. . بالرغم من أن الكتاب ظلوا ردحاً من الزمان يعيبون على الشركات وبيوت المال إغفالها اللغة العربية في خطاباتها ومعاملتها. . فإن المشاهد في أغلب المصالح الحكومية أن خطاباتها تزخر بالأخطاء اللغوية والنحوية والصفرية هذا فضلاً عما يدخلها من التعبيرات العامية والألفاظ الدارجة. .
وأذكر أنني وجهت ذات مرة نظر أحد الرؤساء إلى خطر هذه الظاهرة وإنه لا يليق بهيئة حكومية أن تدمغ بها فكان جوابه أن سفه آرائي ورماني بالإعراق والحذلقة. . وزعم أن الخطاب ما دام يؤدي الغرض المقصود منه فليس ما يدعو إلى إعمال الفكر وكد الخاطر في انتقاء الأساليب وتخير التعابير. . أما الأخطاء اللغوية والنحوية فليست في زعمه بذات بال. ولاحرج
على الموظف من الوقوع فيها لأن المقام ليس مقام (تحرير) وإنما (هو مقام تعبير) أياً كان. . والعجيب أن المسئولين لم يتنبهوا بعد إلى خطر هذه الظاهرة التي عمت فشملت المصالح كلها واستغرقت رسائلها حتى أضحت سخرية الساخرين ونادرة المتندرين. . .
إن الجهل _ للأسف الشديد ضارب أطنابه في كل مكان وقد نهض وزير عظيم يعمل على تعليم الشعب وتثقيفه؛ أفلا تقوم الرسالة بالدعوة إلى تعليم (المتعلمين) الذين يباهون بجهلهم بمبادئ لغتهم متى تخرجوا في المدارس والجامعات وشغلوا وظائف الحكومة؟
إن الرسائل المصلحية علم على جهلنا بلغتنا. . وجدير بالمسئولين أن يوجهوا إليها العناية والاهتمام حتى ننفض عنها غبار المستعمرين من ترك وأعاجم. . وحري بنا أن نذكر في هذا المقام كتاب الدواوين أمثال ابن المقفع وابن العميد ومن جرى مجراهما حين كانت لهذه الكتابة أهميتها وخطرها. . فإن هذا التراث الضخم قمين بأن يجعلنا نروي النظر فيما آلت إليه هذه الكتابة عندنا
من انحطاط وتدهور وبديهي أنا لا أطالب المصالح بأن يوجد على رأسها الكتاب الإنشائيون؛ ولكنا نطالب بأن تخلوا خطاباتها على الأقل من هذه الأساليب البالية وهذه الأخطاء البلقاء التي تدعو إلى الضحك وتحمل على السخرية وإني تحضرني بهذه المناسبة صيغة تعبير من التعبيرات التي تتصل بشئون الموظفين والتي لا يكاد خطاب مصلحي في هذا الشأن يخلو عنها وهي.
(نرجو التنبيه على الأفندي المذكور بكيت وكيت الخ. . .) فإن أقل وصف يوصف به لفظ الأفندي في هذا المقام أنه لفظ غير مهذب، وقس على ذلك باقي الأساليب المصلحية. .
وإني لأرجو أن يكون في هذه الكلمة العاجلة ما يحفز المسئولين على توجيه عنايتهم إلى علاج هذه الحال المؤسفة التي تدهورت إليها لغتنا في المصالح والدواوين. . .
