الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 465الرجوع إلى "الثقافة"

أول خدعة حربية :, غراثر يافا

Share
[ أتكون هذه القصة هي الأصل الذي أخذ عنه هومر شاعر الإلياذة قصة الحصان الخشبى الذي استعمل في فتح تروادة ] ؟

أمر تحوتمس الثالث ، فرعون مصر العظيم ، في عام ١٤٧٥ قبل الميلاد بغزو يافا والاستيلاء عليها ، وأرسل قائده " تحوتي " لهذا العمل الحربي الشاق .

ولكن القائد الفرعوني بثاقب فكره رأي أن حصاره قد يطول كثيرا ، وقد يكون من غير جدوي ، ولقد عز عليه أيضا أن يرجع مخذولا ، وهو يتحرق شوقا إلي نصر حربي حاسم .

راح يفكر في حيلة وخدعة تمكنه من غايته في أقرب وقت مستطاع ، لقد تردد في بداية الأمر في اتباع الدهاء والخداع في إنجاز مهمته الحربية ، ولكنه سرعان ما تلاشي تردده هذا عندما راح يسأل نفسه :

- أليست الحرب خدعة ؟ فلماذا لا أخدع الأمير فأبقي على جنوده وجنودي ؟

وفي النهاية راقته هذه الفكرة ، بل تسلطت عليه وتحكمت في تفكيره ، فلم يجد القائد الفرعوني نفسه إلا سائرا في طريق تنفيذها .

أرسل تحوتي القائد الفرعوني رسولا من عنده إلى أمير يافا يخبره برغبة قائده في وقف القتال ، حبا في الصلح والتسليم ؛ وسمح للرسول بالمثول بين يدى الأمير ، وعندئذ قال :

- أيها الأمير إنني رسول القائد الفرعوني ، جئت أحمل لك منه كل

تقدير وإعجاب ... جئت أحمل لك الولاء والخضوع في ظل الصداقة والمحبة .

إنه يدعوك يامولاي إلي لقاء خارج أسوار المدينة تستمتعان فيه بحلو الحديث وتتبادلان صادق المودة .

فهز الأمير رأسه وقال :

- ليكن له ما أراد .

استقبل القائد الفرعوني أمير يافا خارج أسوارها وراح يبث فيه الطمأنينة والثقة ثم قاده وحاشيته إلى وليمة فاخرة ، فيها من الطعام أحسنه ومن الفاكهة أحلاها وأشهاها ، ومن الخمر أجودها .

في هذه الوليمة اختفت أكواب الماء وحلت محلها أقداح الخمر بأشكالها وألوانها . لقد قدمت الخمر في سخاء حتى يفقد الأمير وجميع حاشيته الوعي والإدراك في أقرب وقت مستطاع .

وعندما لعبت الخمر برأس الأمير سار القائد نحوه سائلا إياه :

- أتسمح أيها الأمير لخيلك أن تنزل ضيفا على خيلنا لتجد حظها من الغذاء والراحة .

فأجابه الأمير :

- لا مانع عندى .

وهكذا جرد القائد أمير يافا ورجاله من وسيلة الهرب والعودة إلي داخل أسواره .

وتقدم الأمير بعد ذلك مترنحا نحو القائد الفرعوني وقال :

- لقد سمعت الشئ الكثير عن هراوة فرعون ، وعلمت أنك تحملها معك فى حروبك ، فهل لي أن أراها ؟

وهنا وجد القائد الفرصة سائحة لأن يذهب بالأمير بعيدا عن حاشيته .

وفى مكان منعزل قيده بسلاسل وأغلال ، فأصبح

الأمير مغلوبا على أمره ، لا حول له ولا قوة ... وحاشيته عن كل ذلك لاهية عابثة .

وبعد ذلك أمر القائد لإكمال خدعته ، بإحضار بعض الغرائر الفارغة وراح يضع فى كل واحدة جنديا مزودا بالأسلحة ، وأحضر لكل غرارة رجلين لحملها إلى داخل أسوار المدينة .

ثم أمر القائد بإحضار قائد عربة الأمير وقال له :

هذه الغرائر محملة بهدايانا إلى أمير يافا ... فهل لك أن تقود رجالى إلى قصر الأمير لتقديمها إلى زوجه ، عنوانا منا على خضوعنا وتسليمنا ؟

فأجابه قائد عربة الأمير :

- لك ما تشاء مادام الأمر كذلك .

وسار الركب بغرائره والدليل يتقدمه فرحا مستبشرا بهذه المهمة التى سيشرح بها خاطر زوجة الأمير .

وعند أبواب المدينة أعلن الدليل لحراسها مهمته فصدقوه وفتحوا المواكب أبواب يافا .

ولكن سرعان ما فتحت الغرائر وخرج من فيها من جنود ، وراحوا يوزعون الأسلحة عليهم ، فإذا بحراس أبواب المدينة يباغتون بهذا الهجوم المفاجىء .

وفى نفس اللحظة التى فيها تمكنت جنود الغرائر من الاستيلاء على أبواب المدينة ، كان جيش القائد الفرعونى قد وصل إليهم فدخل المدينة فاتحا ظافرا دون أن يتكبد جيشه ولا جيش يافا خسائر تذكر .

اشترك في نشرتنا البريدية