الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 470الرجوع إلى "الثقافة"

إذا سابقنا الصوت ... وسبقناه

Share

تبلغ سرعة الصوت فى الهواء ٧٦١ ميلا فى الساعة . وهذه هى السرعة التى ينتقل بها صوت طلقة مدفع الإفطار إلى أذنيك فى غروب كل يوم من أيام رمضان . وهى سرعة بطيئة جدا إذا قورنت بسرعة الضوء والكهرباء ؛ ولذلك كثيرا ما تسمع صوت المدفع فى الراديو قبل أن تسمعه مباشرة فى الهواء . والصوت موجة تنتقل فى الهواء بالسرعة المحددة المذكورة ، فإذا أمكنك أن تركب طائرة تطير بسرعة الصوت فماذا يحدث لك ؟ يحدث أن لا تسمع شيئا مما يحدث خلفك ، لأن صوت ما يحدث خلفك لا يلحقك ، ويمكنك فقط أن تسمع الأصوات التى تواجهك ، وبذلك تستريح من نصف اللغو (أو الحكمة )التى تصب فى أذنيك فى كل لحظة . .

وليس سباق الصوت أمرا مرغوبا فى ذاته ، إذ ليس بيننا وبينه منافسة ، ولكن السباق الحقيقى هو فى زيادة سرعة الطائرات ، حتى يمكنها قطع أطول المسافات حاملة الركاب والبضائع النفيسة من قنابل ذرية وغيرها فى أقصر

الأوقات ، وأسرع طائرة عرفت حتى اليوم ، واحدة من طراز دوجلاس سكايستريك ركبها الماجور ماريان كارل الأمريكى فوق سهول كاليفورنيا فى شهر أغسطس الماضى ، وبلغت سرعتها المسجلة ٦٥٠,٦ ميلا فى الساعة ، فأمامنا مائة ميل أخرى حتى تبلغ سرعة الصوت وتغيره فى الحركة . وتصنع شركه ( بل ) طائرة جديدة لضرب الرقم القياسى ترمز لها بالرمز ( ١-XS ) .

ولعلك تتساءل عما يمنعنا من وضع آلات قوية فى طائرات صغيرة ، حتى يمكنها بلوغ سرعة ألف ميل أو أكثر ، وجواب ذلك أن الصعوبة الحقيقية هى فى مقاومة الهواء للطائرات السريعة ، لان جزئيات الهواء لا يمكنها أن تسرع فتتنحى من طريق الطائرة التى تمرق كالسهم فيه . وبذلك تتراكم جزئيات كثيرة من الهواء أمام الطائرة ، فيزاد تضاغطها فتعوق الحركة . وشبيه بذلك ما يحدث إذا أسرع شخص مهرولا وسط جمع فقير ، إنه يصطدم بهذا وذاك ، ويلزم له أن يكون عريض المنكبين ، متين البناء ، حتى يتحمل تلك الصدمات المتتالية ، ويحتفظ

ببعض قوته لمواصلة السير وسط الجموع الحاشدة ، وكذلك الأمر فى الطائرة المسرعة وسط الهواء ، إذ يتعين بناؤها بإحكام وتقوية أجزائها بحيث تتحمل الضغط الشديد .

وصعوبة أخرى ، ما يخشاه رجال الطيران على أنفسهم إذا طاروا بسرعة الصوت ، إذ قد يؤثر ذلك تأثيرا ضارا يمنع الجسم من تأدية بعض وظائفه مثل التنفس أو الحركة بسهولة . ولذلك يفضلون فى باديء الأمر أن تجرى التجارب على طائرات أوتوماتيكية بدون قائد ، حتى إذا استيقنوا من سلامتها وصلاحيتها أمنوا على من فيها من الراكبين .

