

أدولف

Share

لا يزال فن القصص عندنا في بدء مرحلته الأولى، ولا زال  أدباؤنا يتلمسون طريقهم إلى القصة ويتوقون إلى رؤية هذا الفن  من فنون الأدب، وقد انقاد لهم ووصل في أدبهم إلى مثل تلك  الدرجة التي وصل إليها في الآداب الغربية، ذلك لأن القصة في  منحاها وطبيعة تركيبها، من أهم وسائل التثقيف وأيسرها، كما  أنها من ألذ ضروب الاستمتاع وأقربها إلى القلب والذهن،  والقصة الجيدة بلا شك هي الحياة في ناحية من نواحيها، ففيها  ما في الحياة من معان، وفيها الحياة من اضطراب

وهذا الافتقار في أدبنا إلى القصة، يجعلنا نرحب بكل  تعريب جيد لشهيرات القصص في الأدب الغربي، إذ بذلك  تتوفر لدينا النماذج وتتنوع المثل، فضلاً عما يكون لمثل تلك  القصص من عظيم الأثر في تهذيب الذوق وصقله، وإيقاظ  العواطف وحسن توجيهها

نعم إن لكل أمة ذوقاً، ولكل أمة شرعة ومهاجاً،  ولكل أمة وجهة تتجه إليها حسب ما ركب في طبيعتها من  ميول، وفن القصص ملكة لا تكتسب، ولكن الأديب المصري  الموهوب مع ذلك لابد له من نماذج، وهو كفيل أن يشكل  قصته على هدى تلك النماذج حسبما يتفق مع بيئته

ولقد اختار الدكتور حسن صادق قصة أدولف، فنقلها إلى  العربية، وهي من القصص الفرنسية التي حازت عظيم الشهرة  في أوربا كلها، وهي واحدة من تلك القصص التي تلائم كل بيئة  وكل عصر، فليست من ذلك النوع المحصور الذي يتقيد في  وضعه بغاية محدودة كالدعوة إلى إصلاح اجتماعي في ناحية من  نواحي الحياة، أو من ذلك النوع الذي تصور فيه أمال ومثل  عصر من العصور، حتى إذا انقضى ومنها أصبحت لأغنية فيها،  بل هي من تلك الآثار الخالدة التي تساير الحياة وتغالب الفناء،

وحسبك أنها قطعة فنية تقرأ فيها خطرات نفس كبيرة أملتها  تلك العاطفة المشبوبة، عاطفة الحب في شرخ الشباب

ولما كانت هذه ميزتها، فأنا أعتقد أن المترجم الفاضل قد  أحسن الاختيار فقدم إلى قراء العربية أثراً أدبياً جميلاً ستلذهم  قراءته وسيعجبهم ما جاء فيه من روعة التعبير عن خلجات النفس  ومنازع القلب، ولقد أحسن أيضاً حين قدم لكتابه بفصل طويل  دقيق، شرح فيه حياة المؤلف وحياة العصر الذي عاش فيه، مما  جعل كتابه يجمع إلى اللذة الفنية، لذة ذلك البحث التاريخي القيم

أما أسلوب الترجمة فمتين مشرق، تحس به في أول الكتاب  عسيراً بعض العسر، ولكنه لا يلبث أن يلين ويعذب ثم يطرد،  وقد تتراءى في بعض مواطنه بعض الصور والتراكيب الفرنسية  نشأت من محافظة المترجم على دقة الترجمة، ولكن الأسلوب على  الجملة صحيح التركيب، فصيح الأداء، يشهد للمترجم بما بذله من  الجهد وما تحراه من الإجادة

أما عن القصة في ذاتها فإني مع شديد إعجابي بها وتأثري  بقراءتها تأثراً عميقاً، قد أحسست فيها ظاهرة أحسب القراء  جميعاً سيحسونها مثلى، ذلك أن خواطر المؤلف كلها تدور حول  نفسه وحول حبيبته، مما ضيق مجالها وتركها خالية من ذلك  الجو الشعري الذي يوجد في مثل تلك الآثار الأدبية العظيمة،  ومن تلك الأفكار الفلسفية الباهرة التي يعلق بها أصحاب تلك  الآثار على ما سيصادفهم من ظروف ومواقف، فيزيدونها روعة  وقوة، كما أن القصة تكاد تكون خالية من الأوصاف الطبيعية  ومن أوصاف الرجال والبيئات. فهي من ناحية التعبير عما في   تدور حول عاطفة الحب قد بلغت غاية الجودة، ولكنها بالاقتصار  على ذلك فقدت كثيراً من الصور والأطياف التي تشعر المرء لدى  قراءة القصة بصدى الحياة

هذا وإني لأشكر للدكتور حسن صادق ما بذل من مجهود  وأرجوه أن يتحف قراء العربية بين حين وآخر بمثل هذه النفحة  الساحرة من أدب الغرب

اشترك في نشرتنا البريدية