الأدب و الحرب
بدأ تأثير حالة الحرب يظهر في الحياة الأدبية واضحاً جلياً ، فقد أحجم الكثيرون من المؤلفين عن طبع كتبهم لعدة عوامل تتصل بالحرب : منها غلاء اسعار الورق ، وارتفاع أثمان مواد الطباعة ، فضلا عن فتور الرغبة في القراءة ، وانصراف الناس إلي تتبع أخبار الحرب . وعلي ذلك لن يري الموسم الأدبى ذلك النشاط الذي دب فيه خلال العام الماضي والأعوام التي سبقته ، ولعل ذلك احدي وبلات الحروب .
ولا يقتصر الأمر في حالة الركود الادبي علي مصر ، فان الصحف الأدبية في الخارج قد بدأت توجه عنايتها إلي اخبار الحرب ، وما يتصل بالميادين والبلدان المتحاربة ؛ كذلك تتجه عناية الكتاب الأوربيين اليوم إلي الاتجاه
السياسي بين من لم يتطوع في الخدمة الحربية منهم . وقد استخدمت الحكومة الفرنسية فريقاً كبيراً من الكتاب الفرنسيين لأعمال الدعاية ضد الأعداء . ولعل القراء يذكرون اننا اشرنا يوما إلى اختيار الكاتب المسرحي البارع جان جيرودو رئيسا لمكتب الاستعلامات الفرنسي ، وهو المكتب الذي يشرف على إذاعة انباء الميادن ، ووصف المعارك ؛ وقد بدأ المسيو جيرودو عمله ، وطالعتنا الأنباء التلغرافية في الصحف بالبيانات الرائعة الاسلوب التي يصف بها القتال بين البولنديين والألمان
وهكذا تقف الحركة الأدبية في العالم بسبب الحرب . فهل يقدر للعالم بعد انتهاء هذه المجزرة ان يشهد نشاطاً أدبيا كذلك الذي شهده بعد الحرب العظمي ، أم سيعتري اليأس والخمول كل شئ حتى الحياة الأدبية ؟
تردد اسم المستر ونستون تشرشل الوزير الانجلزي الخطير في هذه الأيام ، بمناسبة استعانة الحكومة البريطانية به لمواجهة الحرب العالمية .
ولعل الكثيرين من القراء يلذمهم أن يعرفوا شيئاً عن حياة المستر تشرل العجيبة ، فهو أكثر سياسي انجلترا تعرضاً للأخطار ، وقد نجا من الموت ما يزيد على عشر مرات باعاجيب خارقة . فقد احترقت به الطائرة مرتين ، وسقطت به طائرة أخري وتحطمت علي الأرض ،
ولكنه بعد ساعتين من الحادث كان يلقي خطابا في مجلس العموم ، وقد ربطت ذراعه اليمنى بالضمادات ، وامتلا وجهه بالخدوش المختلفة . وفي إحدي زياراته لنيويورك صدمته إحدي سيارات التاكسى ومرت في الطريق ، فتحايل على نفسه حتى وصل إلي اقرب مستشفى ؛ ولما كان وزيرا للداخلية اقتحم حي إيست إند في اثناء إحدي المظاهرات ، وأشرف بنفسه على قمعها بين وأبل من الرصاص المتناثر حوله .
على ان أعجب حادث حدث للمستر تشرشل هو انقلاب سيارته أثناء ذهابه إلي قصر بلمورال لمرافقة ملك الانكليز إلي حفلة رسمية كان عليه ان يخطب فيها ، فقد كان في مكان يبعد عن القصر ما لا يقل عن مائة ميل ، كان على سائقه ان يقطعها في وقت قصير ، وفي طريق مليئة بالأوحال ، وجو ممطر غائم ؛ لذلك الحف على السائق في الإسراع ما امكن ، وقد اطاعه السائق ، وكانت النتيجة أن انقلبت السيارة في الأوحال ، ولولا غزارة الطين التي أدت إلي أن تغوص عجلات السيارة الجانبية إلي اخرها مما منع انقلاب السيارة تماماً لضاعت حياة تشرشل . ولكنه نجا هذه
المرة أيضاً ، واستطاع أن يصل إلي قصر بلمورال في حالة مضحكة ، فقد تمزقت ملابسه وتلوثت بالأوحال .