وقد صنع البريطانيون نموذجا مصغرا لطائرة صاروخية وزنها ٩٠٠ رطل وامتداد جناحيها ثمانى أقدام ، وربطوها إلى طائرة عادية حملتها معها إلى ارتفاع سبعة أميال فوق سطح البحر ، حتى بلغت سرعتها ٤٠٠ ميل فى الساعة ، ثم فصلت الطائرة الصاروخية، وأديرت فيها المحركات التى بداخلها بطريقة اوتوماتيكية فابتدأت تكسب سرعة بعد ١٥ ثانية ، واستمرت فى الطيران لمدة دقيقتين ثم وقعت فى البحر ، كما كان مقدرا لها ، وفى خلال هاتين الدقيقتين ، كانت الآلات العلمية والمناظير الحاسبة ترقب حركة الطائرة ، وتسجل ما يحدث لها وللهواء الذى حولها ، وقيل إن سرعتها قد زادت عن الألف ميل بكثير . وأعلن البريطانيون هذا النبأ فى الشهر الماضى بزهو وافتخار .

وقالوا إن تكاليف الطائرة الصاروخية الواحدة تبلغ حوالى عشرين ألف جنيه ، وإن لديهم ٧٤ طائرة أخرى لاستمرار التجارب . وسرعان ما سخر الأمريكيون من هذا القول ، وأعلنوا أنهم قد أجروا تجارب مماثلة منذ سنتين ، وكانوا يطلقون الطائرات الصاروخية من سطح الأرض مباشرة بالقرب من شواطئ ولاية فرجنيا ، وإن السرعة وصلت فى هذه التجارب إلى  أكثر من ١٥٠٠ ميل فى الساعة .

ومن المعلوم أن القذائف العادية كثيرا ما تنطلق من

البنادق والمدافع بسرعة تفوق سرعة الصوت ، وقد أجريت تجارب كثيرة على القذائف الصاروخية التى استعملها الآلمان فى الحرب الأخيرة وهى المعروفة باسم (V2 ) ، وتبين  أن سرعتها تصل إلى ٣٦٠٠ ميل فى الساعة ، وكانت هذه القذائف وأمثالها تسقط على المدن الإنجليزية بعد أن تطلق من الشواطئ الألمانية . دون أن يسمع لما صفير ، ينذر باقترابها ، لأنها كانت تسبق كل صوت ينم عنها ، فتهبط بثقة كالصاعقه ، وكان لهذا أكبر الأثر فى إضعاف حالة السكان المعنوية .

وقد عرض فى بعض دور السينما المحلية شريط يمثل منظر إطلاق بعض هذه القذائف من فوق سطح حاملة الطائرات الأمريكية ميدواى التى تبلغ حمولتها ٤٥ ألف طن . وقد أجرت البحرية الأمريكية هذه التجارب يوم ٦ سبتمبر الماضى لمعرفة صلاحية حاملات الطائرات لإطلاق مثل هذه القذائف .

وأغلب الظن أن الطائرات التى ستسبق الصوت لابد وأن تكون أقل اعتمادا على الهواء العادى من الطائرات العادية ، إذ أنها ستطير على ارتفاعات عالية حيث يقل الأكسجين فى الهواء لقلة كثافته ، ولذلك ينتظر أن تكون تلك الطائرة نفاثة ، وإذا أديرت بمحرك يكون من نوع التربينات الغازية ، وقد أدخل النوعان معا فى طائرة مقاتلة حديثة صنعت للأسطول الأمريكى وركب فيها تربين غازى فى المقدمة ونافثة فى الخلف ، وتبلغ سرعة هذه الطائرة 500 ميل فى الساعة

فالطائرات الحديثة تسابق الصوت وستسبقه بعد سنوات قليلة على الأ كثر ، وعندئذ يبدأ  سباق آخر للخروج من ربتة الجاذبية الأرضية إلى الفضاء الواسع ، وإذا خيل للإنسان يوما أن يسابق الضوء فسيكون فيه له الفناء أو الفشل ، إذ ليس ثمه سرعة أكبر من سرعة الضوء ، وليس ثمة جسم مادى يمكنه أن يقترب كثيرا من هذه السرعة المطلقة

اشترك في نشرتنا البريدية