أمر تحوتمس الثالث ، فرعون مصر العظيم ، في عام ١٤٧٥ قبل الميلاد بغزو يافا والاستيلاء عليها ، وأرسل قائده " تحوتي " لهذا العمل الحربي الشاق .
ولكن القائد الفرعوني بثاقب فكره رأي أن حصاره قد يطول كثيرا ، وقد يكون من غير جدوي ، ولقد عز عليه أيضا أن يرجع مخذولا ، وهو يتحرق شوقا إلي نصر حربي حاسم .
راح يفكر في حيلة وخدعة تمكنه من غايته في أقرب وقت مستطاع ، لقد تردد في بداية الأمر في اتباع الدهاء والخداع في إنجاز مهمته الحربية ، ولكنه سرعان ما تلاشي تردده هذا عندما راح يسأل نفسه :
- أليست الحرب خدعة ؟ فلماذا لا أخدع الأمير فأبقي على جنوده وجنودي ؟
وفي النهاية راقته هذه الفكرة ، بل تسلطت عليه وتحكمت في تفكيره ، فلم يجد القائد الفرعوني نفسه إلا سائرا في طريق تنفيذها .
أرسل تحوتي القائد الفرعوني رسولا من عنده إلى أمير يافا يخبره برغبة قائده في وقف القتال ، حبا في الصلح والتسليم ؛ وسمح للرسول بالمثول بين يدى الأمير ، وعندئذ قال :
- أيها الأمير إنني رسول القائد الفرعوني ، جئت أحمل لك منه كل
تقدير وإعجاب ... جئت أحمل لك الولاء والخضوع في ظل الصداقة والمحبة .
إنه يدعوك يامولاي إلي لقاء خارج أسوار المدينة تستمتعان فيه بحلو الحديث وتتبادلان صادق المودة .
فهز الأمير رأسه وقال :
- ليكن له ما أراد .
استقبل القائد الفرعوني أمير يافا خارج أسوارها وراح يبث فيه الطمأنينة والثقة ثم قاده وحاشيته إلى وليمة فاخرة ، فيها من الطعام أحسنه ومن الفاكهة أحلاها وأشهاها ، ومن الخمر أجودها .
في هذه الوليمة اختفت أكواب الماء وحلت محلها أقداح الخمر بأشكالها وألوانها . لقد قدمت الخمر في سخاء حتى يفقد الأمير وجميع حاشيته الوعي والإدراك في أقرب وقت مستطاع .
وعندما لعبت الخمر برأس الأمير سار القائد نحوه سائلا إياه :
- أتسمح أيها الأمير لخيلك أن تنزل ضيفا على خيلنا لتجد حظها من الغذاء والراحة .
فأجابه الأمير :
- لا مانع عندى .
وهكذا جرد القائد أمير يافا ورجاله من وسيلة الهرب والعودة إلي داخل أسواره .
وتقدم الأمير بعد ذلك مترنحا نحو القائد الفرعوني وقال :
- لقد سمعت الشئ الكثير عن هراوة فرعون ، وعلمت أنك تحملها معك فى حروبك ، فهل لي أن أراها ؟
وهنا وجد القائد الفرصة سائحة لأن يذهب بالأمير بعيدا عن حاشيته .
وفى مكان منعزل قيده بسلاسل وأغلال ، فأصبح
الأمير مغلوبا على أمره ، لا حول له ولا قوة ... وحاشيته عن كل ذلك لاهية عابثة .
وبعد ذلك أمر القائد لإكمال خدعته ، بإحضار بعض الغرائر الفارغة وراح يضع فى كل واحدة جنديا مزودا بالأسلحة ، وأحضر لكل غرارة رجلين لحملها إلى داخل أسوار المدينة .
ثم أمر القائد بإحضار قائد عربة الأمير وقال له :
هذه الغرائر محملة بهدايانا إلى أمير يافا ... فهل لك أن تقود رجالى إلى قصر الأمير لتقديمها إلى زوجه ، عنوانا منا على خضوعنا وتسليمنا ؟
فأجابه قائد عربة الأمير :
- لك ما تشاء مادام الأمر كذلك .
وسار الركب بغرائره والدليل يتقدمه فرحا مستبشرا بهذه المهمة التى سيشرح بها خاطر زوجة الأمير .
وعند أبواب المدينة أعلن الدليل لحراسها مهمته فصدقوه وفتحوا المواكب أبواب يافا .
ولكن سرعان ما فتحت الغرائر وخرج من فيها من جنود ، وراحوا يوزعون الأسلحة عليهم ، فإذا بحراس أبواب المدينة يباغتون بهذا الهجوم المفاجىء .
وفى نفس اللحظة التى فيها تمكنت جنود الغرائر من الاستيلاء على أبواب المدينة ، كان جيش القائد الفرعونى قد وصل إليهم فدخل المدينة فاتحا ظافرا دون أن يتكبد جيشه ولا جيش يافا خسائر تذكر .
