الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 1الرجوع إلى "الفكر"

أسلوب التعليم بجامعة الخرطوم ، واستقلال الجامعة

Share

سأحاول فى هذه اللمحة القصيرة ألا أعيد بقدر المستطاع ما قد جاء في تقرير الاستاذ ميتشال قرانة .

انه لم تمر ثلاث سنوات على وجود جامعة الخرطوم باعتبارها مدرسة عليا مستقلة لها شهائدها ولكنها تحصلت على استقلالها الداخلي منذ سنة 1945 حين انظمت مختلف المدارس العليا بعضها لبعض واجتمعت تحت اسم " معهد قردن " القديم وفى سنة 1951 التحقت بهذا المعهد اقدم مدارسنا العليا اعني مدرسة كتشنار الطبية التى اصبحت " مدرسة الخرطوم الجامعية " الملحقة بجامعة لندن التحاقا خاصا ولم تتحصل هذه المدرسة على القانون الجامعي الكامل الا فى يوليه 1956 .

وفى ابريل 1959 سينال الفوج الاول من الطلبة شهائده من بعض كليات جامعة الخرطوم .

ان المؤسسة التى اتحدث عنها احتفظت خلال مراحلها المختلفة بميزة توجد حتى فى مدرسة قردن القديمة ايام لم تكن سوى معهد ثانوى ذلك ان التعليم الجامعى بها يجرى على النمط الانقليزى ، فلغة التدريس ما زالت الى الآن وربما لا تزال الى امد طويل اللغة الانجليزية ماعدا تدريس العلوم الاسلامية واللغة العربية وتاريخ الشرق . ومازالت الصلة بلندن قائمة بصفة شبه رسمية على طريق ممتحنين خارجيين واستشارات " اكاديمية " تجرى دوريا والى الان يساعد المجلس الداخلى لجامعة لندن جامعة الخرطوم فيما يتعلق بانتداب رجال التعليم كما ان اساتذة الجامعات البريطانية يسدون لها ينصائحهم - بصفتهم مستشارين اكاديميين - لتسمية او ترقية افراد اسرة التعليم برتبة قراء او اساتذة . واما مستوى الرتب والألقاب الاكاديمية فهو يطابق مستوى الجامعات البريطانية هذا وان رجال التعليم المؤلفين من بريطانيين وسودانيين ومصريين يمتازون بنفس الميزة ، ذلك أن السواد الاعظم من المجازين والمبرزين تخرجوا  من جامعات بريطانية بينما عدد خريجي الجامعات الامريكية ضئيل جدا .

وكان لهذه الوضعية مفعول ايجابى ذلك ان جميع افراد رجال التعليم يقومون بعمل مشترك مبنى على نفس الاساس الاكاديمي فانتصرت روح التعاون والتضامن المهنى على ازمة السويس سنة 1956ولم تعكر الحوادث ما يسود بين البريطانيين والمصريين من جو جامعي ولم تدخل اى اضطراب على سير التدريس

ان جامعة الخرطوم كما لاحظ الاستاذ قراية يسيرها مجلس يشارك فيه نواب مجلس الشيوخ الجامعى وافرادها رجال التعليم الذين لا يشاركون الان فى مجلس الشيوخ الجامعى كما يشارك فيه أيضا الوزارات المعنية بالامر ومكتب الجزيرة وحاملو شهادات الحجر التجارية والمهن المتطلبة لتكوين خاص والغاية من هذه المشاركة هى التوحيد بين الاسرة الجامعية وأشد عناصر المجتمع حيوية فيما يتعلق بادارة شؤون الحياة الجامعية

وليس للحكومة أى تدخل مباشر أو غير مباشر في شؤون الجامعة مع أنها تتحمل أعباء المسائل المالية ، فممثلو الوزارات الذين يشاركون في المجلس المذكور لايتلقون تعليمات من وزرائهم . وكل المشاكل المتعلقة بالجامعة يقع لخوض فيها عادة فى البرلمان من طرف وزير التربية القومية حتى لا يبقى أى شك فى استقلال الجامعة الداخلى .

والسودان يسعى الان سعيا موفقا للتغلب على مشاكله الاقتصادية والمالية فالمجلس الجامعى يقوم بالتخفيضات التى يراها متحتمة في ميزانيته . هذا وان الحكومة - والرأى العام يساندها فى ذلك - تعترف بأهمية الجامعة في حياة الامة لذا تسعى جهدها كى تتجنب التخفيضات الباهضة من اعانتها المالية لها حتى لا يتباطأ سير التقدم المنجز ولا تنهار المشاريع المسطرة .

