لا يختلف الطفل في أمريكا الجنوبية عن الشاب البالغ إلا بأنه أقل سناً وأقصر قامة. ولكنه لا يختلف عنه من الناحية النفسية على الإطلاق. والطفل في كل مدينة وكل إقليم يشترك في مظاهر الحياة العامة على اختلافها. ومن المظاهر المألوفة في (كويتو) أن يرى الطفل البالغ من العمر ست سنوات يطوف الشوارع في ثيابه الرسمية وعلى قبعته الرقم الذي يشير إلى وظيفته في الخدمة العامة
فإذا بلغ الطفل الثالثة من عمره أخذ أهله في تدريبه وإعداده للمزاحمة في الحياة. ويشاهد الأطفال في تلك البلاد وهم في الخامسة من أعمارهم في الأسواق العامة يبيعون السجائر والفاكهة والمجلات وأنواع الحلوى. ويرى المكاريون والسعاة من بين الأطفال الذين في الثامنة أو التاسعة من أعمارهم
والطفل في أمريكا الجنوبية في السنتين الأوليين من حياته، بعد لعبة طريفة عند والديه، يلبسانه ثياب الخز والديباج ويعرضانه في زهو وعطف على أصدقائهم. فإذا بلغ الثالثة أو الرابعة من سنه
بدأ يتبع نسق الحياة الذي اتخذه والداه. فإذا كان من الطبقة الفقيرة كان عليه أن يكسب بعض النقود عند ما يبلغ الخامسة من عمره.
وقد تشاهد في منتصف الليل كثيراً من البنات اللاتي لم يتجاوزن السابعة من أعمارهن على عرض الطريق يبعن الحلوى والأزهار. وكذلك الغلمان في هذه السن وهم يحملون أوراق النصيب أو علب (الورنيش) . ولا ينقطع هؤلاء الأطفال عن لشارع في الليل أو النهار، فلا تعرف في أي وقت يخرجون وفي أي وقت ينصرفون؟!
والطفل في جنوب أمريكا يعد عضواً عاملا في أسرته، يرتدي زي الكبار وله ما لهم من الحقوق. البنت الصغيرة مثلاً تتحلى بالخواتم وتلبس لأقراط وترتدي ثياب الحرير وتضع الطلاء وتتعطر بالروائح الزكية. وتصفف شعرها كما تفعل أمها على حد سواء. وكذلك يتزيا الصبي بزي أبيه فيلبس القبعة الفاخرة ويرتد الملابس الطويلة ويقتني الحلي والجواهري
إن جهاد هؤلاء الأطفال في الحياة العملية ليدعو حقاً إلى الإعجاب. فقد رأيت طفلاً في العاشرة من عمره يقوم بعمل حارس الليل في سفينة على نهر (كانالمبا) في فنزويلا. حيث الملاريا والحمى الصفراء والدسنطاريا والتماسيح، لا يساعده في هذه العزلة الموحشة إلا امرأة واحدة، وهو بعد مسؤول عن صحة الركاب الذين لا يقلون عن مائة شخص، مسئول لذلك عن راحتهم؛ ويقوم بأعمال النُّدُل في بعض القطارات أطفال في العاشرة والحادية عشرة من أعمارم، ويدير مصلحة تنظيف الشوارع في مدينة (كويتو) أطفال في السابعة ويقومون بعملهم على أحسن وجه
