يتضح لك مما مثلنا أن للإيمان نوعين: فإيمانك بأن الرغيف أكبر من نصفه، وأن الواحد ثلث الثلاث (إيمان عقلي) لا اثر لك فيه ولا عمل، وإنما هو من الفطرة التي فطر الله الناس عليها. أما (الإيمان الوطني) أو (الإيمان بالحبيبة) بالنسبة للعاشق المتيم فهو (إيمان قلبي) ، لا دخل للعقل فيه، وهو فردي شخصي يختلف عن (الإيمان العقلي) الذي يتصف بكونه عاماً شاملا العقلاء جميعاً. وهذا التقسيم جديد استنبطته من الأمثلة المختلفة للإيمان ورأيت فيه نفعاً، لأنه يثبت جنس الإيمان، ولأنه بعد ذلك يساعد على تحديد البحث. أما الإيمان بأصول الدين، فهو من نوع الإيمان القلبي، ولكن للعقل دخلاً فيه من حيث إنه يقبل مبدأه ويقر نتائجه، ولا يناقضه وإن كان لا يفهمه تماما. وبيان هذه المسألة المهمة أن العقل (يؤمن) بادئ الرأي بوجود الله، وبأنه
عادل، ولا يناقض نتائج الإيمان بالقدر إجمالا ولكنه لا يستطيع أن يفهمها ولا أن يعلّلها، ومنشأ ذلك أن العقل مقيد في أحكامه بالحواس والخيال والاختبارات السابقة، لا يستطيع أن يتخلى عنها، أو يخرج عليها. فهو يحكم على عدل الله بما يعرف من حدود (العدل البشري) ، وما لديه من الاختبارات. فيقع في الخطأ لاختلاف فكرة العدل البشرية النسبية، عن فكرة العدل الإلهية المطلقة. فالعقل إذن لا يستطيع أن ينقض نتائج الإيمان ولكنه لا يؤمن تماماً، وإنما الذي يؤمن هو القلب.