وأما فيما يتعلق بدور الجامعة فى المجتمع فانى لا أعرف مؤسسة مماثلة عادت بالنفع العميم على السودان مثل جامعة الخرطوم فهي التي تضطلع بمهمة اعداد تلاميذها للمناصب الاكاديمية والمهنية والادارية والتربوية وقد أعترف لها بهذا الدور كامل الاعتراف يوم تحصل السودان على استقلاله وتمكنت جميع المصالح الحكومية فى الشروع في سياسة سوادنية صرفة

فرجال التعليم يشاركون زملاءهم فى الحكومة فى القيام بشتى البحوث ويعود  هذا الى العهد الذى كانت فيه مخابر البحوث الاستوائية ذات النفع الجزيل  للبلاد مرتبطة بمعهد قردن القديم وهناك بعض مشاكل أثارها ارتباط المجتمع بالجامعة فيما يتعلق بتكوين الموظفين والاختصاصيين الذين تحتاجهم البلاد وتنحصر هذه المشاكل خصوصا في بعض التضارب بين عدد الكفاءات المطلوبة وبين مستوى الرتب . فالمسألة هي الاتية : هل ينبغي الحصول على العدد المطلوب ولو على حساب المستوى أم هل ينبغي المحافظة على هذا المستوى على حساب النتائج العديدة وفي الساعة الراهنة يجرى العمل حسب المنهاج الثاني .

ان معظم رجال التعليم - كما جاء فى تقرير الاستاذ قرانة - يتألفون من أشخاص أجانب عن البلاد وقع اختيارهم بطريقة المناظرة من طرف لجان خاص باشارة من المستشارين الخارجيين ويقع من آن الى آخر تعديل شروط الانتداب حتى يتم الحصول على أحسن العناصر ويقع تشغيل الاشخاص المنتدبين على أساس عقد لمدة خمس سنوات تجدد لنفس المدة بصفة غير نهائية .

وهناك طريقة لاعداد السودانيين تمكنهم من الحصول على الكفاءات المطلوبة العمل قار وبما ان شهاداتنا تطابق مستوى تعليميا ساميا فلا يتسنى لاى سودانى كان أن ينضم الى سلك رجال التعليم ان لم يبرهن على كفاءة ضرورية

فالسياسة المتوخاة فى هذا الظرف لا ترمى الى التعجيل بالسودنة بل الى الاكثار فى الجامعة - بقدر المستطاع - من أعضاء سودانيين قارين أكفاء لا لشغل مراكز اكاديمية بالخرطوم فحسب بل حتى فى جامعات أخرى ذات مستوى راق . ولا تقع تسمية الشخص محاضرا أو أستاذا الا اذا قدم نشريات لها قيمة علمية حقيقية مؤيدة من طرف المستشارين الخارجيين

ولاتقع الترقية من سلم الى سلم باعتبار الاقدمية فحسب . ونتيجة لهذا الاجراء تكاثر عدد السودانيين بالمناصب الصغرى وسوف تنقضى سنوات عديدة قبل أن يقع تكليفهم باحتلال معظم كراسى التدريس ومعنى هذا ان الاساتذة الاجانب الموجودين الآن يتمتعون بأكثر ضمان من المحاضرين البسطاء وقد يلغي تجديد عقدة استاذ لا سبيل الى تعويضه بسودانية حتى يقع انتداب استاذ له أكثر كفاءة وفي بعض الاحيان يغادر اساتذة أجانب الخرطوم للحصول على مركز فى بلد اخر اما لاسباب شخصية واما لوجودهم به أكثر ضمان .

وتعترف الجامعة بأهمية البحوث العلمية نظرا لمساهمتها العامة فى تقدم العلم ونظرا لما يتحتم عليها من واجبات نحو المجتمع.

وأنشئت فى جميع الكليات رتب مختلفة فى ميدان البحوث وتجرى ترقية رجال التعليم الى رتبة أكاديمية أسمى اثر بحوث جديدة يقدمونها وقد أعطيت لهم تسهيلات فى هذا الميدان

وان اعتبرنا أن جامعة الخرطوم جامعة فتية وان نقل رجال التعليم بها تتواتر كثيرا اذا قيست بما هى عليه فى الجامعات الاخرى فالنتائج المتحصل عليها الى الآن في ميدان النشريات والبحوث تسمح لنا بأن نتفاءل بالمستقبل

ان هذه البسطة القصيرة حول جامعة الخرطوم تثبت أننا استفدنا من كوننا مؤسسة جديدة فى بلد تحصل حديثا على استقلاله ليستأنف أحسن التقاليد للجامعات الاجنبية ويلائمها وحاجياته القومية . فالاسس والهيكل الاول أتت بنتائج مرضية فعلى الاسرة الجامعية والمجتمع السوادني أن يتمم تشييد العمارة على نفس القواعد مستعملين نفس المواد .

ورجاؤنا أن يواصل التقدم على نفس الطريق مع المحافظة على المبادىء العقلية الحالية .

اشترك في نشرتنا البريدية