ومما يذكر عنه أيضا أنه كان ضابطا في حرب البوير وسقط اسيراً في يد الأعداء ، ولكنه استطاع الهرب بنفس الحظ الحسن الذي رافقه بعد ذلك طوال حياته ، ذلك الحفظ الذي يلازمه في كل ما يعمل ، حي إنه ربح في كتابين من كتبه خمسين الفاً من الجنيهات ، مع انه مجرد هاوٍ من هواة الكتابة .
وصية لبرنارد شو
من المعروف عن برنارد شو انه لا يا كل اللحوم قطعيا ، بل يعيش على النباتات فقط . وقد أصيب أخيرا بضعف أشار عليه الأطباء أنه لا بد لشفائه منه أن يأكل قليلا من اللحم ، وإلا تعرضت حياته للخطر ، ولكنه رفض بتاتاً ان يطيع اوامر الأطباء وكتب إلي إحدي الصحف يقول : " لقد أصبح أمر حياتي عجباً ، فهي تتوقف الآن على أن آكل قطعة من اللحم ، ولكني افضل الموت على هذا التوحش . لقد ذكرت في وصيتي تعليمات لمن سيتولون أمر تشييعي إلي القبر ، تنص على أن جثماني يجب الا يشيع بموكب معتاد من العربات التي تقل المشيعين ، وإنما بقطيع
من الأغنام والثيران ومجموعة من الدواجن ، وحوض كبير مملوه بالإسماك ، تسير كلها خلف نعشي مرتدية ملابس بيضاء تكريماً للرجل الوحيد الذي يؤثر الموت على أن يا كل زملاءه في الوجود والحياة . وستكون جنازني هذه إذا استثنينا سفينة نوح ، أعجب واعظم منظر من نوعه رأنه الإنسانية " .
بين ما ترلنك وشيرلي شمبل
كتب الكونت موريس مترلنك رسالة إلي شيرلي شمبل بمناسبة ظهورها في شريط سينمائي مأخوذ من قصته " الطائر الأزرق " يقول : " إنك الشخص الوحيد في العالم الذي لو ترك لي الخيار لاخترته وحده لكي يقوم بتمثيل هذه القصة
وقد بلغ من إعجاب الكاتب الكبير بالممثلة الصغيرة المحبوبة انه قبل ان يقدم للشريط بمحاورة بشترك فيها شخصيا يعرض فيها لتحليل قصته وتهيئة الأذهان لها .
وسوف يتم إخراج هذا الشريط خلال العام القادم . وقد راعت الشركة الى تتولى إخراجه ان يكون بالألوان الطبيعية ، وقد قدرت تكاليفه بمبلغ اربعمائة ألف من الجنيهات .
الغارات الجوية والأعصاب
لا يقف اثر الغارات الجوية عند حد التدمير والتخريب ؛ فهناك نتيجة لا تقل شأناً عن التدمير ، بل قد تفوقه في بعض الأحايين ، وهي ما تسببة الغارات من الفزع والرعب لدى السكان المدنيين ومدى تاثير ذلك فى الروح المعنوى للشعب المحارب .
وقد كتب المستر " وزتام فولس " من المشتغلين بالشئون الحربية في انجلترا مقالا جريئاً لفت فيه الأنظار إلي ان الحرب لن يعقد لواء النصر فيها إلا للشعب الذي بجمع إلي جانب القوة المادية والتنظيم العسكري ، قوة الإرادة والعزيمة ومتانة الاعصاب والقدرة على احتمال اعنف الهزات العصبية ، أو بالتالي ان الحرب الحاضرة لن يربحها إلا الشعب الذي استعد إلي جانب استعداده الحربي ، استعداداً أدبياً كافياً يقيه شر ما تحدثه مفاجات الحرب من تضعضع في الروح المعنوية .
ويضرب المستر وزنام مثلا لما يقوله ( الغارات الجوية ) فإن خطرها لا يقتصر كما قلنا على الأضرار المادية ، بل يتعدي ذلك إلي الحالة العقلية للأهلين ؛ فيجب الا يقل المجهود الذي يبذل لوقاية المدنيين من النتائج النفسية للغارة الجوية عن المجهود الذي يبذل لوقايتهم من نتائجها المادية ؛ والسبيل إلى ذلك ، كما يري مستر وزنام ، هو وحدة الشعور أو الأحساس المشترك بين الشعب والحكومة ، والأعداد الشخصي للأفراد والجماعات .
أما الإحساس المشترك فهو أن يفهم الشعب تماما أنه حكاماً ومحكومين معرض لخطر واحد في حالة الحرب ، وانه إذا قدر له ان يصاب بمكروه فسيصاب جماعة واحدة . قادة وشعباً . وهذا الفهم المشترك او الاحساس الواحد يعطي للشعب صلابة نفسية تجعله يواجه الخطر بكل ثبات .
أما الإعداد الشخصي للأفراد والجماعات فهو أن تطلع الحكومة الشعب بكل صراحة على ما ينتظر من الحرب وما يتوقع من أهوالها ، أو على الأصح تجنب السياسة
العتيقة التي كانت تتبع فيما مضي ، وهي منع إثارة الخواطر والمخاوف بالأفضاء بالبيانات الصحيحة والعلومات الصريحة عما ينتظر حدوثه في الحرب .
ويسلم مستر بوزنام بأن كشف الموقف على صورته الحقيقية قد يؤدي إلي إثارة المخاوف ، ولكنه يؤكد ان خطراً حقيقاً مؤكداً ، هو اخف اثراً وأقل نتائج من أخطار غامضة مفاجئة . فالإنسان الذي يعلم جيداً إلي أي مدى تستطيع وسائل الدفاع السلبي عن المدن حمايته ، ونقط الضعف في هذه الوسيلة من وسائل مقاومة الغارات ، هو بلا شك اكثر استعداداً من الانسان الذي يؤمن كل الأيمان بأن طائرات العدو لن تستطيع الوصول إلي سماء مدينته بفضل وسائل الدفاع ؛ فمثل ذلك الإنسان سيتضعضع لمجرد رؤية طائرة العدو تحلق فوقه وتلقي قنابلها ، فتهدم نفسه قبل ان ينهدم مبني واحد ، او قد لا يهدم شيء إلا نفسه .
ولعل القراء يذكرون أن ما يشير إليه الكاتب من الإعداد النفسي للشعوب هو السياسة التي اتبعتها دول الحلفاء في هذه الحرب ؛ ففي خطاب جلالة ملك الإنجليز إلي شعبه عند إعلان الحرب ، ذكر الشعب بأنه ستمر به " أيام سود " وفي تصريح المسيو دلاديه بعد إعلان فرنسا الحرب اشار إلي " المتاعب الناجمة " وإلى أن الحرب قد تطول ، وإلى " ثمن العدالة الغالي " ولعل هذه الصراحة من قادة الشعوب في إظهار حقيقة الموقف من اهم أسباب قوة الروح المعنوية عند الخلفاء .
بين هتلر و شارلى شابلن
يشتغل شارلي شابلن الممثل الهزلي المعروف في إخراج قصة سينمائية جديدة هي " الدكتاتور العظيم " فيها سخرية كبيرة بالنظام الدكتاتوري وتعريض بالطغاة . وسوف يقوم شارلي في هذه القصة بدور جديد لم بألفه مشاهدو شرائطه السينمائية ، إذ انه سيمثل شخصية الدكتاتور الكبير " هسكل " وفي الوقت نفسه يمثل شخصيته المعروفة المرحة بعصاه وقبعته وسرواله . وتدور الرواية حول التشابه بين
الشخصيتين المهرج والدكتاتور ، مما يؤدي إلي القبض على المهرج لسبب واحد هو هذا الشبه . ومن الغريب ان هذا الشبه الذي سيخرجه شارلي على الشاشة البيضاء هو نفس الشبه بين هتلر وشارلي شابلن في الحياة العامة . فكلاهما يشبه الآخر في ملامح الوجه ، وكلاهما ولد في ابريل سنة ١٨٨٩ ، إلا ان الفرق بينهما هو ان شارلي لا يشبه هتلر إلا بهيئته المعروفة في عالم السينما ، أما في الشكل الحقيقي فهما يختلفان أشد الاختلاف .
ويعد شارلي شابلن إلي جانب الشهرة التي يتمتع بها ، من ارق ممثلي السينما عقلية وتفكيراً ، وله فلسفته الخاصة في الحياة : وهو يكتب بين الحين والحين مقالات قيمة تظهر بتوقيعات مستعارة يضمها اراءه وافكاره . ومن اعز اصدقائه دوق وعدسور ، و ه ج ويلز والدوص هكلي ، وله مع ويلز محاورات لطيفة في شئون المجتمع يقول شارلي إنه لابد من ان تظهر يوما إما على الشاشة أو بين دفتي كتاب .
